صدمة ووجع أصاب الكثيرون سواءً عرفوا أم جهلوا " زينب المهدي "الناشطة السياسية والمعارضة التي لم تتخلف تقريبا عن كل الأحداث، والتي انتحرت منذ أيام خلت، وعلى عكس العادة كان رد فعل الأغلب الأعَم تعاطفًا معها ودعاءً لها بالرحمة والمغفرة ودخول الجنة – ولا أعلم في الحقيقة هل لو كانت في الجبهة السياسية الأخرى كانت ستلقى قضيتها نفس الخطاب الإنساني أم لا؟! ولكن للأمانة – على حدود معرفتي – قليل هم –وللمفاجأة- الذين شغلوا أنفسهم بعاقبة جزائها وهل هي في النار أم في الجنة باعتبار أن بعضنا يهوَى تنصيب نفسه إلها يحكُم على مصائر العباد باعتبار أنه من الفرقة الناجية! ولكن يبقى السؤال الأهم والذي يجب أن نبحث عن إجابته حقا – هذا إن أردنا أن نُغيِّر من أفكارنا ومداركنا ونتعظ من تلك الفاجعة ومن ثم تتغير رؤيتنا الكونية لتلك الحياة – من الذي قتل زينب؟! هل هم حكام البلاد الذين شرَّبُوا الشباب اليأس والقهر والعجز بظلمهم وجبروتهم، ولم يتركوا لهم مثقال حبة من أمل فأصبحت الهجرة والفرار من الوطن أو الموت بأي طريقة في هذه البلدة هو أسمى أمانيهم؟ أم يأَّسَها شيوخ الدعوة السياسية الذي نظروا للسياسة باعتبارها فن الابتلاء وفقط.. وأن التمكين ليس من أخلاق المسلمين الذين لابد أن يذوقوا أصناف العذاب شتى حتى نَطمئِن أننا من أولياء الصالحين وأننا على الطريق المستقيم، وأن دولة الظلم ساعة ودولة القهر كل ساعة، وأنه من عدم الأدب تحليل الأخطاء والكوارث السياسية التي أوصلتنا لما نحن فيه لأن هذا هو قضاء الله الذي لابد أن ينفذ ( وكده كده كان لازم يحصل انقلاب!! ) ليتوهم بعض الناس أن الله قد كتب علينا العذاب رغبة منه وجبرا ! أو ربما قد جَنى عليها أصحابها الذين كفروها أو تركوها ولم يسألوا عنها بعد أن خلعت الحجاب – وهي التي كانت تعاني نفسيا ومعنويا وماديا – امتثالا للمواعظ الدينية الحكيمة بأننا لابد وأن نُظهِر لأهل المعاصي اشمئزازَنا وتَبرُّمَنا حتى يعلموا أننا نبغضهم في الله، ومن ثم يعودوا إلى رشدهم صاغرين بعد أن يروا بأعينهم عِزَّ الإسلام وأهله، وذُلَّ الذَّنب وشُؤمه! ولم لا ونحن من نستمع إلى مثيلاتها من فتاوي تأمر المسلم بأن يُضيِّق الطريق على المسيحي ولو لم يؤذيه.. أو أولئك الذين يتعبدون إلى الله بالعَبَس في وجه إخوانهم وأهليهم لمجرد اختلافهم في التوجهات السياسية وفقط، ومنهم من سَمَى أكثر ليظهر الشماتة في وجوه المخالفين – ولو لم يصفقوا لباطل أو ينصروا ظالمًا – فرحًا بأي ضر أصابهم! أم أحبَطها شيوخٌ نصَّبوا أنفسهم حاكمين بأمر الله يُبَدِّعُون هذا ويُفسِّقون ذاك ويُكفِّرون أولئك، ولكنهم للأسف لم يكن لديهم من العلم الإلهي ما يهدون به الحيارى ويرشدون الضالين والغافلين ويجيبوا على تساؤلات تلك المسكينة – وغيرها ممن يبحثون عن شفاء للصدور وسكينة للقلوب وحياة للعقول – ولكن بإجابات وافية كافية وليس بردود سطحية عقيمة. أمَّا إذا أجزتم لأنفسكم أن تحاسبوا زينب المهدي لأنها انتحرت –جسديا – فحاسبوا أولا كل من انتحر سياسيا وخلقيا وإنسانيا.. فلعلكم وقتها تدركون أن كثيرا منَّا أموات غير أحياء ولكن لا يشعرون.