أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس يقتضي تحقيق الثورة لأهدافها إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية وفقا لفلسفة جديدة تجعل منها راعية وحامية للحرية و للديمقراطية ولأمن المواطنين لا أمن وديمومة الحاكم . ويتطلب تحقيق هذا الهدف في رأينا اتخاذ الإجراءات التالية والتي أعرضها للمناقشة : تضمين الدستور الجديد مادة معدلة للمادة84 1 من دستور 1971 الملغي و التي كانت تحدد طبيعة هيئة الشرطة حيث كنت تنص على “الشرطة هيئة مدنية نظامية رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية وتؤدى الشرطة واجبها في خدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتسهر على حفظ النظام والأمن العام والآداب وتتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات بحيث يحذف منها ” رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية لأنه ثبت أن هذا النص جعل المؤسسة الأمنية برمتها في خدمة الأمن السياسي أو بعبارة أخري في خدمة رئيس الجمهورية نفسه.وبدون أن يكون عليه أي رقابة من أي جهة أخري . تأكيد وتفعيل دور المؤسسات المدنية و الرسمية في متابعة أداء المؤسسة لمهامها . إلغاء البروتوكول المعقود مع القوات المسلحة و الذي بمقتضاه تحصل المؤسسة الأمنية علي أعداد من المجندين لأداء الخدمة العسكرية لاستخدامهم كأفراد أمن داخلي لأن ذلك كان فقط لتوفير النفقات والتي ثبت أن أضعافها كانت تهدر بفعل الفساد وتنفق في أوجه غير مشروعة وقد ثبت عدم تأهلهم للقيام بالمهام الأمنية بكفاءة نظرا لغلبة الأمية عليهم فضلا عن اغترابهم عن المؤسسة وتدني روحهم المعنوية ولهذا كان التركيز علي استخدامهم في الأمن المركزي لقمع و فض التظاهرات . وضع نظام جديد لجهاز الشرطة بوصفه هيئة مدنية نظامية يقضي علي التمايز الحاد بين العاملين به و الذي كان سائدا منذ عهود الاستعمار و الإقطاع والذي كان يعكس التمايز الطبقي الحاد بين الحكام و الشعب: (الضباط من الأتراك أو الإنجليز أو من أبناء الذوات من جهة و الجنود من أبناء الفلاحين و الفقراء من جهة أخري ) علي أن يكون الحصول علي مؤهل متوسط علي الأقل شرطا لتعيين أفراد الأمن علي أن يفتح مجال الترقي في السلم الوظيفي وفقا لشروط يتم استيفاؤها مثل الحصول علي مؤهل أعلي أو الخبرة ...الخ . إن مثل هذا النظام الجديد يجعل العاملين أكثر شعورا بالانتماء وبالكرامة و أكثر قدرة علي استيعاب أحدث الأساليب الشرطية وعلي التعامل مع كافة فئات الشعب فضلا عن أنه يحقق هيبة و احترام الدولة والقانون ويعطي انطباعات إيجابية للأجانب عن الشرطة المصرية و مصر عموما . المطلوب أن تكون الصورة الذهنية لرجال الشرطة لدي المواطنين صورة إيجابية تلقي التقدير و الاحترام والثقة بفعل سلوكياتهم التي يحكمها القانون وبفعل مظهرهم أيضا. ويرتبط ذلك بالطبع بوضع جدول جديد للمرتبات والحوافز يتسق مع مطلب العدالة الاجتماعية ويراعي الطبيعة الخاصة للعمل بهذا الجهاز ووضع نظام للتأمينات الاجتماعية وللتعويضات لمواجهة مخاطر العمل مما يوفر الاطمئنان علي مستقبل العاملين بالجهاز و أسرهم . وقد طالب ضباط الشرطة و الأمناء و الجنود بتحديد ساعات العمل والإجازات تطبيقا لقوانين العاملين بالدولة و إلغاء المحاكمات العسكرية لهم وتطبيق الجزاءات الإدارية المتبعة مع موظفي الدولة بوصف الشرطة هيئة مدنية وفقا للدستور وليست عسكرية أي تغيير قانون الشرطة بأسره وفقا للفلسفة الجديدة التي يجب أن تحكم المؤسسة