حملة إنقاذ نهر النيل.. وزير الري: إزالة 464 ألف حالة تعدٍّ على مجرى النهر    مدبولي: مشروعات الصرف الصحي تمثل أولوية هامة على أجندة المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»    رئيس الوزراء يتفقد التشغيل التجريبي لمحطة معالجة الصرف الصحي بقرية برطباط غرب مغاغة.. صور    استعدادات قصوى خلال موسم حصاد الأرز لمواجهة «الحرق المكشوف» بالشرقية    «أبناء الأجير» قصة قصيرة للكاتب محمد عبد المرضي منصور    انقطاع كامل لخدمات الإنترنت شمال قطاع غزة    إبادة ممنهجة في غزة.. وإسرائيل تستهدف عشرات الفلسطينيين    أعضاء الكونجرس الأمريكي يؤكدون للسيسي دعم الولايات المتحدة لمصر    كولر يعقد محاضرة فنية للاعبين قبل مواجهة سيراميكا    موعد مباراة الزمالك ومنتدى درب السلطان المغربي لتحديد المركز الثالث بأبطال أفريقيا لكرة اليد والقناة الناقلة    أفشة: مباراة سيراميكا صعبة| وتعاهدنا على الفوز باللقب    تجهيز ملاعب الكرة الشاطئية لبطولة كأس الأمم بالغردقة (صور)    العثور على جثمان مجهول الهوية بمياه ترعة في الشرقية    قيمتها 30 مليون جنيه.. ضربات ناجحة لأباطرة المخدرات في المحافظات    تأجيل محاكمة بائع خضار استدرج شخص وقتله بشبين القناطر لجلسة الأربعاء    الداخلية تستعيد 11 مليون جنيه في ضربة قوية لتجار العملة    بعد نجاح حفل الاسكندرية.. محمد الطوخي يحيي «ليلة طرب» بمهرجان الموسيقى العربية    رسائل نجوم الفن ل منة عدلي القيعي بعد خطوبتها (صور)    مدبولي: نحرص على متابعة تنفيذ مشروعات تطوير الخدمات الطبية لكونها تأتي على رأس أولويات عمل الحكومة    يد الأهلي يواجه فلاورز البنيني في نهائي بطولة إفريقيا    نائب رئيس جامعة الأزهر: العلم الذي دعا إليه الإسلام لم يقف عند العلوم الشرعية أو العربية    عاجل: ارتفاع أسعار الدولار أمام الجنيه المصري اليوم    داعية بالأوقاف: الانشغال بالرزق قد يبعدنا عن ما طلبه الله منا    محافظ بني سويف يتابع العمل بمشروع رأس المال والإنتاج بالمدارس الفنية    الصحة: 4 آلاف من أطباء الزمالة المصرية سجلوا لحضور النسخة الثانية من المؤتمر العالمي للسكان    5 لاعبين أمام المحاكم.. ضرب إمام عاشور وسحر مؤمن زكريا الأبرز    التضامن: خطوط الوزارة الساخنة تستقبل 225 ألف اتصال خلال سبتمبر    وزير الصناعة يبحث مع اليونيدو الموقف الحالي لمشروعاتها بالسوق المصرية    «أسوان» تستعد للاحتفال بتعامد الشمس على وجه رمسيس في معبد أبو سمبل    الاحتلال يزعم اغتيال نائب قائد منطقة بنت جبيل في حزب الله    ضبط تشكيل عصابى تخصص في تقليد العملات النقدية وترويجها    ضبط 7 أطنان دقيق خلال حملات لمنع التلاعب في أسعار الخبز    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لمنطقة كفر طهرمس الأربعاء المقبل    خيري الكمار يكتب : رسالة إلى وزير الثقافة .. المهرجانات فى خطر    موعد مباراة يوفنتوس ضد لاتسيو في الدوري الإيطالي والقنوات الناقلة    14 عبادة مهجورة تجلب السعادة .. عالم أزهري يكشف عنها    بالصور- إقبال على حملة "انطلق" لقياس الذكاء وتقييم مهارات الأطفال بجنوب سيناء    مركز سقارة ينظم دورة للعاملين بالمحليات عن دورة "الخريطة الاستثمارية لمصر "غدا    التصرف الشرعي لمسافر أدرك