شهدت العلاقة ما بين تنظيم القاعدة و الدولة الإسلامية بالعراق والشام "داعش"، حالة من التوتر في الفترة الأخيرة، خصوصا بعدما أرسل الدكتور أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، إلى داعش بعدة رسائل في الفترة الأخيرة، أمر فيها زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، بحل دولة العراق والشام الإسلامية واستمرار العمل باسم دولة العراق الإسلامية فقط، مما قوبل بالرفض من جانب تنظيم داعش، حيث ظهر أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي باسم داعش في تسيجل صوتي له ينفي تبعية التنظيم إلى القاعدة ويؤكد على استقلال داعش عن التنظيم مع احترامهم لرموز الجهاد بالقاعدة مثل أسامة بن لادن والظواهري، ورغم توقع الكثيرين غضب أغلبية المنتمين للتيارات الإسلامية والتيارات الجهادية على وجه الخصوص، بعد أن أرسل الظواهري برسالته يقرع فيها داعش على منهجها الذي يشوبه الغلو والتساهل في استحلال دماء الآخرين، وبعد أن أرسل الشيخ أبو محمد المقدسي، المنظر الأول للسلفية الجهادية في هذا العصر، برسالة إلى داعش يصفهم فيها بأنهم تنظيم منحرف عن جادة الحق، باغ على المجاهدين، ينحو إلى الغلو، وقد تورط في سفك دماء المعصومين، ومصادرة أموالهم وغنائمهم ومناطقهم التي حرروها من النظام، إلا أنه رغم ذلك قويت شوكة الدولة الإسلامية في الفترة الأخيرة وازدادت شعبيتها في ظل تراجع شعبية القاعدة بالمقارنة معها، مع العلم أن هناك من من ينتمي لتنظيم داعش كان في الأصل من تلامذة أبو محمد المقدسي، وهذا له دلالات كثيرة منها تأييد السياسات المتشددة والمتطرفة التي تقوم بها داعش من جانب قطاع كبير من المناصرين للحركات الجهادية حول العالم، وتتمثل هذه السياسات في استحلال دماء عوام الشيعة واستهداف المدنيين منهم سواء بالسيارات المفخخة أو بغيره ومقاتلة الفصائل المجاهدة الأخرى أمثال جبهة النصرة لمجرد عدم عقد البيعة للبغدادي، زعيم داعش، وإذا بحثنا عن منبع هذا الفكر، رأيناه موجودًا في كتب التراث والفقه القديمة، إلا أنه لم يلقَ قبول من عامة المسلمين وخواصهم خلال العقود الماضية، ولكن الآن يتم تنفيض الغبار من على هذه الآراء، ويتم إعادة تدويرها واستخراجها من بطون الكتب إلى السطح مرة أخرى، وإظهارها على أنها حق مطلق لا يقبل الشك، فمثلا في تكفير الشيعة، يستدلون بقول البخاري (ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي, أم صليت خلف اليهود والنصارى, ولا يسلم عليهم ولا يعادون ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم)، وفي قتال الفصائل المقاتلة، يستدلون بأدلة في غير محلها، ومن هذه الأدلة الحديث المنسوب للنبي عليه الصلاة والسلام (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما)، ولا نتكلم في صحة الحديث هنا أو في متنه، ولكن نتكلم في مسألة من نصب أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين أصلا، وهنا تأتي الإجابة من كتبهم، وهي جواز عقد البيعة بواحد من أهل الحل والعقد مطلقا، حيث يستدلون بواقعة بيعة عمر بن الخطاب لأبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة، فبيعة عمر بن الخطاب لأبي بكر الصديق رضي الله عنهم تكفي لتنصيبه خليفة للمسلمين، وحتى لو افترضنا صحة هذا الرأي، فهل يصل أبو بكر البغدادي لمقام أبي بكر الصديق وهل يصل من بايع البغدادي إلى مقام عمر بن الخطاب حتى نرضى به خليفة للمسلمين، مع العلم أننا لا نعرف شكل البغدادي ولا هيئته ولا نعرف حتى من بايعه، وفي الحقيقة لا نستطيع أن نعزي هذا الفكر إلا إلى السلفية وبالأخص السلفية السعودية وما أضفته في الفترة الأخيرة (بحسب الظروف السياسية التي تطلب ذلك) من قداسة ومعصومية على أفعال الصحابة وأقوال العلماء المتقدمين، فمن ينتقد فعل صدر عن صحابي يعتبر في نظرهم فاسق، ومن انتقد قول عالم من العلماء نقد موضوعي، يقال له من أنت حتى تتكلم في حق هؤلاء، وهكذا بدون وعي يتم وضع هؤلاء في منازل الأنبياء والمرسلين المعصومين، والله أعلم من سينضم لقائمة القداسة في الفترة القادمة سواء من البغدادي وأتباعه.