الأمنية. ومع إعطاء رجل الشرطة كل حقوقه لابد أيضا من وضع كل الضوابط لضمان قيامه بواجباته علي أكمل وجه و ضمان عدم إساءته استخدام سلطاته وذلك بتغليظ العقوبات علي أي انتهاكات لحقوق المواطنين وأي مخالفات للنظام و القانون المناط به مراقبة تنفيذه . إنشاء كليات أو معاهد للشرطة في المحافظات المختلفة يكون القبول فيها لأبناء هذه المحافظات حتى يتحقق الاستقرار لهم من جهة و يكونون علي دراية بأوضاع المناطق التي يعملون بها من جهة أخري .. ومن المقترح أيضا أن يكون القبول بكليات الشرطة للحاصلين علي ليسانس الحقوق و تقتصر الدراسة بالكلية علي المواد و التدريبات الشرطية لمدة عامين مع إلغاء نظام الداخلية أو الإقامة الكاملة بالمعهد أو الكلية لأن الشرطة تعمل وسط الجمهور ولا يجب عزل الطلاب عن الوسط الذي يؤهلون للعمل فيه . تدريب و إعادة تأهيل كل العاملين بالمؤسسة وفقا لأسس الفلسفة الجديدة التي تحكم الأداء الشرطي والتي تقوم علي احترام حقوق الإنسان سواء بالنسبة للعاملين بالمؤسسة أو بالنسبة للمواطنين و الالتزام بميثاق العمل الشرطي الذي لابد أن تتم صياغته بعناية ليقسم علي احترامه كل من يعين بالمؤسسة. توفير كافة الإمكانات اللازمة لأداء المؤسسة لمهامها و تطوير أساليب التحقيق و البحث الجنائي والتخلص من الموروثات البدائية و التي كانت تعتمد علي العنف و التعذيب البدني و النفسي لانتزاع الاعترافات من المتهمين و من الشهود . كان من أهم مطالب الثورة إلغاء جهاز أمن الدولة وقد تم بالفعل صدور قرار من وزير الداخلية في 15مارس 2011 بإلغاء هذا الجهاز وإنشاء قطاع جديد بالوزارة بمسمى (قطاع الأمن الوطني) يختص بالحفاظ على الأمن الوطني والتعاون مع أجهزة الدولة المعنية “لحماية وسلامة الجبهة الداخلية ومكافحة الإرهاب، وذلك وفقا لأحكام الدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وحريته” ومازالت هناك مطالب باستبعاد الضباط الذين شاركوا في انتهاكات الحريات وارتكاب جرائم تعذيب للمواطنين من العمل بالقطاع الجديد وتحويلهم للتحقيق فيما ارتكبوا من جرائم مع ضمان عدم تدخل الجهاز في عمل أي مؤسسة أو في حياة المواطنين العادية. تخليص المؤسسة الأمنية من كل الأعباء التي تعوق أداءها لمهمتها الرئيسية الخاصة بحفظ الأمن وتوفير الطمأنينة للمواطنين وذلك بإلغاء إدارات مثل الكهرباء والتجارة الداخلية والحراسات الخاصة و الإطفاء والدفاع المدني كما حدث بالنسبة للحرس الجامعي و إسناد مهام هذه الإدارات للحكم المحلي و للوزارات المعنية . 10- الارتقاء بأحوال أقسام ونقط الشرطة وكل أماكن عمل أعضاء الجهاز في كافة محافظات الجمهورية بما يجعلها ملائمة لأداء العاملين فيها لمهامهم و للجمهور المتردد عليها علي غرار الأقسام النموذجية في المناطق الراقية بالعاصمة ووضع آلية لتحقيق التفاعل و التعاون بين أجهزة المؤسسة الأمنية و التنظيمات الشعبية و المحلية في تحقيق الأهداف الأمنية و الأهداف التنموية للمجتمعات المحلية و تدعيم إدارة العلاقات العامة بالمؤسسة . إن اتخاذ هذه الإجراءات يؤهل الشرطة عن حق لأن يصبح شعارها الجديد :الشرطة من الشعب و للشعب. لقد سبقتنا مجتمعات في الثورة علي نظم الحكم الديكتاتورية و الاستبدادية و نجحت بدرجات متفاوتة في الانتقال إلي الديمقراطية وبالتالي في أعادة هيكلة المؤسسات الأمنية فيها لتتلاءم مع النظام الجديد مثل جنوب إفريقيا و بولندا و تشيكوسلوفاكيا ومن الممكن تشكيل لجان من المتخصصين لدراسة هذه التجارب و الاستفادة منها .