وما زال الرجل يتذاكى ويتحدى الملل حتى يكتب عند الله سفيها.. بالأمس القريب هلل أغلب الإسلاميين للمجلس العسكري، واستماتوا في الدفاع عنه بحجة الإسراع بالمسار الديمقراطي، ثم كان مآلهم بعد أشهر قليلة إلى السجون، ومصادرة أموالهم؛ وتعرضهم لأكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديث، ليتضح لنا جليًّا أن من تفاخروا كثيرًا بأن ثمانين سنة من العمل السياسي كافية؛ لأن نثق في خبراتهم، ونمشي وراء اختياراتهم (فالإخوة اللي فوق عارفين كل حاجة طبعًا) لم يعرفوا عن السياسة إلَّا أنها تبرير، فسجن، فمحاكات، فإعدامات، أو تعذيب، فاستشهاد.. وعندما بدأ الإرهاب ينتقل رويدًا رويدًا من دائرة النظرية إلى دائرة الواقع؛ بفعل القتل، والسجن، والتعذيب، والمحاكمات الظالمة، ونسف كل أمل لأي حريات حقيقية، أو تداول للسلطة، وهي البيئة التي يترعرع فيها التكفيريون والغلاة؛ ليظهر لنا الإرهابيون مجددًا بفيديوهات يتقربون فيها إلى الله بقتل الأبرياء وذبح المخالفين، لكن هذه المرة بمباركة بعض الإسلاميين "الوسطيين"!! إما علانيةً باعتبار أن أي راية إسلامية ولو كانت مسبوغة بلون الدم هي أحب إليهم من أي فصيل آخر على الرغم من اكتوائهم في القريب من حزب النور وشيوخ الفضائيات وإما بتشجيع خفي، لا يختلف كثيرًا عما اقترفه عباقرة الثورة ممن تحالفوا مع الفلول والنظام السابق للخلاص من الإخوان أولًا؛ إذ يرفض بعض الإسلاميين توجيه النقد لجرائم الإرهاب بهدف الخلاص من الحكم العسكري أولًا، "وبعدين نبقى نتفاهم مع الدواعش والتكفيرين" الذين أعلنوا بكل وضوح أن مرسي مجرم مرتد، طاغوت أكبر يحقد على المسلمين والموحدين؛ ولذا وجب قتله؛ لأنه لبَّس على العوام دينهم، ورضي بالديمقراطية، وقاتل أهل سيناء في العملية نسر. لكن إيه المشكلة يعني؟ احنا نجربهم بردوا في الحكم، ولو مانفعوش أهو ميدان التحرير موجود.. معروفة طبعًا! ألا يعلم كل من أصابته لوثة طائفية ومذهبية، وهو يهلل لمجازر داعش ضد الأيزيدين، وجرائمهم ضد المسيحيين ونسائهم أن العشائر السنية في الموصل وغيرها هم أول من اكتووا بنيران داعش الإرهابية؟ أم يظنون أن الدواعش الذين يرون في تنظيم القاعدة طائفة مفرطة في دينها، سوف يسفكون الدماء من أجل الشرعية، والديمقراطية، وبناء المؤسسات، وتداول السلطة، ونزاهة الانتخاب، ومرسي رئيسي.. هع! أو أن أفئدة أبو بكر البغدادي وجنوده سترق لو وصفهم مرسي بأنهم رجال من ذهب، ومن ثم سيأتون إليه صاغرين مبايعين؟! إن قاطعي الرءوس الذين يتوعدون كل من لم يبايع أميرهم: جئناكم بالذبح! سيتمدد نفوذهم، وتتعاظم جرائمهم ما وجدوا رجالًا بلهاء يصفقون للفاشية، ويتغنون بالطائفية، ويقفون في صف أي جماعة إرهابية، لمجرد تبريد نارهم من خصومهم السياسية، ولكن هؤلاء الحمقى سيجدون أنفسهم قريبًا وقودا لنار تحرق أهليهم وذويهم أولًا، ولا تنطفئ نار أوطانهم من بعد ذلك أبدًا!