وضح جلياً أن المقاومة في غزة لم تبتعد عن محورها؛ ففلسطين بوصلة المقاومة، والمقاومة تضل طريقها إن استرشدت بغير فلسطين، فاتجاه المقاومة لم يحد عنها، حتى وإن فقدت حركة حماس بوصلتها السياسية والوطنية خلال الثلاث سنوات الماضية بسبب انتماءات ضيقة، أفقدتها شعبيتها في مصر وسوريا، ولكن الحقيقة الواضحة والأكيدة أمس واليوم وغدا أن حماس ليست غزة، وبالتأكيد المقاومة في فلسطين ليست فقط حماس. إيران- سوريا- حزب الله.. أو ما يعرف إعلاميا وسياسيا بمحور المقاومة، الذي لم تغب بصمته في المعركة الدائرة حالياً في غزة، فإيران "متهمة" دائما بدعم المقاومة، والصورايخ السورية الصنع تضرب تل أبيب اليوم وطيلة الأسبوع الماضي، وحزب الله بينه وبين المقاومة في غزة تنسيق ميداني، يقره ويعترف به أكبر فصيلين في غزة، حماس والجهاد، وذلك على الرغم من تعقيدات بالغة تمر بها أركان المحور الثلاثة، فمن الحصار الدولي على إيران، ومؤخرا انفجار الوضع في العراق، إلى الحرب في سوريا التي استنزفت الدولة، إلى حزب الله الذي يدفع عن لبنان تمدد الإرهاب إليه.. وهي الأزمات التي لو كانت تعاني منها دول أخرى تعني بالبراجماتية وتتخذ الأفعال وفق مصلحتها، لأصبحت مسألة دعم المقاومة في فلسطين رهن سلم الأولويات والإمكانيات. أنظمة محور"الاعتدال" العربي -الذي يعاد صياغته من جديد حاليا- على رأسها النظام السعودي الذي يسعى مؤخرا وبشدة في تسويق وتجميل مسار التسوية مع العدو الإسرائيلي من بوابة مبادرة السلام العربية، تسويق ليس لجماهير الشعوب العربية، أو الأطر السياسية والشعبية في العالم العربي، أو حتى للأنظمة المقاطعة لإسرائيل، بل للعدو الإسرائيلي ذاته، فالأمر أصبح واضحا، فالتطبيع السعودي-الإسرائيلي أقرب صار أقرب من أي وقت مضى، فمن ناحية إسرائيل، أوصي خبراؤها وقادتها مؤخرا في مؤتمر هرتسليا بضرورة تقوية وتدعيم العلاقات مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية، التي لم تكذب الخبر وتسعى جاهدة في السنوات الأخيرة إلى إنشاء علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني، فأبناء الملك فيصل عكس أبيهم، فسعود الفيصل وتركي الفيصل لا يكلّون من محاولات التطبيع التي خرجت للعلن، وإن تفوق تركي على أخيه بدعوته الإسرائيليين إلى منزله، وذلك في رسالته لمؤتمر "إسرائيل للسلام" الذي عقد قبل أسبوع في تل أبيب بإشراف صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. هُزم الاحتلال حتى قبل انتهاء عدوانه على غزة، فإسرائيل تُضرب في عمقها بصواريخ المقاومة، وقبلها كانت الهبّة الشعبية التي هزت دولة الاحتلال في القدسالمحتلة ومدن فلسطين داخل الخط الأخضر.. الاثنان أفقدا إسرائيل توازنها وأثبتوا مجددا أن "جزيرة الاستقرار" ما هي إلا وهم يحتاج كشفه لساعات، ناهيك عن أنّ لا أفق سياسي أو عسكري للعدوان الأخير، فلا الصواريخ وقفت، ولا فصائل المقاومة قضي عليها، فيتبقى القتل العشوائي الجماعي لأهل غزة، فقط لتنفيس غضب مستوطني إسرائيل وفك أزمة طبقتها الحاكمة الآن، المقيدة بحسابات الاقتصاد والسياسة، واللذين ينخفض مؤشرهما يوماً بعد يوم على المستويات كافة. فصائل المقاومة في غزة أثبتت أيضا أن الحصار والنبذ ومن ورائه لن يفيد في إثنائها عن فعلها، وبالنسبة لإسرائيل فتثبت المقاومة من جديد أن الاحتلال لن يبقى أمنا مطمئنا وراء جدرانه العازلة، بل أنه مهدد في عمقه الداخلي. وبالنسبة للمتواطئين داخل فلسطين وخارجها من دعاة التسوية فإن الواقع يقول إن مقاومة المحتل لا تزال فكرة راسخة، وأنها نقطة كاشفة ومبدئية، حتى وإن عكرتها السياسة وحساباتها في مرحلة ما. ما يحدث في غزة الآن، ليس حلقة من حلقات الصراع مع دولة الاحتلال فحسب، لكنه أيضا معركة فاصلة بين مسار المقاومة ومسار التسوية والاستسلام، فبعد ثلاث سنوات راهن فيها الكثير على سقوط محور المقاومة، أو حتى محاولة إضعافه، أو اقتلاع حركة حماس منه، ثبت أن مكونات هذا المحور خرجت أقوى مما كانت عليه، وبامتحان فلسطين الآن نجحوا في البرهنة –كالعادة- أن فلسطين هي قلب وقبلة المقاومة، على عكس محور "الاعتدال" الذي يسوق ببروباجندا تصل إلى حد العنصرية على شاشات إعلامه ضد الفلسطينيين، ومحاصرة وعقاب جماعي بذريعة موقف سياسي خاطئ لحركة حماس التي اختزلوا فيها كل فلسطين، أو حتى فكرة المقاومة نفسها، فمن يرفع سلاح في وجه المحتل إما طائش أو عبثي وحالياً إرهابي.