والله لا نعلم بأي وجه نحتفي بذكرى مولد الرسول الأكرم "صلى الله عليه وسلم" ونحن بين فريقين: أولهما يفخرون بأنهم يحيون ذكرى مولده الشريف كل عام، لكنهم ينسلخون من تعاليم نبيهم كما تنسلخ الحية من جلدها، وثانيهما يبدعون ويفسّقون كل محتفٍ بمولد خير الأنام، وبين هؤلاء وهؤلاء تبقى ثلة قليلة يعلمون أننا لا نحيي ذكرى نبينا بل نحيا بها.. فمن نحن لكي نحيا؟ ولكن إلى متى سنظل في هذه الدائرة كثيرًا بين هذين الفريقين؟ هل سيبقى الدين طقوسًا لا روح فيها أو أحكامًا لا فقه فيها؛ فنبدأ حفلاتنا الراقصة بالقرآن، ونتذكر سر الدعاء والسجدة في الاستاد فقط؟ أونتمتم بكلمات ونكرر آلاف الأذكار، لكنها أبدًا لا تجد طريقها للقلوب ولا للأفعال، ثم نفخر بأننا شعب متدين بطبعه! ربما يكون هذا تدينًا ولكه تدين سلبي أو التزام ظاهري من الذي يَرضى عنه الحكام ويشجعه الفاسدون وأصحاب المصالح، ويروج له مشايخ السلطان بعيدًا عن الدين المحمدي الأصيل.. هللنا وانتشينا منذ شهور بانتشار ملصق "هل صليت على النبي اليوم؟ وهو بوستر يحمد فاعله كثيرًا على التذكرة.. ولكن هل سيقف اقتداؤنا بنبينا عند هذا الحد أم سيأتي اليوم الذي يدخل فيه المواطن مصلحة حكومية فيرى ملصقات كُتب عليها: يقول أفضل الخلق (ص)الراشي والمرتشي في النار فهل أخذت رشوة اليوم؟ أو نجد بوسترًا في قسم شرطة مزينا بحديث المصطفى(ص): "اتقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" فهل آذيت اليوم مواطنًا ولو بشطر كلمة؟ هل يستطيع أن يعلق رئيس كل جهاز وشركة في مكتبه أو في غرف كشف الهيئة للمتقدمين للوظائف أو الكليات العسكرية لوحة كبيرة تضيء بكلام أعدل الناس (ص): الناس سواسية كأسنان المشط.. فهل فضلت اليوم أحدًا على آخر وأنت تعلم أنه ليس أحق بهذا الأمر؟ هل من الأحلام أن يرى وجهاء القوم لافتات على مداخل المنتجعات السياحية والفنادق الكبرى مرصعة بقول الإمام علي" ما جاع فقير إلَّا بما تمتع به غني" أو نجد على أبواب الأبراج الملاصقة لعشوائيات القاهرة تذكرة بقول من أرسله الله رحة للعالمين: ليس منا من بات شبعانًا وجاره جائع" فهل تكفلت اليوم بطعام فقير؟ ماذا سيحصل لو توقف خطباء الجمعة عن خطب ملتزمة بالمواسم والأعياد والجمل الروتينية المكررة التي قد مل منها الناس؟ هل سيأتي يوم يدخل فيه المصلون المساجد في ذكرى مولد المصطفى فيستمعون لخطبة عن فضل قول الحق في وجه سلطان جائر، ووجوبنصرة المظلوم في الإسلام اقتداء بسيرة إمام المجاهدين؟ الغريب أن أكثر خطباء اليوم باختلاف اتجاهاتهم السياسية أصبحوا يرفضون الحديث في الشأن العام الإقليمي أو الأحداث السياسية الداخلية منظلم وفساد وفقر وقهر وغيرها من الأمور التي ابتلي بها المصريون يسكتون عن هذه الأشياء وكأن الدين أصبح طقوسًا وحركات وانزواءًفي المساجد وهمهمات لاترتبط بالواقع وحيادًا في الصراع بين الحق والباطل على أحسن الفروض إن لم يصفقوا للباطل ويأتمروا بأمر كلحاكم متغلب ثم تراهم يتحدثون في خطبهم عن شمولية الإسلام وأن خاتم المرسلين أقام الدنيا بالدين ولم يفصل بينهما كما يدعي العلمانيون.