يُعتبر كتاب "الخاطرات" لمولانا جمال الدين الأفغاني، الذى أملاه على تلميذه السيد محمد باشا المخزومي، هو المرجع الأقوى الذى نستطيع عبره استخلاص فكر ومواقف مولانا جمال الدين فى العديد من القضايا الفكرية الكبري، ومن أهم القضايا التي رصدها كتاب الخاطرات قضية الاشتراكية، فمولانا جمال الدين الأفغاني كان مؤمن بمبادئ الاشتراكية، لكنه فرًّق بين الاشتراكية من المنظور الإسلامي والاشتراكية من المنظور الغربي المادي، إذ رأى أن الذى أوجد الاشتراكية الغربية هو "حاسة الانتقام من جور الحكام والأحكام، وعوامل الحسد فى العمال من أرباب الثراء، الذين إنما أثروا من وراء كدهم وعملهم، وادخروا كنوزهم فى الخزائن، واستعملوا ثورتهم فى السفه؛ وبذلوها فى السرف والتبذير"، فالاشتراكية الغربية تُنظًّر لمواجهة النظام الرأسمالى عن طريق إزاحة الطبقة البرجوازية المسيطرة فى المجتمع الرأسمالي، ونقل الحكم إلي طبقة البروليتاريا–العمال– وترى أن تاريخ أي مجتمع منذ بدء التاريخ وإلى اليوم، ليس سوى تاريخ لصراعات طبقية. ولهذا المنطق يرفض مولانا جمال الدين الاشتراكية الغربية لأن "كل عمل يكون مرتكزًا على الإفراط، لابد أن تكون نتيجته التفريط، أفرط الغربيون الأغنياء بنبذ حقوق العمال والفقراء وراء ظهورهم، فأفرط العمال بمناهضة أهل الثورة، وغاصبى حقوق الأمُة، بالمناصب ومسببات الجاه فلا قاعدة دينية يرجع إليها، ولا سلطانًا واعيا يعمل بقهر الصالح المجموع". أما الاشتراكية من المنظور الإسلامي –كما أرتآها الأفغاني– فهى تعنى المساواة بين طبقات المجتمع فلا فرق بين حاكم في الحقوق والواجبات، كما تحمل الاشتراكية –من هذا المنظور– القادرين مسئولية الفقراء، والمستضعفين، ورعاية ذوى القربي، واليتامى. ودلل جمال الدين على رسوخ هذه الرؤية بتاريخنا الإسلامي منذ النشأة بأمثلة كالإخاء الذى عقده المصطفى صلى الله عليه وسلم، بين المهاجرين والأنصار، ورأى فيه "أشرف عمل تجلى به قبول الاشتراكية قولاً وعملاً"، واستشهد أيضًا بفترة حكم الخليفتين أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما، مشيرا إلى أن الحياة الاجتماعية فى عهد الخليفة أبو بكر بعد الفتوحات الإسلامية "عندما بلغ من الملك مبلغًا عظيمًا، وجاء بالمغانم الكثيرة، مع ذلك لا نرى أن وضعية الخليفة قد تغيرت، ولا مظاهر وزرائه وقادته تبدلت.."، كذا فترة حكم الفاروق عمر بن الخطاب فقد توسعت الفتوحات وازدادت الأموال، إلا أن هذه الأموال لم يغير نفوس المسلمين، ولا نفس الفاروق "فكان لباسه أحقر ما يلبسه الفقير فى الأمة.. ومطعمه كان خبز الشعير.. بينما كان يُطعم الأيتام والأرامل والمستضعفين من المهاجرين والأنصار من خبزالبر والسمن والتمر فكان يشاركهم نعيم الأغنياء ولا يشترك معهم فيه فضلا عن بذل المال للمحتاجين". وأى اشتراكية عند مولانا جمال الدين تخالف فى جوهرها المبادئ الإسلامية لن تكون إلا "ملحمة كبرى وسيل الدماء ولا سيل العرم من الأبرياء.. فالاشتراكية الإسلامية عين الحق والحق أحق أن يتبع".