صلاة الجماعة خلف إمام يصلي 4 ركعات    جامعة الأقصر تنظم ندوة تثقيفية عن انتصارات أكتوبر    «8 زلازال في 20 يومًا».. عباس شراقي يكشف أسباب الزلزال المتكررة في إثيوبيا وخطورتها    حزب الله يُعلن استهداف جنود ومواقع إسرائيلية    الشيخ أحمد كريمة يوجه رسالة لمطرب المهرجانات عمر كمال    رغم اعتراض ترامب.. قاضية تُفرج عن وثائق فى قضية انتخابات 2020    فرنسا تحث على دعوة أوكرانيا للانضمام إلى حلف "الناتو" فورا    أول تعليق لصاحب جواز سفر عُثر عليه بجوار يحيى السنوار بعد اغتياله.. ماذا قال؟    المخرج عمرو سلامة لمتسابقة «كاستنج»: مبسوط بكِ    لا داعي للأدوية.. وصفات طبيعية كالسحر تخلصك من الإمساك في 30 دقيقة    تجمع «بريكس» يدعم إنشاء تحالف للطاقة النووية    اللواء نصر موسى يحكي تفاصيل ساعة الصفر في حرب أكتوبر    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    كيف تطور عمر مرموش مع آينتراخت فرانكفورت؟.. المدير الرياضي للنادي الألماني يوضح    أفضل 7 أدعية قبل النوم.. تغفر ذنوبك وتحميك من كل شر    "الكهرباء كانت مفصولة".. غموض يكتنف حريق مخزن الخيش بالزقازيق -صور    تامر عاشور ومدحت صالح.. تفاصيل الليلة الثامنة من فعاليات مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    منتج عمر أفندى يكشف حقيقة وجود جزء ثان من المسلسل    المخرجة شيرين عادل: مسلسل تيتا زوزو مكتوب بمصداقية ويناقش مشكلات حقيقية    دورتموند يعود لطريق الانتصارات بفوز على سانت باولي في الدوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.منذر سليمان: عودة الرهان الأميركي على تسخين الجبهة الجنوبية لسورية
نشر في البديل يوم 18 - 05 - 2014

تردد على ألسنة بعض "قادة" المعارضة السورية قولهم "ليوقف الرئيس بشار الأسد عملية الانتخابات (الرئاسية)، وستتوقف الهجمات من الشمال الى الجنوب،" في أقوى إشارة الى أن قرار إدارة المعارك المتواصلة في حلب وكسب في الشمال الى بعض مناطق غوطة دمشق يرتبط مباشرة بقوى إقليمية ودولية، عززها لقاء لندن نهاية الأسبوع الجاري "لأصدقاء سورية" الذي "أدان عقد الانتخابات الرئاسية" خشية على ما يبدو لما ستفرزه عملية حرية اختيار المواطن العربي في سورية من نتائج "تزعج" الداعمين الدوليين والاقليميين لمسلحي المعارضة، خاصة بعد سلسلة هزائم تكبدوها على ايدي القوات المسلحة والقوى الشعبية في حمص، التي اعدوها لتصبح "عاصمة الثورة،" ولفظتهم بقوة واصرار أهلها الذين عادوا الى أطلال منازلهم المدمرة بتصميم على اعادة البناء.
تجدر الإشارة الى تراكم مستويات الغضب من قبل الداعمين والممولين الاقليميين والدوليين للمعارضة المسلحة بعد نجاح سلسلة المصالحات الوطنية وتسليم المسلحين اسلحتهم للدولة السورية، ليس في حمص وريف دمشق فحسب، بل في "بلدة جاسم" المطلة جنوبا على تلال مدينة درعا مما ادى الى خروج "حوالي 2000 عنصر مسلح يتبعون جبهة النصرة والجيش الحر .. وتسوية وضع كل من يسلم نفسه خلال 48 ساعة، الا اذا كان مطلوبا بجرم او جناية" للدولة السورية. الممولون الخليجيون سبق وان اصدروا تهديدات لمقاتلي المعارضة، نيسان الماضي، تتوعد بمعاقبة قادة المعارضة العسكريين بالقتل والاغتيال ان لجأوا الى عقد تسوية مع الجيش العربي السوري.
