يعد مسجد السلطان أبو العلا أشهر مسجد بحي "بولاق"، لا يفصله عن شاطئ النيل إلا كورنيش ماسبيرو، ويحتل موقعة متميزة في شارع 26 يوليو، ويحمل اسم الحسين بن علي والمشهور ب"أبو العلا". وينسب المسجد إلى الشيخ الصالح حسين أبى على، المكنى بأبى العلا، الولى المعتقد صاحب الكرامات والمكاشفات على ما يصفه به الصوفيون، ولقب "سلطان" ليس سياسياً، ولكنه لأنه استطاع أن يكبح نفسه طوال 40 عاماً قضاها في زاويته المهجورة على ضفاف النيل. وسكن الشيخ الصالح في خلوة بزاوية، كانت موجودة بالقرب من النيل في القرن 15 الميلادي، وكان للناس فيه اعتقاد كبير، فكثر مريدوه ومعتقدوه، وكان من بينهم التاجر الكبير الخواجة نور الدين علي، ابن المرحوم محمد بن القنيش البرلسي، فطلب منه الشيخ أن يجد زاويته وخلوته التي كان يتعبد فيها، فصدع بالأمر، وأنشأ هذا المسجد، وألحق به قبة دفن فيه الشيخ "أبو العلا" عندما توفي عام 890 ه – 1486 م. ويقول محمد بك رمزي، المؤرخ والجغرافي، أن مسجد "أبو العلا" أنشئ عام 1485 م في عصر، وازدهرت فيه العمارة الإسلامية أيام السلطان المملوكي الجركسي قايتباي، وكان على طراز مدرسة ذات أربعة إيوانات متعامدة غنية بالنقوش في عصرها الزاهر، والمنبر فخر المنابر الإسلامية في دول المماليك الجراكسة، وصانعه – كما جاء على باب المقدم – علي بن طنين، والمنبر من الخشيب النقي المطعم بالعاج ومحرابه مكسو بالرخام. وأجريت للمسجد أكثر من عملية تجديد وإعمار، الأولى 1741 م والثانية 1847 م، ودفن فيه من العلماء الشيخ أحمد الكعكي المتوفي 1545 م، والشيخ عبيد، والسيد علي حكشة المتوفي 1854 م، والشيخ مصطفى البولاقي 1846 م. وفي العصر الحديث، تولت لجنة حفظ الآثار العربية بين عامي 1915 و1920 م عمليات إصلاحات شاملة، وأنشأت في النهاية الغربية للواجهة البحرية سبيلا يعلوه كتاب، اقتبست تفاصيله من نماذج عصره، وفكت مباني المنارة، وأعادت بناءها وأكلمت قمتها طبقا لمنارات عصرها، إلى أن سقط سقف الإيوان الشرقي أثناء الاحتفال بمولده يوم 13 يوليو 1922 م، فتعطلت به الشعائر الدينية، فأمر الملك فؤاد بتجديده وتوسيعه في عام 1925 م، فقامت وزارة الأوقاف بالتنفيذ، ونزعت ملكية الأماكن التي اقتضاها التوسيع، ثم عهدت إلى لجنة حفظ الآثار العربية بوضع تصميم تجديد المسجد، فراعت فيه المحافظة على الأجزاء القدينمة وإدماجها فيه، على أن تكون جميع التفاصيل مقتبسة من منشآت القرن 15 الميلادي. وتبلغ مساحة المسجد بعد التجديد 1264 مترا، بعد أن كانت 843 مترا، وتكلفت أعمال التجديد والتوسيع 17 ألف جنيه، وافتتحه الملك فؤاد بأداء صلاة الجمعة فيه يوم 5 يونيو 1936 م. المسجد يقوم على 23 عموداً من الرخام الأبيض الناصع، اما المنبر فهو تحفة فنية رائعة، مصنوع من الساج الهندي المطعم بالسن، تم صفه في الهند وجاء بحراً من ميناء السويس وهو من أفخر المنابر في عهد الماليك الجراكسة، وسقف المسجد مطلي بماء الذهب بزخارفه الدقيقة الرائعة، والجدران والقبة من الداخل مزينة بالنقوش الإسلامية الملونة التي مازالت تحتفظ بألوانها وزخارفها ورونقها الإبداعي، والقبة من الخارج مثل كل قباب العصر المملوكي بنيت بالحجر وتنوعت زخارفها. وبعد أن وقع انفجار بالقرب من مسجد "أبو العلا" الأثري، ووزارة الخارجية المصرية، أكد محمد أبو بكر جاد الحق، إمام مسجد السلطان أبو العلا، أن المتهمة المشتبه في تنفيذها تفجير وزارة الخارجية، موظفة بوزارة الآثار زارت المسجد، وبعدها حدث الانفجار، الأمر الذي نفته وزارة الآثار بعد التأكد من كشوف الوزارة بأنهم لم يرسلوا مفتشين آثار. من جانبه، قال رأفت النبراوي، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، إن الآثار الإسلامية تعاني من حالة إهمال شديد من قبل المسئولين، مطالبا بضرورة صيانة الآثار التي تستحق الترميم في أسرع وقت ممكن، وضرورة حصر الآثار الإسلامية والعمل علي إزالة اي تعديات وعمل ترميم شامل؛ لأن الأثر إذا ضاع لن يعود، فهو تاريخ يتم إهداره بإهمال من المسئولين.