يعانيأهالي عزبة الرمل بأبو زعبل التابعة لمركز الخانكة محافظة القليوبية إهمالًا وتهميشًا، أبعدهم عن الحياة الكريمة، ليكشف عن وجه الدولة القبيح، الذين اعتبروا سكانها أعدادًا في كشوف الأصوات الانتخابية يتم اللجوء إليها وقت مصلحة المرشح لمجلس النواب، مجموعة من السجناء في انتظار قرار مسئول بضمير قاضي يحترم العدالة ليفرج عن بؤسهم وعوزهم بتلبية مطالبهم والنظر في شكواهم.. بدورها انتقلت البديل إلى "عزبة الرمل".، حيث البيوت الصغيرة التي لا سقف لها، والعشش التي تأوي أكثر من 5 أفراد بداخلها..في استقبلتنا سيدة عجوز افترشت الأرض، أمامها بعض الطماطم والخضروات، قالت ام علي "أنا مش مصدقة عيني، بتوع الصحافة والتليفزيون نزلوا العزبة، احنا افتكرنا إننا مش موجودين ولا عايشين في مصر، وإان الدولة لا ترانا من الأساس، متسائلة: "أي مسئول يستمر على مكتبه ويعلم أن هناك مواطنين مياه الشرب لديهم مخلوطة بالصرف الصحي، ويضطر الأهالي الفقراء لاستخدامها من " الترومبة" لأنهم لا يستطيعون شراء جراكن المياه القادمة من الخانكة يوميًّا وسعر الواحد 2 جنيه. وقالت أم علي : أعيش في عزبة الرمل من 10 سنوات، بعد أن ضاقت بي الظروف مع زوجي الذي خرج على المعاش المبكر بإحدى مصانع القطاع العام بالمحلة، ليعمل بالقاهرة في "المحارة"، ولكن توفى منذ سنتين، لاستمر في بيع بعض الخضراوات التي تنفق علي أسرتي المكونة من خمسة أفراد. قاطعتها "أم آية"، لديها ثلاثة أطفال: "عزبة الرمل" معدومة الخدمات، لا يوجد مواصلات للعزبة إلَّا عن طريق التوك توك، الذي يعتبر همزة الوصل بين أهالي العزبة وأبو زعبل البلد، ولكنه لا يعمل بعد الساعة 7 مساءً، لتتحول العزبة إلى منطقة مقطوعة ليس لها علاقة بالعالم الخارجي، بل يزيد الأزمة خطورة أثناء تعرض ابني لنزلة معوية الساعة 3 فجرًا، لا أتمكن من إسعافه، فلا توجد وحدة صحية بالعزبة ولا عيادة طبيب، لا طريقة سوى أن يحمل زوجي الطفل لنمشي به من العزبة إلى الخانكة لنصل الساعة 6 صباحًا، حتى إنني شعرت وقتها أن ابني سيموت بعد كل هذه المعاناة. وتابعت أم آية: العزبة لا يوجد بها صيدلية واحدة، وكل يوم يجوب وزير الصحة المستشفيات الكبرى بالقاهرة، وينسى تمامًا العزب والقرى الفقيرة التي تحتاج ولا تطمع إلَّا في وحدة صحية بها طبيب ينقذ الأطفال وكبار السن، أو يقدم الإسعافات الأولية ؛ لنقل المرضى إلى مستشفى الخانكة أو أبو زعبل. من جانبه قال إبراهيم عبد الله، 45 عاما و سباك: العزبة تعاني من مياه الصرف الصحي التي تغرق أساسات البيوت، فالأهالي يعتمدون على الطرنشات والنزح أسبوعيًّا عبر عربات الوحدة المحلية، التي نعاني كثيرًا في طلبهم ونذهب إليهم أكثر من مرة لكي ينزلوا العزبة وينزحوا الصرف، وفي أغلب الأوقات تطفح الطرنشات بالبيوت وينزحها الأهالي بأيديهم بالشوارع، مضيفًا أنه يطالب بشبكة صرف صحي، وإنقاذ الأطفال والكبار من الأمراض المنتشرة؛ بسبب البعوض الناقل للأمراض، وإنقاذ المنازل من الغرق أيضًا، كفي مياه الأمطار التي تغرق العشش والبيوت؛ لعدم قدرة الأهالي بسقف البيوت بالمسلح، والاكتفاء فقط بمجموعة من عروق الخشب والصاج. رائحة الصرف الصحي تملأ السماء وأرجاء العزبة، مهما ابتعدت بين البيوت تلاحقك في كل مكان، قابلنا الحاج عويس، مدرس على المعاش، ذلك الرجل الستيني الذي يجلس أمام بيته، رغم الفقر وسوء الحال إلَّا أنه استقبلنا بابتسامة ودودة كلها ترحاب ومحبة، وبسؤاله: "لو قابلت السيسي تطلب منه إيه، أجاب بمنتهي البساطة: "احنا اللي زينا السيسي لا يقابلهم، احنا بس اللي بنموت في حوادث كبيرة أو على الحدود، ووقتها بس الدولة والرئيس يفتكرهم بالعزاء، احنا مش موجودين أساسًا عشان السيسي يقابلنا. واستطرد بعد تنهيدة طويلة: "أين حقوق الفقراء وكرامتهم الذي وعد السيسي بعودتها، نعلم جيدًا محاربة الإرهاب، لكن أحذره أن الفقر والإهمال والتهميش يولّد إرهابًا وعنفًا، ليأتي للعزبة بنفسه، الغائبة عن الحياة، ويرى شبابها والبطالة تأكلهم يومًا بعد آخر، بل تجرهم وتورطهم في المخدرات ثم العنف والبلطجة وفي النهاية سيكون التطرف ملاذهم الأخير باسم الدين، وتابع: لم نر مسئولًا نزل إلى القرية سواء قبل الثورة أو بعدها، كل المسئولين يركزون على أبو زعبل والخانكة وغيرها من المراكز الكبيرة، ويتركون العزب الصغيرة غير المرئية، مشيرًا إلى أن الإخوان المسلمين هم فقط من نزلوا أيام الانتخابات البرلمانية في 2012 ووعدوا الأهالي بشبكة للصرف الصحي، مضيفًا: إذا كانت الأحزاب مستاءين من نفوذ الإخوان بالقرى والنجوع فليفعلوا مثلهم ولا يلومون الفقراء على السكر والزيت!! بينما يصرخ فهمي عبد العال، أحد الأهالي، من اختراق أعمدة الضغط العالي الكهربائية للمنازل، في الوقت الذي رفض المسئولون إدخال الكابلات الأرضية وإلغاء الأعمدة الهوائية، بل ساعد "البديل" في الكشف عن هذه الكابلات بجوار رشاح العزبة، ترعة ملئية بالقاذورات، ملقاة دون استغلال. أضاف عبد العال أن هذه الأعمدة الموجودة بالمنازل تمثل خطورة شديدة عند قدوم الشتاء، حيث يترتب عليها الماس الكهربائي الذي أدى إلى إشعال النيران في أكثر من بيت في الشتاء الماضي، فضلًا عن إصابة الأطفال بنوبات صرع في المخ. أما عن المدارس تقول "أم عبد الله:" أولاد أو بنات آخرهم التعليم الابتدائي لأن مدرسته بالعزبة، أما الثانوي أو الإعدادي في أبو زعبل، ونحن نوفر لهم مصاريف الابتدائي بالكاد، ولا يمكن لنا أن ندفع مواصلات يوميًّا وتوك توك 10 جنيه للذهاب للمدرسة الإعدادي والثانوي، مشيرة إلى أنها تطالب الدولة ببناء مجمع مدارس بالعزبة يكون فرصة جيدة لتعليم البنات خاصة، أن الأهالي في العزبة يخشوا عليهم من التنقل لمسافات بعيدة، فالمنطقة ليست آمنة بشكل كاف، ومن بعد أذان المغرب ينتشر المجرمون والحرامية، ومتعاطو المخدرات. واستكملت هدي فتحي، مدرسة مطالب "عزبة الرمل" بتوفير مخبز بلدي بها، ومجمعات استهلاكية، ومركز شباب يكون وسيلة