تردد منذ مطلع العام الجاري ان "وزارة الخارجية الاميركية ابلغت معارضين سوريين في باريس .. ان قرارا سعوديا – اميركيا مشتركا قد اتخذ بفتح الجبهة الجنوبية مجددا .. بتنسيق سعودي – اردني – اميركي .. بعد زيارة العاهل الاردني لواشنطن وقبيل توجه الرئيس اوباما الى الرياض،" في 22 آذار الماضي، وصفت بانها "المعركة الاخيرة للسعودية للسيطرة على دمشق."
سبق الاعلان المذكور توفير "اسرائيل" تسهيلات لوجستية وقتالية من مرابضها ومحطاتها المقامة على جبل الشيخ لقوات المعارضة لا سيما بالتشويش الالكتروني على اتصالات وحدات الجيش السوري. ومنذئذ تتالت "التسهيلات العسكرية والميدانية الاسرائيلية" لاحتضان وتوجيه ودعم تسليحي ومعالجة المصابين من مسلحي المعارضة في مشافي فلسطين المحتلة برفقة حملة دعائية واسعة.
طبيعة المخطط "الاسرائيلي" اوجزه الباحث في "معهد واشنطن،" معقل اللوبي ليهود اميركا، ايهود يعاري، بالقول "اعتقدت دوما ان مفتاح الحل للأزمة سيكون في القطاع الجنوبي (من سورية) ويبدو انه يميل بذلك الاتجاه. النظر الى طبيعة انتشار تشكيلات الجيش السوري وحلفائه مثل حزب الله (في المنطقة) يقودنا للقول ان جبهة قد انفتحت على مصراعيها في الجنوب." الجبهة المقصودة تمتد على طول الحدود السورية مع الاردن وفلسطين المحتلة، ولعلها ابلغ أهمية من الجبهات الاخرى، بعد استنزاف مجاميع المسلحين الدوليين وهزيمتهم وتكبدهم خسائر بشرية كبيرة في غوطة دمشق والقصير وحمص وكسب وحلب.
اهمية الجبهة الجنوبية لسورية نابعة أيضا من عدة اعتبارات، أبرزها أنها طريق الامداد الرئيس الآمن لكافة سبل الدعم العسكرية والتمويلية والتسليحية وممر عبور للمقاتلين بالنسبة للمملكة السعودية ودول الخليج الأخرى المنخرطة في مؤامرة تدمير الدولة السورية. ثانيا، أنها تشكل قاعدة لمعسكرات تدريب تشرف عليها القوات الخاصة الاميركية والبريطانية والفرنسية، انطلاقا من الأراضي الأردنية. أيضا، أهميتها لتباين السيطرة والنفوذ للحكومة الاردنية على الشريط الحدودي مقارنة مع الجبهة الشمالية المسيطرة عليها من تركيا "الحرية والعدالة" والتي تعتبرها منطقة امتداد لعمقها وسيطرتها الاستراتيجية على الاقليم. العامل الابرز هو الدور "الاسرائيلي" الطامح في عزل جبهة الجولان وابقائها تحت السيطرة التامة للكيان الصهيوني، عبر توسيع نطاق شريط حدودي آمن على غرار جنوب لبنان قبل تحريره في 25 ايار 2000.
لبلوغ الهدف المعلن، كثفت القوى الداعمة من جهودها بغية شن قوى المعارضة المسلحة هجمات متعددة مصدرها هضبة الجولان وتدمير مرابض الجيش السوري، وانشاء شريط عبور آمن يمتد من اراضي الهضبة المحتلة الى منطقة مدينة القنيطرة المحررة وطرق مواصلاتها التي لا تزال في قبضة الجيش السوري. الهجوم المدعوم "اسرائيليا" استهدف اللوائين المدرعين 61 و 91 التابعين للفرقة العاشرة السورية، المرابضين على هضبة الجولان، اذ لا تنسى "اسرائيل" الهزيمة الماحقة التي تعرضت لها فرقتها 90 المدرعة في 10 حزيران 1982 على ايدي اللواء السوري 91 المدرع في معركة السلطان يعقوب الشهيرة التي دامت ساعات ستة تكبدت "اسرائيل" خسارة 8 دبابات وحوالي 30 قتيلا "وفشلت في تدمير دباباتها المعطلة في ارض المعركة، من طراز ام-48 ايه 3،" والتي لا تزال تعرض احداها في متحف بانوراما حرب تشرين في دمشق. اللافت ايضا ان "اسرائيل" فقدت 3 جنود لم يعرف مصيرهم لليوم، احدهم "اسرائيلي-اميركي،" زخاري بوميل، ويهودا كاتس وتسفي فيلدمان، والذين اسرتهم القوات السورية وطافت بهم في شوارع دمشق محمولين على ظهر دباباتهم التي تم الاستيلاء عليها. لعل هذا ما يفسر شراسة الاشراف والدعم "الاسرائيلي" للهجوم على القوات السورية المذكورة، في تل الجابية والتل الاحمر، التي تراجعت قدرتها القتالية بشكل ملحوظ حسبما افادت الانباء الصحافية؛ بينما حافظت الفرقة السورية الثالثة على تماسكها وسيطرتها على الجزء الشمالي من مدينة درعا، ويسيطر المسلحون على مناطق أخرى من المدينة.
