في ظل حالة لا يرثى لها في الوطن العربي، ما بين انتكاسة لثورات الربيع العربي في عامها الثالث، وإضراب عدد كبير من الأسرى المعتقلين إداريا، وحالة من التخبط والضبابية في المشهد العربي وانغماس كل دولة في شأنها الداخلي وغفلة تامة عن القضية الفلسطينية وحق عودة اللاجئين والنازحين، تأتي الذكرى ال 66 لنكبة فلسطين. الذكرى ال 66، نكبة على الفلسطينيين والعرب، واحتفالا كما يسميه الصهاينة بعيد الاستقلال في ظل صمت عالمي معتاد، عندما يبحث العرب عن وطنهم الذي اغتصب. البداية.. سقوط الخلافة العثمانية لم يكن 15 مايو عام 1948، البداية الفعلية لنكبة فلسطين، لكنها كانت قبل ذلك التاريخ بكثير، وتحديدا مع بدايات الحرب العالمية الأولى، وما تبعها من سقوط الخلافة العثمانية وفرض الانتداب البريطاني لفلسطين، ثم وعد بريطانيا إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين أو ما عرف "بوعد بلفور" في 1917، ذلك الوعد المشئوم الذي أعطى فيه من لا يملك لمن لا يستحق، كانت كلها مقدمات لضياع الأرض، ثم قرار الأممالمتحدة في 1947 بتقسيم فلسطين لدولتين فلسطينية، وأخرى إسرائيلية. تهجير وتشريد وكيان محتل بدأت الكارثة بعد قرار الأممالمتحدة بإعلان قيام الدولتين، حيث بدأ التهجير القسري للشعب الفلسطيني، وطمس كل معالم فلسطين العربية، وارتكبت العصابات الصهيونية أبشع المجازر في القرى والبلدان الفلسطينية، وأشهر تلك المذابح "دير ياسين" التي كان قائدها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ارئيل شارون، والرئيس الإسرائيلي الأسبق مناحم بيجن. وأجبرت أعمال القتل والذبح والنهب والسرقة وإجرام العصابات الصهيونية الشعب الفلسطيني على الهجرة والتشريد خارج الديار وخسارة وطن بأكمله واحتلاله لإقامة الدولة الصهيونية المزعومة، وتبديل كل المعالم العربية بأخرى صهيونية وإطلاق الأسماء العبرية على المناطق، فأضحت تل الربيع هي تل أبيب والقدس "اورشليم". ولجأ أصحاب الأرض إلى مخيمات، وتشرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من أصل 1.4 مليون فلسطيني، وتم هدم أكثر من 500 قرية فلسطينية وتحولت المدن الكبيرة إلى مدن يهودية، وتم إعلان "دولة إسرائيل" في 14 مايو لعام 1948، واختير يوم النكبة في اليوم التالي له يحييه الشعب الفلسطيني كذكرى لمأساة وطن محتل. واحتل الصهاينة 78% من أرض فلسطين بعد النكبة، باستثناء الضفة الغربية التي انضمت إلى الأردن، وغزة التي انضمت لمصر، وتبقى في فلسطين حوالي 150 ألف أطلق عليهم فيما بعد عرب 48، وهم الذين يحيون ذكرى النكبة بتنظيم مسيرة بالأعلام الفلسطينية تحت مسمى مسيرة العودة، بشعار "يوم استقلالكم يوم نكبتنا". الأممالمتحدة تقر حق العودة للفلسطينيين في ديسمبر عام 1948 صدر الميثاق العالمي لحقوق الإنسان بحق كل فرد في العودة إلى بلده، وفي اليوم التالي أصدرت الأممالمتحدة قرارها رقم 194، الذي قضى بحق عودة كل لاجئ فلسطيني طرد، أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948، أو في أي وقت إلى أرضه لكن ماطلت إسرائيل في تنفيذه بل لم تنفذه أساسا وتوسعت في أعمالها الاستيطانية وتهويد القدس. الشعب الفلسطيني يتزايد 8 أضعاف تقرير حديث للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أوضح أن عدد الفلسطينيين تضاعف حوالي 8 أضعاف عن عام النكبة، فوصل في نهاية العام الماضي إلى 11.8 مليون نسمة في مقابل 1.4 مليون نسمة عام 1948، يعيش منهم حوالي 5.9 مليون في فلسطين من النهر إلى البحر. ووصل عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث الدولية "الأونروا" حتى نهاية 2013 