تركوا الكثير من مقتنياتهم، وضحوا بكثير من أشيائهم. ورغم كل ما ضاع، فإنهم حرصوا على الإبقاء على مفاتيحهم، فهي أول رموز الأمل في العودة واسترجاع الديار.. أجبروا على الاشتراك في رحلة نزوح جماعي، وتهجير قسري، فتركوا أرضهم الأم فلسطين منذ عام 1948، بعد أن سعت عصابات الكيان الصهيوني إلى اجتثاثهم من جذورهم، كي يحتلون مكانهم ويسرقون الوطن الفلسطيني ويحاولون إحالته إلى وطن يهودي جامع لشتات من لا جمع لشتاته مهما سعى. ورغم أن العصابات الصهيونية لم تكن بالقوة التي تحقق لها مآربها، فإنهم أصابوا الوطن العربي بأكمله بضرباتهم المتتالية، وكشفوا عورات وسوءات حكامه بنكبة 1948. فلا سطوة سلاح ولا سلطان مال ولا غير ذلك كان بوسعه أن يحقق لهذا الكيان الضئيل أغراضه، إلا أنه استعان مع كل أسلحته تلك بالسلاح الأقوى على الإطلاق وهو ضعف العرب. وهذه النكبة التي تعرض لها الوطن العربي بأكمله باحتلال فلسطين، والمستمرة منذ 66 عاما، لم تولد فعليا في الخامس عشر من مايو عام 1948 كما بدأ التأريخ لها، ولم تنته في ذلك التاريخ الذي شهد أصعب الأحداث والقرارات والمواجهات، فهذه المأساة بدأت قبل ذلك، حتى قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917، في قرار الخارجية البريطانية «إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين» بما عرف ب «وعد بلفور» المشئوم. الذي بدأت بريطانيا في إنفاذه منذ دخول قواتها إلى القدس واحتلالها، نتيجة مؤامرة «سايكس بيكو» التي وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني المباشر. وفي عام 1947 رُفعت القضية الفلسطينية إلى الأممالمتحدة، وحكمت فيها يوم 29 نوفمبر بتقسيم فلسطين إلى دولتين «دولة فلسطينية، وأخرى إسرائيلية»، وهو القرار الذي لقي رفضا شديدا من جانب العرب، وقبولا وترحابا من جانب اليهود؛ خصوصًا بعد انسحاب بريطانيا من فلسطين في مايو عام 1948، وهجرة أكثر من 750000 فلسطيني من دولتهم. حيث يتذكر الفلسطينيون في يوم 15 مايو من كل عام، أعمال التهجير والمآسي التي تعرضوا لها من قبل الصهاينة الذين تحولوا شيئا فشيئا إلى مسمى «الإسرائيليين» من أجل التمهيد لإقامة دولتهم على أراضي الدولة الفلسطينية. ويقول أكد محمد الحفناوى – أستاذ الإسرائيليات القديمة والمعاصرة بجامعة القاهرة، ومدير مركز البحوث الفلسطينية، إن النكبة الفلسطينية التي مر عليها 66 عامًا، والتي تمثل مأساة إنسانية لتشريد الشعب الفلسطيني خارج دياره وأرضه، وخسران وطنه لصالح الاحتلال ما زالت مستمرة في ظل صمت وخزي عربي وعالمي رسمي. وأضاف أنه رغم كل تلك الأعوام، فإن النكبة ما زالت بكل تجلياتها ماثلة، ولم يحدث تقدم نحو العودة خطوة واحدة، بل تتوالى النكبات على المنكوبين، ويتشرد اللاجئون من جديد، وتتكاثف الغيوم السوداء في الفضاء السياسي لعموم القضية الفلسطينية. وأشار «الحفناوي» إلى أن الصهيونية اليوم تحاول أن تمارس الإبادة بوسائل معاصرة ضدنا، فهي تخلق مناخات الضعف الوجودي للأمة العربية، وتفكك بعدها القومي، وتفرض التخلي الإسلامي عن جوهر القضية الفلسطينية، وتمارس أعلى درجات ضغطها على السلطة الفلسطينية لإجبارها على القبول بحلولها. وقال هاني محمد مصطفى – أستاذ الشئون الفلسطينية بمركز البحوث العامة الفلسطينية والإسرائيلية، إن يوم النكبة يوم فارق في الحياة الفلسطينية المعاصرة، ففيه استولى الصهاينة على المكان وبدأوا في تهويد المكان؛ اعتمادًا على نظرتهم للتاريخ التي تعطيهم حق العودة لهذا المكان. وأضاف أن الصهيونية نجحت في إنشاء مشروعها هذا بالتعاون مع قيادة الرأسمالية العالمية، وعلى رأسها بريطانيا التي تحولت إلى إمبريالية تبحث عن أسواق لتصدير فائض إنتاجها، خاصة وأنها مارست احتلالها لمناطق أمريكا الشمالية والهند والكثير من البلدان. وأكد «مصطفى» أنه رغم مرور 66 عامًا على النكبة، فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين في الشتات يبلغ الآن نحو 6 ملايين شخص تحن عيونهم إلى الوقت الذي يمكنهم فيه العودة بحرية إلى أرضهم وديارهم، مشيرًا إلى أن حل هذا الجزء فقط من القضية الفلسطينية – أي اللاجئين الفلسطينيين – المؤكد عليه في القرار 194 الصادر عن الأممالمتحدة يعد تحديًا كبيرًا للمجتمع العالمي، فبدون حل هذا الجزء لن تحل القضية الفلسطينية. فيما قال محمد أبو كمال – أستاذ تاريخ الفلسطيني بجامعة الأزهر ، إن القضية الفلسطينية تضررت بما حدث منذ 66 عاما، وما زالت متضررة حتى اليوم، وتفاقم الأمر منذ 2007 الذي أضيفت فيه معاناة جديدة إلى ما يعانيه الفلسطينيون، وهي حالة الانقسام بين حركتيْ التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس). وأضاف «أبو كمال» أن الأمل ينعقد في الفترة الحالية على مسارين، «المصالحة» بين كل من حركتي فتح وحماس، و«الربيع العربي» الذي ينتظر الجميع أن يؤتي ثماره عما قريب، ولكن على العرب أن يساندوا فلسطين بكل ما أوتوا من قوة، وعلى الفلسطينيين إنهاء الانقسام بينهم وتقدم التمويل اللازم لمقاومة الاستيطان والتهويد.