البعد الأردني في معركة درعا
القوى الغربية المشرفة والمسيرة للقتال لاجل تدمير الدولة السورية، الغرب بقيادة الولايات المتحدة وادواتها الاقليمية من المملكتين السعودية والاردنية وتركيا وقطر، رعت منذ زمن فلول المنشقين عن الجيش السوري وفتحت لهم معسكرات تأهيل وتدريب في الاراضي الاردنية بادارة واشراف القوات الخاصة الاميركية والبريطانية والفرنسية. واتساقا مع خصخصة الحكومة الاميركية لبعض مهام التدخل العسكري، تم رصد عدد من قوات المرتزقة الاميركية المنخرطة تحت لواء "شركة بلاكووتر – او "اكاديمي" التعريف الذي اختارته بعد انفضاح دورها في العراق والامارات المتحدة امعانا في تضليل حقيقة دورها – في مراكز ومعسكرات التدريب الاردنية.
برامج التدريب "استثنت" للحظة الصواريخ المضادة للطيران المتطورة، من طراز ستينغر، وشملت اسلحة رشاشة روسية: كلاشنيكوف بطبعتيه ايه كي 47 والاحدث 74، وقذائف صاروخية آر بي جيه، والرشاشات الروسية المضادة للدروع من عيار 14.5 ملم، وكذلك قذائف مضادة للطيران من عيار 23 ملم. اختيار الاسلحة روسية الصنع تم نظرا لتوفرها بوفرة في مخازن الجيش الليبي بعد اغتيال الزعيم معمر القذافي واحتلال ليبيا، وكذلك طمعا في الاستيلاء على بعضها من مخازن الجيش السوري، اضافة لتلك التي تسيطر عليها وكالة الاستخبارات المركزية وقامت بالاشراف على شحنها من ليبيا الى سورية مرورا بالاراضي التركية والاردنية سويا. تمتد فترة التدريب نحو اسبوعين من الزمن لعناصر لا يتعدى تعدادها 40 فردا لكل دورة.
من المرجح أن القوى الداعمة للعناصر المسلحة اقدمت على تزويدها ببعض القذائف الصاروخية المحمولة روسية الصنع، من طراز ستريلا-2 او سام-7، والتي تمثل الجيل الاول من الصواريخ الروسية المحمولة المضادة للطائرات اذ دخلت الخدمة الميدانية عام 1968؛ واستخدمت بكثافة من قبل الجيش السوري في لبنان ضد الاجتياحات "الاسرائيلية" المتعددة، ويعتقد ان وكالة الاستخبارات المركزية سيطرت على مخزون كبير منها من الترسانة الليبية. بينما احجمت تلك القوى الداعمة عن توفير اسلحة متطورة اميركية الصنع يطالب بها المسلحون السوريون للشروط الاميركية المقيدة على تسليمها لطرف ثالث.
كثفت وكالة الاستخبارات المركزية جهودها لعقود عدة للاحتفاظ بترسانة اسلحة سوفياتية وروسية الصنع بغية توفيرها للقوى المضادة للثورة والمؤيدة للمشاريع الاميركية في بلادها. الأمر الذي وفر لها "ذريعة" لنفي دورها في الصراعات الدموية التي اشرفت عليها، لا سيما في تسليحها للقوى الافغانية ضد الاتحاد السوفياتي في عقد السبعينيات من القرن الماضي؛ ودعم قوى الانفصال في جنوب السودان ومناطق أخرى من الوطن العربي واميركا الوسطى العالم.