حوالي 5.35 مليون لاجئ فلسطيني، يعيش حوالي 29 % منهم في 58 مخيما يتوزعون على الأردنوسوريا ولبنان والضفة الغربيةوغزة، بالإضافة إلى وجود لاجئين غير مسجلين. الفلسطينيون الذين لم يغادروا وطنهم في 48، وصل عددهم وفقا للتقرير إلى 1.43 مليون فلسطيني، ويقطن الضفة الغربية حوالي 2.8 مليون نسمة مقابل 1.7 مليون في قطاع غزة، وبلغ عدد السكان في محافظة القدس حوالي 408 آلاف نسمة في نهاية العام 2013. المعتقلون في السجون الإسرائيلية بحسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وصل عدد المعتقلين في السجون ومراكز التوقيف الإسرائيلية حوالي 5 آلاف أسير، منهم 19 أسيرة، وقرابة 200 طفل بالإضافة إلى وجود 185 معتقلاً إدارياً يخوضون إضرابا عن الطعام منذ أكثر من 20 يوما. مخيمات اللاجئين تأن تعاني مخيمات اللاجئين الفلسطينيين من ظروف عصيبة في إطار ما تمر به الدول العربية من أحداث واضطرابات سياسية أبرزها مخيم اليرموك في سوريا، والذي يعاني الحصار منذ أكثر من عام ونصف مما أدى لاستشهاد المئات سواء من الجوع أو القصف. ويري الدكتور إبراهيم أبراش أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، أن مرور 66 عاما على النكبة لم يثن اللاجئين عن الاستمرار بالمطالبة بحقهم في العودة إلى وطنهم وقراهم، ولم تلغ وجود الشعب الفلسطيني، وأن اللاجئين هم مفجري العمل الفدائي المسلح الذي حول كل مخيم للاجئين إلى قاعدة من قواعد الثورة الفلسطينية. واعتبر أن "الفلسطينيين يدفعون ثمن هزيمة سبع جيوش عربية في حرب 1948، حيث أدت الهزيمة لفقدان ثلثي أرض فلسطين، ثم دفعوا مرة أخرى ثمن هزيمة العرب في حرب 1967، حيث فقدوا بقية فلسطين، حتى الانقسام الذي حدث في يونيو 2007 ما كان أن يكون لولا تآمر إسرائيلي أميركي مع أطراف عربية وإسلامية". يضيف إنه لولا معاناة اللجوء والتشرد ما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، وعلى اللاجئين أن يواجهوا بشجاعة محاولات إجبارهم على إسقاط حق العودة أو دفعهم للهجرة بسبب حروب أهلية عربية أُقحموا فيها دون إرادتهم، والعالم يربط بين القضية الفلسطينية وعودة اللاجئين. الاستيطان الصهيوني إلي زوال يقول الدكتور مازن النجار الباحث الأكاديمي الفلسطيني إن الصراع الفلسطيني الصهيوني عميق الجذور، وسيتفاقم حول قضايا الأرض والسكان، مضيفا إنه لا يزال رفض أي دولة يهودية في فلسطين هو المحدد الأهم للحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها في 1920، وهذا الرفض هو الذي يشعل تلك الحركة حتى الآن، ولن يحدث أن تقبل تلك الحركة أو الوعي الفلسطيني بوجود ذلك الكيان المحتل. يوضح النجار أن الكاتب اليهودي الأمريكي بنجامين شوارتز أكد في مقالات سابقة أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي غير قابل للحل، خاصة مع تشاؤم الأوساط الأكاديمية والثقافية في إسرائيل بانعدام الأفق أمامهم كشعب، ومخاوفهم إزاء مستقبل الدولة التي سيعيش فيها أبناؤهم. والمفاجأة الكبرى بحسب "النجار"، أن هناك عبارة يقولوها الإسرائيليون دائما بحسرة وأسى: "كان يجب أن نقبل بأوغندا!"، "التي عرضها البريطانيون على القيادة الصهيونية في 1903" ، مشيرا إلى حقيقة لا يجب التغاضي عنها هي الأعمال الاستيطانية. الاستعمار الاستيطاني يفشل يضيف "النجار" أن كل مشروعات الاستعمار الاستيطاني فشلت في القضاء على الشعوب الأصلية بمناطق الاستيطان مثل الجزائر، وجنوب أفريقيا، وغيرهم ولا يبدو في الأفق التاريخي والاستراتيجي ما يستثني المشروع الصهيوني من ذات المآل، بصرف النظر عن المساحة الزمنية التي يستغرقها الفعل التاريخي.