يفرغ الشباب بها طاقته، ويكون صالة أفراح للأهالي أيضًا، وتوفير فرص عمل ومشروعات صغيرة للنساء بالعزبة، فأغلبهن معيلات، حتى يتمكن من الإنفاق على أسرهن، وإعادة فتح مصنع أبو زعبل للألمونيوم وتشغيل أهالي العزبة وغيرها من القرى المجاورة، وتوفير فرص عمل للشباب العاطلين، بدلًا من جلوسهم علي المقاهي. أم يوسف تحمل ابنتها "بسمة" التي لم تتجاوز الأربع سنوات، وتكشف عن بنتها مستغيثة بمساعدتها وتوفير علاج على نفقة الدولة، حيث أجرت للطفلة عملية للانسداد المعوي وفشلت وانفقت عليها كل ما تملك حتى أنها اضطرت لبيع أثاث منزلها، وما زالت الطفلة تحتاج إلى مزيد من العمليات، وتوجّه نداءها لوزير الصحة لإنقاذ ابنتها. في نهاية الجولة الطويلة بعد قضاء يوم مع أهالي عزبة الرمل التابعة لأبو زعبل، لا يمكنك سوى طمئنة الاهالي الذين عثروا عليك وكأنك طوق النجاة لهم، بأن أوجعاهم ستكون متاحة للمسئولين، الذين نعمل على حثهم لإنقاذهم وتلبية مطالبهم، تترك الأهالي خلفك محبوسين في سجن فقرهم ومشكلاتهم وتدني أوضاعهم المعيشية.. على أمل أن تكون هناك آذان صاغية للاستماع إليهم.. على جانب آخر قال المهندس الحسين حسان، مؤسس حملة مين بيحب مصر لتطوير المناطق العشوائية والقبور: إن وزارة العشوائيات يجب أن يكون لديها رؤية واضحة لتطوير الصعيد والأرياف المحرومة من الخدمات، وأن يضخ إليه الاستثمارات، فلا يصح أن تكون ميزانية الصعيد ب700 مليون جنيه في الموازنة الجديدة مقابل تنمية الصادرات ب2 مليار جنيه، مشيرًا إلى أن هؤلاء الفقراء المعدمين يهجرون قراهم المحرومة إلى القبور والمناطق العشوائية للسكن في عشش أو بناء مخالف من الطوب والحجارة. وحذر من استمرار إغفال سياسات الدولة الاقتصادية لتنمية المناطق العشوائية التي تضج باكثر من 20 مليون مواطن ليس تحت خط الفقر بل لا يعرفون الخط من الأساس، حيث إن دخل المواطن في العشوائيات "أقل من 300 جنيه شهريًّا"، ويتسأل المجتمع بعد ذلك ويغضب من الإرهابيين والبلطجية والمجرمين، فهذا المواطن الذي يعمل "ارزقي" بدخل هزيل لا يتجاوز 300 جنيه كيف يمكن أن يكون مواطنًا صالحًا محبًّا للمجتمع ومتحمسًا للانتماء إليه؟! أشار حسان إلى أن 80 % من الأنشطة الاقتصادية بمصر تتركز في القاهرة والإسكندرية، ما فاقم من مشكلة العشوائيات، مقترحًا حلًّا لعلاج هذه المشكلة بزيادة حجم الاستثمارات خارج القاهرة والإسكندرية، موضحًا أن الحل الأمثل تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسط. وأكد أنه من الممكن توفير التمويل لتطوير العشوائيات غير الآمنة، من خلال إعادة هيكلة بعض البنود في الموازنة العامة للدولة كتخصيص جزء من 100 مليار جنيه الموجهة للدعم لعلاج أزمة العشوائيات خاصة أن 80% من الدعم يذهب لغير مستحقيه، مؤكدًا أن تكلفة التعامل مع العشوائيات في الوقت الحالي قد تكون أقل بكثير من تكلفة الآثار السلبية الناتجة من بقاء الأوضاع كما هي عليه على المدى الطويل.