المواجهة الفاصلة بين الكيان الصهيوني ومحور المقاومة الإقليمي في قطاع غزة وعلى امتداد فلسطينالمحتلة تمثل اختبارا شاملا لتوازن القوى ولسلسلة من الأوهام التي روج لها الحلف الاستعماري الغربي منذ ما سمي بالربيع العربي وبالذات منذ انطلاق العدوان الكوني على سورية. أولاً: روجت دوائر التخطيط الصهيونية لفكرة أن العدوان على سورية تحول إلى حلقة استنزاف تتعرض له الدولة الوطنية السورية والمقاومة اللبنانية على أرض سورية وأن ذلك فرض تعديلا في الأولويات لدى محور المقاومة بل تحدثت الرواية الصهيونية والغربية عن استنزاف إيران وقدراتها الاقتصادية والعسكرية وقد استنتج المخططون تراجعا في قدرة محور المقاومة أي ثلاثي إيران وحزب الله وسورية على دعم ومساندة الفصائل الفلسطينية المقاومة. برهنت المواجهة الدائرة في غزة على أن منظومة المقاومة في المنطقة عملت بنشاط وسرية شديدين واستطاعت تطوير الترسانة الصاروخية الرادعة في غزة وتزويدها بصواريخ متطورة وحديثة من صناعة سورية وإيرانية وقد كسرت منظومة المقاومة الإقليمية خطوط الحصار الوهمية بذكاء وبحنكة رغم جهود الحلف الغربي الخليجي المشارك في الحصار المالي والعسكري لمنظمات المقاومة في غزة بما فيها كتائب القسام التي تميز خطابها بالحزم في التصدي للعدوان الصهيوني وبمفارقة صامتة عن لغة رئيس مكتب حماس السياسي خالد مشعل الموجود في قطر. ثانياً: تمكن الحلف القطري التركي بإشراف الولاياتالمتحدة من ضم قيادة حماس السياسية إلى حلف العدوان على سورية خلال الفترة الماضية وركن الحلف الاستعماري إلى هذه النتيجة التي سعى لاستثمارها وتطويرها بترويض حماس وإدماجها في مسار التفاوض مع العدو وبالمقابل كشفت المواجهة عن نجاح أسلوب منظومة المقاومة بالتعامل مع معضلة شق حماس عبر تحاشي الخطاب التحريضي والتناحري وبرعاية علاقة الميدان بين الفصائل الوطنية المقاومة وكتائب القسام بصورة تخدم وحدة المقاومة في مجابهة العدو وبحيث تعزز حضور رجال المقاومة في وجه دعاة الالتحاق والمساومة داخل حماس نفسها وعلى خلفية توازن عضوي جديد في نسيج الحالة المقاومة داخل القطاع تعاظم فيه حضور الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وفصائل أخرى شريكة لكتائب القسام وبعيدا عن المزايدات والصراعات الفئوية. المشهد الفلسطيني في مواجهة العدوان بدا مخيبا للكيان الصهيوني وللولايات المتحدة ودول الناتو بما فيها تركيا وبالطبع لحكومات السعودية وقطر وسواها فقد أظهرت فصائل المقاومة درجة عالية من التلاحم في حضن حالة طاغية من الصمود الشعبي والمصدر الرئيسي لهذا المناخ الفلسطيني هو ان جميع المبادرات والتحركات الأميركية على سكة التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي كرست الاقتناع الشعبي بأن لا بديل سوى المقاومة لاسيما بعد هبة الضفة والداخل في وجه التنكيل الصهيوني البربري وما اقترفه جيش الاحتلال وميليشيات المستعمرين الصهاينة من جرائم ضد الشعب الفلسطيني. ثالثاً: أسقطت المجابهة العسكرية أوهاما إسرائيلية تراكمت منذ هزيمة الكيان الصهيوني أمام المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006 حول استعادة هيبة الردع التي اعترف تقرير فينوغراد بفقدانها في حرب الأيام الثلاثة والثلاثين امام حزب الله والوقت الذي استغرقه انكشاف سقوط هيبة الردع وتهتك الجبهة الداخلية الإسرائيلية بات يعد بأيام قليلة. العمق الصهيوني في هلع شديد من صواريخ المقاومة في غزة وجميع نقاط القوة الاقتصادية والعسكرية بما فيها مفاعل ديمونة باتت تحت النار والاقتصاد الصهيوني في شلل شبه كلي وفي كل يوم يتكرر السؤال في مواقع القرار الإسرائيلي إذا كانت الأمور مع القطاع هكذا فماذا لو كانت الحرب ضد سورية أو ضد حزب الله أو ضدهما مجتمعين ؟ القبة الحديدية عاجزة مجددا رغم كل التطويرات التقنية ومليارات الدولارات الأميركية التي أنفقت عليها وهي تتحول إلى فضيحة مبرمة بينما الحرب البرية تنذر بعواقب وخيمة تهدد إسرائيل بالانتقال إليها وتخاف من دخولها خشية سقوط القتلى والجرحى من ضباطها وجنودها فيما يشتد الخوف من نجاح المقاومة مرة أخرى في اصطياد أسرى حرب صهاينة كما حصل في السابق. إنها أصالة التحولات التي صنعها صمود سورية وثبات منظومة المقاومة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على خلفية ما حصدته تلك المنظومة من انتصارات على إسرائيل وحروبها اليائسة لتعديل التوازنات منذ 25 أيار 2000 عندما اندحرت من جنوبلبنان دون قيد أو شرط.