العدوان الغربي واحتلاله لليبيا وفر مخزونا هائلا من الاسلحة السوفياتية / الروسية للوكالة بشكل رئيس، فضلا عما سيطرت عليه من ترسانة بحوزة دول اوروبا الشرقية المنضوية في حلف وارسو سابقا. يمكننا القول ان الاستراتيجية الاميركية ارتكزت على تجنيد الآخرين لخوض حروبها باسلحة غير اميركية، بغية الحفاظ على عدم وقوعها بايدي قوى قد تنقلب عليها كما واجهته في القوى الافغانية بعد خروج الاتحاد السوفياتي من افغانستان.
وربما فرضت التطورات الميدانية على الولايات المتحدة اعادة النظر في عدة ساحات بتلك الاستراتيجية يدل عليها مشاهدة موثقة لصواريخ اميركية مضادة للدروع، من طراز تاو-71، في ايدي قوى المعارضة المسلحة السورية. معروف ان القوات "السعودية" اشترت عددا كبيرا من تلك الصواريخ، بقاذفاتها ورؤوسها المتفجرة، من الولايات المتحدة كجزء من مشترياتها التسليحية الدورية، ومن المرجح انها وفرتها لقوى المعارضة السورية – بمعرفة الولايات المتحدة، كما تشترط اتفاقية شراء الاسلحة. ايضا، قوات الاحتلال "الاسرائيلية" تمتلك عددا لا بأس به من تلك القواذف والرؤوس استخدمتها بكثافة خلال عدوانها على لبنان عام 1982 في معركة استهدفت 11 مدرعة سورية دمرتها يوم 11 تموز 1982؛ كما رصد استخدام السلاح المذكور في العدوان الاميركي والغربي على العراق عام 2003.
أفادت المصادر الأميركية أن قواذف وصواريخ تاو سالفة الذكر شوهد استخدامها من قبل "حركة حزم" المرتبطة بالجيش الحر في سورية تحت إمرة الضابط المنشق سليم ادريس، والمشكلة من الناجين من "كتائب الفاروق" المنحلة. وتجهد المصادر الاعلامية الاميركية الى التمييز بين تلك المجموعة "المعتدلة" والقوى الاخرى "المتشددة" للدلالة على التزام الادارة الاميركية بتوفير الدعم للقوى المعتدلة حصرا. واوضحت التقارير الميدانية والاعلامية المتابعة للمعارك في الجزء الجنوبي من سورية ان تلك الاسلحة استخدمت بكثافة ضد المدرعات السورية وحققت اصابات مباشرة افقدتها بعض الاتزان وحرية الحركة لشن هجمات مضادة.
وأوضحت شبكة "فوكس نيوز" ان تلك الاسلحة سلمت "لحركة حزم" منذ شهر آذار الماضي بعد اضافة أجهزة تتبع ومراقبة متطورة تعمل باستشعار بصمة الاصابع للتعرف على هوية المستخدم قبل توجيه القذيفة. ومن المرجح ان تدخل تلك التقنية في قواذف وصواريخ ستينغر للتحقق من هوية مستخدميها والتيقن من عدم وقوعها في ايدي قوى غير مرغوب بها.
الثابت في هذا الصدد ان القرار الاستراتيجي الاميركي اتخذ سلفا لتصعيد الموقف الميداني واستنزاف الجيش السوري عبر اسلحة اميركية متطورة، وتراجع المراهنة على عقد جولة جديدة لمؤتمر جنيف بغية التوصل لحل سياسي.
يشار أيضا الى أن الاستراتيجية الاميركية "المعدلة" التزمت تحشيد قوى المعارضة المدربة حديثا ضمن تشكيلات كبيرة من كتائب وألوية وادخالها الاراضي السورية خروجا عن الطور التقليدي بادخال مجموعات صغيرة مقاتلة. الأمر الذي يؤشر على بلورة اهداف اكبر للمعارضة، التي يعتقد ان قوتها تبلغ نحو 20،000 عنصر، وتمكينها من الاشتباك طويلا مع وحدات الجيش السوري.
وقد رصد اشتباك تشكيلات كبيرة من هذه القوى مؤخرا في مواجهات على الجبهة الجنوبية لسورية، بانخراط لوجستي وتسليحي "اسرائيلي" مباشر، اسهم في اعاقة سيطرة اللوائين السوريين المدرعين، 61 و 91 على هضبة الجولان، بيد ان القوى المعارضة، على الرغم من تراكم الدعم الدولي والاقليمي وتعدده، لا تملك القوى البشرية الكافية المطلوبة لازاحة سيطرة الجيش السوري عن مدينة القنيطرة ومحيطها.
