تتجلى قيمة الأمل فى مثل هذه اللحظات التى يسود فيها اليأس ، وتتزايد أهمية التفاؤل حينما ينتشر الاحباط ، وتتأكد صحة الرهان على الشعب حينما يظن البعض أنه قادر على اسكاته وقمعه مجددا .. البعض يحاول بالتأكيد ، أحيانا بالتضليل ، وأحيانا بالتخويف ، وأحيانا بالقمع ، أن يعود بمصر وشعبها لما قبل 25 يناير ، ويتصور هؤلاء أن اعادة انتاج نفس سياساتهم بنفس خطاياها ممكن ، ويتخيل البعض أن الثورة يمكن اجهاضها ، ويظن البعض أن الماضى يمكن أن يحكم المستقبل .. لكن الحقيقة التى لا يدركها هذا البعض ، ان مصر وضعت أقدامها على طريق لا عودة عنه مهما واجه من عثرات ومهما صنعوا فيه من عقبات ، بدأته فى 25 يناير وواصلته فى 30 يونيو ، وستستمر فى تثبيت أقدامها على هذا الطريق الذى لا بديل عنه للمستقبل . وصحيح أن (القادمون من الماضى) يبذلون قصارى جهدهم فى وقف (الزحف الى المستقبل) ، لكن أكبر أزمة تواجه هؤلاء وستظل تواجههم هى أن هناك شعب حى واعى قادر على الفرز صار طرفا رئيسيا فى المعادلة ، وهو شعب صابر لكنه قادر ، يمل لكنه لا يحبط ، يبحث عن الاستقرار لكنه لن يقبل بالجمود ، يأمل فى دولة قوية لكن بشرط أن تكون عادلة ، باختصار هو الشعب القائد والمعلم الذى قاد الثورة وانتصر لها بعد طول انتظار وسكون ، وسيظل ينتصر لأهدافها حتى تتحقق . ورغم أن دروس الماضى القريب حاضرة وجلية ، إلا أن (الانتقاليون الجدد) لم يستوعبوا أخطاء وخطايا (الانتقاليون الأوائل) ، وتصوروا أنهم أكثر ذكاءا وهو قد يكون صحيحا ، لكن الشعب أذكى وأوعى ، وتصوروا أنهم قادرون على خفض سقف الطموح بحجة خطورة الظروف والأوضاع ، وهى حقيقة لا شك ، لكن الحقيقة الأهم منها أن هذا الوطن لم يعد ممكنا وضع سقف لطموحه وأحلامه . ها هى موجات الحراك الاجتماعى تتجدد ، من عمال المحلة إلى موظفى الشهر العقارى إلى هيئة النقل العام ، وها هى روح السياسة تعود إلى المشهد بعد أن سادت فترة من الكمون والخمول ، وها هو شعب مصر يعيد تقييم الأمور والمواقف ، ويعيد فرز الغث من الثمين ، ولا يجد هؤلاء إلا وعودا للمستقبل رغم أنهم من لا يستطيعون تحقيقها فى الحاضر ، ولا يمتلكون سوى مطالبة الشعب بالصبر والانتظار وكأنه لم ينتظر كثيرا من يقدم له حلولا حقيقية وينتصر حقا للثورة وخطها وأهدافها ، ولا يستطيع هؤلاء الانتظار فيقفزون لركوب الثورة مجددا دون أن يدركوا أنها جواد جامح يستطيع فى أى لحظة ان يلفظ من لا يستطيع قيادته والانتصار له وبه . الشباب يعودون مجددا إلى السجون ، ورائحة الظلم تزكم الأنوف مع روائح الدم ، والضحايا فى كل الاحوال ومن كل الاطراف من ملح الأرض فى هذا البلد ، جنوده وشبابه البسطاء الفقراء ، ممن عانوا كثيرا بحثا عن عيش كريم ولقمة هانئة وكرامة فى وطنهم ، لكنهم يغتالوا غدرا أو يحبسوا قهرا ، ولكلاهما انتصرت الثورة ، وعلى خصومهما تدور الدوائر . يراهن هؤلاء على يأسنا واحباطنا ، فنجدد الأمل ونتمسك باليقين ، ويسعون لتشويه وتضليل وعى الشعب ، فنعيد رهاننا عليه وعلى ادراكه وقدرته ، ويتصورون أنهم قادرون على العودة من الماضى فنزداد ثقة فى أن المستقبل آت آت . يرفع هؤلاء شعار (للخلف در) ، فندندن ونردد (أبدا بلدنا للنهار) .. ونهار بلدنا ساطع ومشرق ، وأقرب مما يتصورون .