أحاديثهم لم تقتصر أبدًا على الأدب أو الحراك الإبداعي المصري، ولم يكن دورهم مراقبة الغرب بهدف تقليده حسبما يروج، فالمثقف المستقل انتقد المجتمع والسلطة، وخرج على مدار السنوات الماضية مطالبًا بتصحيح المسار، في محاولات مستمرة لنشر وزيادة الوعي والوقوف ضد ديكتاتورية الحكام، رافضًا تهميش طبقات من المجتمع لصالح طبقة واحدة وحيدة استأثرت بالثروة والسلطة، منتقدًا زيادة الأسعار، منددًا بقانون التظاهر، مطالبًا بالإفراج عن المعتقلين، ومتضامنًا مع قضايا الوطن العربي،لذا عمدت «البديل» رصد نماذج مختلفة من البيانات التي اجتمع عليها الكثير من المثقفين كبارًا وشبابًا، مفكرين ومبدعين، توضح مواقفهم في الفترة التالية لثورة 30 يونيه حتى الآن. في مواجهة زيادة الأسعار: خطوة إجرامية لصالح الأثرياء المثقفون المصريون اعتبروا رفع حكومة «محلب» للأسعار هي جريمة في حق الشعب المصري بكل المعايير، وهي جريمة لا يمكن لمثقف أو كاتب خرج من بين الناس ويعرف معاناتهم أن يسكت عنها. لم يترددوا في وصف رئيس الوزراء الحالي بأنه "ربيب نظام مبارك"، وطالبوه بالتراجع عن خطوته "الإجرامية" التي تنتزع بقايا الرغيف الأخير من بيوت الفقراء والفلاحين، والمثقفين الذين لا ينتسبون لأجهزة الدولة، ومن الموظفين والطلاب والعمال. «إنهم يبيدون الشعب تجويعًا وتجهيلًا وتعطيشًا، ويحاولون أن يحنوا رأس مصر بكل جلالها ليمرغوها في التراب لصالح حفنة من الأثرياء المجرمين الذين يشكلون شريحة تصل دخولها إلى أرقام خرافية، إننا نؤكد على ضرورة التراجع عن تلك الخطوة الإجرامية» تبلور تلك العبارة السابقة الموقف الذي اتخذه المثقفين المصريين -من واقع بياناتهم- كدعوة دائمة لممارسة كل أشكال الاحتجاج الشعبي في مواجهة الظلم والديكتاتورية وتجويع الشعب. في مواجهة قانون التظاهر: مخالفة المواثيق الدولية واغتيال للثورة وكطريقة معتادة لحكم البلاد بقبضة من حديد، انتهج النظام الحالي أي سبيل من شأنه قمع الحريات، وبالكاد أصدر قانونًا لتنظيم التظاهر، فخرج نحو 700 مثقفًا وفنانًا منددين بالقانون الذي سجن بسببه نشطاء من الداعين للاحتجاجات التي أسقطت نظام مبارك مطلع 2011 ومرسي منتصف 2013، كاشفين للمجتمع أن القانون يخالف المواثيق والعهود الدولية التي تلتزم بها مصر أمام المجتمع الدولي، كما أنه غير دستوري، مطالبين النقابات المصرية والوسط الحقوقي ونقابات الفكر بدعم البيان الداعي إلى إلغاء القانون والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين علي خلفيته. مطلع العام الجاري، أصدر المثقفون بيانًا حاد اللهجة، للتضامن مع الشاعر عمر حاذق، الصادر في حقه حكمًا بالسجن مدة عامين وغرامة 50 ألف جنيه، على خلفية اشتراكه في وقفة احتجاجية أثناء الحكم في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية «خالد سعيد»، على الرغم من تاريخ الشاعر الأدبي والثقافي الذي حصل خلاله على جوائز مصرية وعالمية رفيعة. جاء البيان الذي سارع الكثير من المثقفين بالتوقيع عليه وتمريره خلال مواقع التواصل الاجتماعي، رافضًا حبس «حاذق» ورفاقه، مؤكدًا على رفض قانون التظاهر، معتبرًا إياه سببًا في تلك الأحكام، كما يتهم المثقفون الشرطة بتلفيق التهم المختلفة مثل حمل أسلحة بيضاء وإتلاف ممتلكات عامة وغيرها من التهم. فجاء بيانهم: بناءً على قانون لم يتم التوافق عليه، وتم فرضه وفقًا لرغبة النظام في مصر بعد 30 يونيو، لخنق الروح الثورية التي ما تزال تحيا وتنبض وتطالب بحقوق الشهداء ومطالب ثورة 25 يناير، تم القبض على الشاعر عمر حاذق وآخرين يوم 2 يناير 2014، خلال مشاركتهم في وقفة احتجاجية بالإسكندرية ضد قتلة خالد سعيد، وذلك بتهمة التظاهر بدون ترخيص، جملة الاتهامات الموجهة للشاعر، تؤكد عودة الأساليب الأمنية للسيطرة على مقدرات أبناء وطن ثاروا ضد فساد نظام اغتال "خالد سعيد"، الذي كان مصرعه على يد جهاز الشرطة الفاسد، سببًا من أسباب خروج الناس في 25 يناير. في مواجهة «داعش»: نكسة للثقافة العربية وحول ما يجرى في العراق منذ مطلع العام الجاري، للمسيحيين وأبناء الطوائف الأخرى من تنظيم "داعش" الإرهابي، أعرب المثقفون المصريون عن صدمتهم من جرائم العنف والإرهاب التي ترتكب باسم الدين في الوطن العربي من قبل جماعات متوحشة لا تعترف بالقيم الإنسانية أو الحضارية، وتعمل على تدمير أوطانها في العراق والشام وليبيا، مؤكدين أن جميع الديانات السماوية التي تنزلت في هذه المنطقة المباركة بريئة تمامًا من الممارسات البربرية التي تقوم بها العصابات المنظمة، وأن الإسلام على وجه التحديد –وهم يزعمون تطبيقه- يؤسس لحقوق الإنسان في حرية العقيدة وعمران الكون وبناء الثقافات المتنوعة. كما رفضوا بشكل قاطع ما عمدت إليه الجماعات المخربة من اضطهاد مخز للمسيحيين في العراق والموصل وخاصة تخييرهم بين ترك عقائدهم أو دفع الجزية أو التهجير القسري من أوطانهم، معتبرين ذلك نكسة مخيفة للثقافة العربية المعتمدة على التعدد والتسامح وقيم المواطنة، وقضاءً مبرمًا على تقاليد العيش المشترك بين أتباع الأديان والأعراق والطوائف التي تميزت بها العراق على مدار التاريخ وأدى إلى ثراء عظيم لكل منجزات أبنائها فى العلم والمعرفة والفنون، وأهابوا بكل المؤسسات العربية والعالمية أن تهب لدحر هذا العدوان الجاهل والاستباحة الإجرامية للدماء والحرمات والمقدسات والشعائر وإعلان الانتصار للحرية والمساواة والقيم الحضارية النبيلة، والإصرار على ترسيخ ثقافة التسامح والتعايش والحفاظ على السلام المجتمعي والقيم الإنسانية. هكذا ظل المثقف المدافع الأول عن قضايا أبناء مجتمعه، في مواجهة السلطة والإرهاب، رافضًا الديكتاتورية والبيروقراطية، وكافة أشكال الفساد السلطوي والإرهاب الفكري.