موضوعيا، تعدد مهام المواجهة والتصدي المفروضة على الدولة السورية ادت الى نشر قواتها المسلحة على رقعة جغرافية اوسع، فضلا عن الخسائر البشرية في قواتها، مما ضاعف من بلورة مهام ومستويات مواجهة دفعتها لانخراط قوات الدفاع المدني لمديات اعلى مما ترغب به، وهي الادنى تدريبا وتسليحا من القوات النظامية، وبالتالي تنامي اعتمادها على الفرقة المدرعة التاسعة، لحماية المداخل الجنوبية للعاصمة دمشق، والمرابطة في الكسوة وقطنة وكناكر.
العامل "الاسرائيلي"
الأسلحة "الاسرائيلية غير الفتاكة" المتطورة تصل "سرا" وبالعلن الى ايدي القوى المعارضة بشقيها "السياسي والعسكري،" ليس ادل على ذلك من تصريحات متتالية "لقادة" المعارضة للتبرع بالتخلي عن كامل هضبة الجولان للكيان الصهيوني مقابل مساعدته لهم تسلم السلطة في دمشق – بسذاجة متناهية – لم يدركوا بعد فشل مراهناتهم ومموليهم وداعميهم النيل من الدولة السورية رغم اثخان الوطن بجراح وتشريد وانقسام ودمار، وهو كل ما استطاعوا "انجازه."
تبعد القنيطرة نحو كيلو متر واحد من "خط وقف إطلاق النار" الذي تم التوصل اليه بعد حرب تشرين 1973. نظرا لهذه الأهمية الاستثنائية ومرابطة القوات المسلحة السورية فيها وحولها فان اي جهد لابعاد شبح السيطرة السورية المركزية تبقى على رأس سلم أولويات حلم الكيان الصهيوني لتحييد الجيش السوري واستبداله بعناصر طيعة لا تطمح سوى لتحقيق مكاسب ذاتية مقابل تسليم الوطن لاعدائه.
"اسرائيل" لم تكن غائبة يوما عن تصعيد الصراع المسلح في سورية، بصرف النظر عن التصريحات المعلنة بغير ذلك وتلميح الادارة الاميركية بخطورة دخولها المباشر على الخط. وينبغي استحضار تصريح ادلى به "ايهود يعاري،" سالف الذكر، بالقول "لن يكون خطأً الافتراض بوجود بعض الاتصالات بين الجيش الاسرائيلي وبعض المجموعات" الارهابية. يشار ايضا الى غياب اي تعليق ينفي ما جاء بهذا التصريح، سواء من تلك القوى المدعومة اقليميا ودوليا، او من مراكز القوى الفاعلة الساعية الى تفتيت كيان الدولة السورية.
بل لم يشأ يعاري ان يعرض تصريحه للتأويل، وقال موضحا "تسعى تلك القوى للمحافَظة على عدم اثارة واستفزاز الاسرائيليين على الطرف المقابل من الحدود – كجزء من تطمينات اخرى – مع العلم ان اشتباكها مع الجيش السوري يتم على بعد بضعة أمتار فقط من الخط الفاصل" في الجولان المتفق عليه عام 1974. ويعتقد المراقبون العسكريين ان الجيش السوري النظامي يعاني من نقص في عدد القوات النظامية المطلوبة للحفاظ على مواقعه في الجزء الجنوبي للجولان الذي بات يشكل "الخاصرة الرخوة للنظام." كما ان الاخير، كما يقال، غير راض عن جهوده لحشد مزيد من القوات المجندة حديثا لصد الهجوم الذي وعد به قادة المعارضة المسلحة، الذين يدركون جيدا ان ظهرهم الميداني مسنود بقوة من "اسرائيل."
وتشير التقارير الإعلامية من المنطقة الى "تسهيلات عدة يقدمها الجيش الاسرائيلي لهجمات المعارضة على مواقع ومرابض وتحصينات الجيش السوري في منطقة القنيطرة." وليس ادل على ذلك الوضع من اعلان "اسرائيل .. منطقة الحدود المشتركة على الجولان منطقة عسكرية مغلقة .." والتي شهدت نشاطا استخباريا وأمنيا مكثفا بالتوازي مع الاعلان المذكور.
كما تفيد أحدث التقارير الإعلامية الى تلقي نحو 1600 مقاتل من المعارضة السورية علاجا طبيا في مشافي فلسطين المحتلة، ورصد تقديم "اسرائيل" بعض "المساعدات الانسانية" لقوات المعارضة المتواجدة في قرى المنطقة الحدودية.
يشار أن صحيفة "الوطن" الاماراتية افادت مؤخرا قيام "عملاء اسرائيليين بتوزيع معونات مالية كبيرة على فصائل المعارضة السورية،" استنادا الى معلومات زودها مصدر من داخل احد فصائل المعارضة في جنوبي سورية مؤكدا بدوره تسلم ثلاثة فصائل معارضة على الاقل مبالغ كبيرة بلغت عدة مئات الالاف من الدولارات قدمها عملاء اسرائيليون بحثا عن معلومات لتحديد هوية كافة المقاتلين الاسلاميين الذين انشأوا قواعد انطلاق خاصة بهم بالقرب من الحدود السورية مع فلسطين المحتلة.
المرء ليس بحاجة الى دلائل مادية لتورط "اسرائيل" وانخراطها في تأجيج الصراع المسلح داخل سورية، سيما وانها تقر بأن دورها يقتصر على توفير "مساعدات انسانية." بيد ان المراقبين يؤكدون وجود تعاون وطيد بين "اسرائيل" والاردن خاصة في مجالي الاستخبارات والمساعدات التقنية التي توفرها الاولى للاردن.
ماذا يخبيء المستقبل لسورية
لم يفاجأ أحد بالتفاتة الولايات المتحدة الى الحل العسكري في سورية مرة أخرى والذي جاء في أعقاب سلسلة اخفاقات سياسية وعسكرية تكبدتها في الإقليم، وهزائم حلفائها ميدانيا هناك مما سيترجم سلبا في معادلتها السياسية؛ والتحولات الاقليمية بعد تراجع بيَّن لتركيا وقطر والمملكة السعودية، والدولية التي قامت واشنطن باشعال فتيل انفجارها في اوكرانيا وعدم تمكنها من السيطرة على تداعياتها وبلوغ مراميها لمحاصرة روسيا في حديقتها الخلفية كما ارادت. بل هي لم تتخلّ يوما عن خيار التصعيد العسكري في سورية الا للانتقال من معركة الى أخرى بذرائع متجددة.
الغائب الوحيد ربما في لهجة الخطاب الرسمي الاميركي هو القفز عن المطالبة السابقة بتنحي الرئيس الاسد، بعد اتضاح عُقم المطلب، وحماية لما تبقى لها من مصالح اقليمية بحاجة الى بعض الاهتمام المباشر كي لا تضطر لحرف بوصلتها المتجهة شرقا نحو آسيا لمحاصرة روسيا والصين في المياه الاقليمية هناك.
ولجأت مرة أخرى في تحشيد دعم الدول التقليدية، أوروبيا وعربيا واقليميا، ولم يتجاوز عددها 11 دولة صنفت نفسها من "أصدقاء سورية،" هوى العدد من 70 دولة عند التئامها في اسطنبول بتاريخ الاول من نيسان 2012. ولم يتمخض عن هذا الحشد سوى بيان مقتضب بنقطتين "لادانة قرار الحكومة السورية المضي بعقد الانتخابات الرئاسية" في موعدها المقرر؛ مقارنة بما كان يصدر عنها سابقا من تهديد ووعيد بأن الرئيس الاسد "لن يكون له موقع في صيغة الحل" المقبلة.
وسعت لحفظ ماء وجهها ووجه قوى المعارضة السورية باستضافة رئاسة الائتلاف الوطني في واشنطن ومنحه مساحة اعلامية واسعة تخللتها ترتيب لقاءات متعددة مع مسؤولين في الحكومة الاميركية ومجلس الأمن القومي وعدد من قادة الكونغرس من الحزبين وبعض مراكز الابحاث، واطلاق العنان لتصريحات اعلامية بأنها ستضاعف من دعمها "غير الفتاك" لقوى المعارضة.
