يبدو أن الحوار الذي دعا إليه الرئيس السوداني عمر البشير في 27 يناير 2014، كافة الأحزاب السياسية المعارضة، بهدف تسوية الأزمة التي تواجهها البلاد، لا يزال صعبًا، لا سيما في ظل عدم ترحيب قاعدة واسعة من المعارضة بتلك الدعوة، فضلا عن غياب الثقة واتساع مساحة الخلافات بين النظام الحاكم والمعارضة حول العديد من القضايا التي تتمثل في شرعية النظام، والانفراد بالسلطة، وإقرار ميثاق السلام ووقف الحرب، على نحو يزيد من احتمالات تعثر هذا الحوار في حالة إجراءه. دوافع متعددة: تنبع دعوة البشير للحوار مع المعارضة هذه المرة من كون مستقبل نظام الحكم في السودان قد دخل مرحلة الخطر، لا سيما مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية، واستمرار المواجهات المسلحة في جنوب السودان، بشكل أدي إلي تقليل معدلات التدفق النفطي إلى الشمال، ومن ثم تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها السودان. وعلى الصعيد السياسي أيضًا، ارتفعت معدلات الحشد الجماهيري لإسقاط النظام، وهو ما بدا جليًا في إعلان كمال كمبال المتحدث باسم الحركة الشعبية قطاع الشمال، فى 28 يناير 2014، عن أن الحركة "ستسعى لإسقاط النظام لأن ذلك سيحل كافة مشكلات السودان"، وهو ما اتفق معه المتحدث باسم الحزب الشيوعي السوداني صديق يوسف، الذي أكد على أن "علاج الأزمات السودانية سيحدث برحيل البشير وحكومته". إلي جانب ذلك، تدهورت الأوضاع الأمنية واشتدت المواجهات المسلحة فى العديد من البؤر مع الجماعات المتمردة، لا سيما حركة العدل والمساواة بدارفور، والحركة الشعبية قطاع الشمال. وعلي ضوء ذلك، يمكن القول إن دعوة الحوار تحمل في طياتها محاولات للتهدئة وتفادي الانهيار، خاصة بعد الانشقاقات الأخيرة التي حدثت فى الحزب الحاكم، والتي ساهمت بدورها في إضعاف شعبيته، إلى حد كبير، وتآكل مصداقيته بين قواعده الشعبية. دعوة محبطة: من الواضح أن دعوة البشير لم تلق قبولا واسعًا من جانب المعارضة السودانية، خاصة كل من حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، وحزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي. فقد وصف الأخير الخطاب الذي ألقاه البشير ووجه فيه الدعوة، بأنه "لم يأت بجديد، فهو عبارة عن خطاب عام لم يشر إلى حل واضح للقضايا والأزمات الجوهرية التي تعانى منها البلاد لا سيما قضية الحريات العامة". كما أكد الصادق المهدي علي أن "حالة البلاد لا تسمح بالعموميات أو حوارات الزمن المفتوح، حيث أن ما تتطلبه السودان هو إجراء تحولات جذرية في بنية النظام السياسي ككل". أما موقف الجبهة الثورية المعارضة فقد عبر عنه القيادي جبريل آدم، الذي أشار إلي أن "الجبهة لا تثق في دعوة الحوار التي أطلقها النظام الحاكم، الذي تقوم قواته بقصف السودانيين المدنيين في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق". بيد أن هذا لا ينفي أنه ما زالت هناك إمكانية لإجراء الحوار، خاصة بعد التصريحات التي أدلي بها فاروق أبو عيسى رئيس الهيئة العامة لتحالف المعارضة، في 31 يناير 2014، وطرح فيها الشروط الأساسية لتهيئة المناخ لإجراء الحوار، وتتمثل في إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، وإطلاق سراح كافة المعتقلين والأسرى، والتحقيق في قتلى "انتفاضة" سبتمبر 2013، ووقف الحرب والشروع الفوري في مفاوضات غير مشروطة لإنهاء القتال مع الحركات المسلحة، وتأسيس وضع انتقالي كامل يجسد الإجماع الوطني كخطوة نحو الإصلاح، وهو ما يعني أن المعارضة لم تغلق الباب بشكل تام في وجه الدعوة لكنها في الوقت ذاته وضعت النظام السوداني في مأزق حقيقي، لا سيما بفرضها شروطًا تصعب الاستجابة إليها من جانب الأخير. قضايا خلافية: تمثل القضايا الخلافية الكبرى بين نظام حزب المؤتمر الوطني الحاكم ومختلف القوى والرموز السياسية المعارضة العائق الأكبر أمام الدخول في حوار وطني، وتتلخص تلك القضايا فيما يلي: 1- الجدل حول شرعية النظام،تمثل قضية طعن المعارضة في شرعية نظام البشير بشكل مستمر أحد أبرز القضايا المعقدة التي تواجه الحوار بين الطرفين، إذ لم تتوقف عند مستوي التصريحات، بل امتدت إلي اتخاذ إجراءات عملية كان أبرزها صياغة ما يسمي ب"الميثاق الدستوري للمرحلة الانتقالية"، والذي تضمن تكوين مجلس رئاسي انتقالي وحكومة وبرلمان يتم التوافق عليها لفترة انتقالية لا تقل عن ثلاثين شهرًا ولا تزيد عن أربع سنوات، فضلا عن إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات. وبالتالي، فإن خيار تفكيك النظام أصبح يمثل هدفًا رئيسيًا للمعارضة السودانية باعتباره نظامًا غير شرعي أدخل البلاد في دوامة عنف وفشل اقتصادي وسياسي واجتماعي. وفى المقابل، يتمسك النظام بالبقاء، ويطالب المعارضة بالاعتماد على الأدوات الشرعية لتغييره، خاصة عبر الانتخابات المزمع إجراءها في عام 2015. ويتسق ذلك النهج مع تصريحات الفاتح عز الدين القيادي بحزب المