دخلت قضية العسكريين اللبنانيين الذين تم خطفهم على أيدي تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" مرحلة جديدة، بعد أن توقفت الوساطة القطرية التي بدأت منذ نحو خمسة أشهر، بين الحكومة اللبنانية والمسلحين في جرود عرسال شرق لبنان، في الوقت الذي ينظم فيه أهالي العسكريين المخطوفين اعتصامات واحتجاجات في أكثر من نقطة من لبنان، للضغط على الحكومة للتفاوض مع الخاطفين، ما ينبئ بانفجار الأوضاع وتأزم القضية. مرت قضية العسكريين المخطوفين بعدة مراحل صعبة، لم تؤت ثمارها حتى الآن بعد نحو خمسة أشهر على اختطافهم، فمنذ البداية رفضت الحكومة اللبنانية التفاوض مع الخاطفين والخضوع لمطالبهم، لكن هيئة علماء المسلمين دخلت على خط الوساطة ثم انسحبت بعد قبول الحكومة مبدأ التفاوض غير المباشر، فدخلت قطر عملية الوساطة وكلفت السوري "أحمد الخطيب" بالتفاوض مع داعش والنصرة، على اعتبار أن قطر لها باع طويل في التفاوض مع الجماعات الإرهابية مما يؤكد على التواصل الدائم معهم ودعمهم. مطالب الجماعات المسلحة مرت أيضا بعدة مراحل، حيث كان سقف المطالب هو الإفراج عن موقوفين في سجن "رومية"، لكن فيما بعد رفعت الجماعات الإرهابية سقف مطالبها، لتطالب "داعش" بإطلاق سراح عشرة سجناء من "رومية" مقابل كل عسكري، أما "النصرة" فطلبت إطلاق سراح 150 إرهابياً من سجن "رومية" و1500 امرأة سورية قسم منهن في السجون السورية، وفي هذه الأثناء قامت كل من الجماعتين الإرهابيتين بتصفية خمسة من المخطوفين الموجودين بحوزتها حتى الآن، فيما لا تزال المباحثات عقيمة ولم تسفر عن شيء. تصفية الجندي "علي البزال" رميًا برصاص جبهة النصرة منذ أيام، جاءت على ما يبدو لدفن الوساطة القطرية، فبعد مقتله هددت النصرة بتصفية جندي آخر إذا لم يطلق سراح سجى "الدليمي" زوجة زعيم تنظيم داعش "أبو بكر البغدادي"، و"علا جركس" زوجة القيادي في النصرة المعروف ب"أبو علي الشيشاني". أنهت قطر رسمياً وساطتها "غير الفاعلة" مؤخرا، حيث أعلنت وزارة الخارجية القطرية، عن عدم إمكانية استمرارها في جهود الوساطة لإطلاق سراح العسكريين اللبنانيين الذين تم اختطافهم أغسطس الماضي في محيط بلدة عرسال اللبنانية، وأوضحت وزارة الخارجية في بيان أن "جهود الوساطة جاءت لأسباب إنسانية وانطلاقاً من حرص قطر على الحفاظ على أرواح الأبرياء وذلك بعد طلب من الأشقاء في لبنان الوساطة القطرية"، وأكدت الخارجية أن قرار عدم إمكانية الاستمرار جاء نتيجة لفشل الجهود المبذولة، وأعربت الخارجية عن بالغ أسفها لمقتل الجندي اللبناني "البزال" الذي قتلته جبهة النصرة قبل أيام، والذي كان محتجزًا لديها منذ أغسطس الماضي، وجددت حرصها على بذل كافة الجهود الدبلوماسية من أجل الحفاظ على الأرواح. من جانبها، ترفض الحكومة اللبنانية رفضاً قاطعاً مطالب جبهة النصرة بإطلاق سراح معتقلين من السجون اللبنانية وخاصة نساء عدد من القياديين في الجبهة وتنظيم "داعش" مقابل الإفراج عن الجنود المخطوفين، مما جعل الوسطاء وأهالي المخطوفين يتهمون الحكومة بعرقلة المفاوضات، فأشتعلت التوتر والاحتجاجات في عدة مناطق لبنانية وقطع أهالي المخطوفين الطرق. تحتفظ "النصرة" ب17 عسكريًا لبنانيًا أسيرًا، و"داعش" ب7 عسكريين آخرين منذ المعارك التي خاضها التنظيمين ضد الجيش اللبناني أوائل أغسطس الماضي في بلدة عرسال اللبنانية الحدودية المحاذية لمنطقة القلمون السورية، وأعدم "داعش" عسكريين اثنين أسيرين لديه هما "علي السيد" و"عباس مدلج"، ذبحًا، في حين أعدمت "النصرة" الجندي "محمد حمية" قبل أسابيع، بإطلاق الرصاص على رأسه، قبل أن تعدم "البزال" مساء السبت الماضي. أعلنت هيئة العلماء المسلمين عن مبادرة أطلقت عليها اسم "مبادرة السلامة والكرامة"، دعت فيها الحكومة اللبنانية إلى إطلاق فوري لسراح النساء والأطفال المحتجزين، كما طالبت الخاطفين بالكف عن ترويع أهالي الجنود وتهديدهم بقتل أبنائهم، ورأت الهيئة أن مقايضة العسكريين المخطوفين بالموقوفين المتشددين هي مقايضة الضرورة. على الرغم من العلاقات الوطيدة التي تربط قطر بالجماعات المسلحة، ونجاح جهود الوساطة والتفاوض في كثير من الأحيان، مثل نجاح الوساطة في الإفراج عن الجنود الفيجيين من قوات حفظ السلام الذين كانوا محتجزين في سوريا من قبل المسلحين أيضًا، لدرجة جعلت قطر الوسيط الأول والمتحدث باسم المسلحين، إلا أنها لم تكن لها فاعلية هذه المرة، ما جعل أحد الوزراء في الحكومة اللبنانية يقول إن "الوساطة القطرية لم تتفعّل يوماً إلا إعلامياً"، مضيفاً أن الموفد القطري السوري "أحمد الخطيب"، "كان على ما يبدو ينفّذ أجندة قطرية وقد أنهاها".