تفاجأ الكثير من موقف التيارات الجهادية أمثال داعش وأذنابها في جميع أنحاء العالم، تجاه المقاومة الفلسطينية وصراعها مع إسرائيل، ففي الوقت الذي توقع الكثيرون فيه وقوف داعش بجانب حماس ودعمها على الأقل معنويًّا، فوجئوا بالرد الذي جاء عكس ما كان متوقعًا على ألسنة بعض المنتسبين لداعش على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حتى قال بعضهم: "لو لم تكن حكومة حماس المرتدة وجيشها القسام في غزة، لانتصر المسلمون على اليهود لكن النصر لن يأتي للمرتدين، بل دعا البعض منهم بقتال المرتدين والمنافقين، ويقصد بهم حماس وحركات المقاومة الفلسيطينية، ولكن هذا ليس مستغربًا، فلقد قاتلت داعش الفصائل المقاتلة الأخرى التي تشترك معها في بعض الأهداف في سوريا والعراق؛ بسبب خلافات ايدلوجية ثم تفاقمت هذه الخلافات وتطورت لتصبح معارك شرسة بين بعضهم البعض، ولو نظرنا بالرؤية التي تنظر بها داعش لبقية الفصائل المجاهدة في سوريا والعراق لوجدناها نفس الرؤية تجاه حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، وتتنوع أسباب الخلاف فمنها السياسي ومنها الأيدلوجي، ولنحاول من خلال السطور القادمة تبيين أوجه الخلاف بين الفريقين. 1-الخلاف الفكري بين حماس وداعش. تنتمي داعش إلى السلفية الجهادية، وتنتمي حركة حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين، ولا شك أن الاختلافات بين المدرستين كبيرة، مما يجعل كل طرف يتهم الآخر بالضلال والبعد عن المنهج القويم، ولكننأ سنأخذ هنا مظهرين من مظاهر الاختلاف الفكري من وجهة نظر التيار السلفي الجهادي، وتتلخص في، أولًا: عدم حكم الاخوان بالشريعة الإسلامية واستبدالها بقوانين وضعية مختلطة، وتمسكهم بمنهج التدرج في تطبيق الشريعة الذي تراه السلفية الجهادية ليس عليه دليل لا من قران ولا من سنة، ثانيًا: الحكم بالديمقراطية، حيث يعتبرها التيار الجهادي شركًا بالله ونقيضًا للتوحيد؛ لأنها نزعت حق التشريع من الله وأعطته للبشر وبهذا أصبحوا أربابًا يشرعون ويحرمون حسب أهوائهم، ومن ثمة يعتبر كل من ارتضى بالديمقراطية وحكمها كافرًا في نظرهم. 2- حماس وتعاونها مع النظام السوري والإيراني: في ظل الحصار المفروض على قطاع غزة من جانب إسرائيل من ناحية، وفي ظل التخاذل العربي وبالأخص تخاذل الدول السنية تجاه القضية الفلسطينية من ناحية أخرى، لا خيار لحركة حماس والفصائل الفلسطينية إلَّا التوجه إلى محور الممانعة التي هي جزء منه والمكون من إيرانوسوريا وحزب الله في لبنان وحركة حماس، وهذا المحور هو من أمد حركة حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة بالسلاح الكافي التي تستطيع به مقاومة العدو الاسرائيلي خلال السنين الماضية وحتى الآن، فمعظم الصواريخ الطويلة المدى والطائرات بدون طيار قادمة من إيرانوسوريا، وقد ذكر تقرير نشرته مجلة "التايم" عن الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينيةبغزة، وذكرت الصواريخ التي استخدمتها المقاومة مؤخرًا وطالت عمق الكيان الصهيوني الذي يتهم إيران بالوقوف ورائها، حيث ذكر التقرير أن مسئولين أمريكيين وإسرائيليين يتهمون إيرانًا في مساعدة المقاومة الفلسطينية في غزة في بناء ترسانة ضخمة من الصواريخ، وخصوصًا ذات المدى الطويل، والتي استخدمت مؤخرًا في ضرب المدن والبلدات الاسرائيلية. ونقل التقرير عن السفير الإسرائيلي في واشنطن "رون ديرمر" أن إيران تبذل كل ما في وسعها لمواصلة تدفق الصورايخ إلى غزة، وإنها تدعم حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الذين يشكلوا شريك فرعي مملوك بالكامل من جانب إيران، ومما يؤكد هذا أيضًا حادثة ضبط القوات البحرية الاسرائيلية سفينة محملة بالأسلحة في البحر الأحمر على بعد حوالي 1500 كيلو متر من سواحل فلسطين، والتي كانت في طريقها إلى قطاع غزة، وتحمل صواريخ سورية متطورة نقلت إلى السفينة من إيران، ولكن هذا الدعم الآتي من محور الممانعة لا يبرر عند داعش تعاون حماس معهم، فهذا التعاون في نظرهم درب من دروب موالاة الكافرين والمرتدين، فمعروف أن داعش تعتبر الشيعة كفار مرتدين عن ملة الإسلام، لا يجوز موالاتهم ولا الاستنصار بهم، ومن ثمة لا يجوز لداعش دعم حركة حماس سواء ماديًّا أو معنويًّا، وكيف تدعم داعش حماس أصلًا، وهي إحدى أعضاء محور الممانعة التي تقاتله داعش في سوريا، فالمعارك دائرة بين داعش من ناحية والنظام السوري وحزب الله من ناحية أخرى منذ فترة كما هو معروف. ثالثًا: أبو النور المقدسي: يبدو أن التيار الجهادي بأسره سواء القاعدة أو داعش، لم ينس حادثة مقتل عبد اللطيف موسى والمعروف بأبي النور المقدسي في عام 2009، حيث أعلن عبد اللطيف موسى فيشهر أغسطس عام 2009 أثناء خطبة الجمعة التي كان يلقيها بمسجد ابن تيمية الموجود في مدينة رفح بقطاع غزة، عن قيام الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس وسط هتافات وتكبير العشرات من أنصاره، الذين كان بعضهم مسلحًا، وهاجم عبد اللطيف موسى في خطبته حركة حماس بشدة، ودعا ذراعها المسلحة إلى تسليم أسلحته والانضمام إلى جماعته، وقال: إنه سيقاتل من يقاتله هو وأنصاره، ثم تطورالوضع إلى أن نشرت جماعة جند أنصار الله في أكناف بيت المقدس والموجودة في غزة بيان لها، أعلنت فيه عن ولائها التام للإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس، بإمارة أبي النور أمير المؤمنين في الإمارة الإسلامية، عند هذا الحد، اضطرت حركة حماس إلى مواجهة أبي النور المقدسي، حيث اندلعت اشتباكات بين حركة حماس وعبد اللطيف موسى وأنصاره أسفرت عن مقتل عبد اللطيف موسى، الأمين العام لجماعة جند أنصار الله، إلى جانب 21 شخصًا من أنصاره، هذا الحادث رغم مرور عدة سنوات عليه لا يزال عالقًا في الذاكرة الجهادية، ولا يزال التيار الجهادي في غزة حتى الآن غير قادر على نشر دعوته وغير قادر على التأقلم مع حركة حماس، إلَّا أننا فوجئنا خلال الأيام الماضية، بظهور بعض السلفيين الجهاديين في قطاع غزة يعلنون من خلال مظاهرة لهم عن تأييدهم ومبايعتهم "للخليفة" و"أمير المؤمنين" أبو بكر البغدادي، زعيم داعش، في حركة لا يرجى من ورائها شيء إلَّا استفزاز حركة حماس.