الترجمة الحقيقية للتصريحات الرسمية الاميركية جاءت على لسان "قائد المجلس العسكري الاعلى المعَيّن عبد الاله البشير النعيمي،" اذ زعم ان الولايات المتحدة اوفت بوعودها في مضاعفة توريد اسلحة متطورة لبعض اركان الجيش الحر، مشيرا الى توفر صواريخ مضادة للطائرات من طراز "تاو" للتشكيلات التابعة لإمرته. زعم البشير (كما يشار اليه) ان "الهدف الرئيس لزيارة واشنطن يتمحور حول الحصول على اسلحة مضادة للطيران .. ويحدونا الأمل ان تستجيب الولايات المتحدة لطلب مساعدتنا وتحييد سلاح الجو" السوري.
وتصدر وزير الخارجية الاميركي جون كيري التصريحات الاعلامية لتوزيع اللوم على "المجتمع الدولي والذي اهدر سنة كاملة" وفشل في اتخاذ تدابير من شأنها الاطاحة بالرئيس الأسد. وقال كيري موجها كلامه لرئيس الائتلاف الزائر، احمد الجربا، في مؤتمر صحفي مشترك في وزارة الخارجية، ان دولا متعددة فشلت في تنسيق جهودها بفعالية لزمن طويل؛ مؤكدا ان غياب التنسيق بينها افضى الى تراجع الزخم الدافع باتجاه تنحية الرئيس الاسد "ومكافحة تنامي تهديد الارهاب في سورية."
استطاع الجربا لقاء مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، اذ وصف اللقاء بلغة ديبلوماسية معهودة بأنه كان "بناءا ومفيدا،" اي بعبارة اخرى لم ينطوي عليه مضمون جدي.
نقل عدد من الاوساط الاعلامية مدى الاحباط الذي ينتاب وزير الخارجية كيري نتيجة اخفاقات السياسة الاميركية في سورية، وتحول موقفه الى التأييد الثابت والهاديء لتوريد اسلحة فتاكة لقوى المعارضة السورية، خاصة بعد انهيار مفاوضات جنيف 2؛ وتدخل البيت الابيض مباشرة لاحباط ذلك المسعى بدعم وتأييد المؤسسة العسكرية.
بيان "اصدقاء سورية" سالف الذكر، الصادر من لندن، ينطوي على جملة من الدلالات تحدد معالم المرحلة المقبلة من المستقبل المنظور. امام عزم سورية التمسك باستحقاقات الدستور المحلي والمضي بعقد الانتخابات الرئاسية في موعدها، ستقابله الولايات المتحدة بالعزوف عن الحل السياسي من ناحية، وتصعيد حدة المعارك واستخدام الاسلحة "الجديدة" التي سلمتها لقوى المعارضة للتأثير على سلاسة العملية الانتخابية، من ناحية اخرى. اذ لا تملك واشنطن وحلفاءها الاقليميين والدوليين اي خيار متماسك من شأنه ان يشكل ارضية للبناء عليه لعقد جولة متقدمة من الحوار على غرار مؤتمر جنيف-2، وليس امامها سوى التعطيل والمزيد من الدمار واراقة الدماء، وهي تدرك جيدا ان هزيمة حلفائها في حمص تعد "خطوة تراجعية كبرى" في مخططاتها نحو سورية، وهزيمة للمخطط "السعودي" بعد اقصاء بندر بن سلطان عن ادارة المسلحين في سورية.
يضاف الى ذلك ما فرضته التطورات الميدانية لصالح الدولة السورية من تداعيات تجسدت في استقالة المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي بعد انتفاء الحاجة له ولدوره، بل لمهمته بأكملها، خاصة وان استقالته جاءت قبل انعقاد جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة تقريره، وعدم تسمية المجلس خليفة له.
أيضا تسارع التطورات في أوكرانيا عزز من اتساع الهوة في الموقف بين روسيا والولايات المتحدة، مما يضعف احتمالات توصل الطرفين الى تفاهم مشترك "لانهاء" الصراع المسلح. وفي هذا الصدد، تبرز أهمية المراهنة على الدور "الاسرائيلي" في اشعال جبهة الجولان، وان جزئيا، لحرمان الدولة السورية ومواطنيها من الشعور بالأمن والاطمئنان، وتصدر حربة الاستراتيجية الاميركية باستنزاف سورية لفترة اطول، ان استطاعت بلوغ ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.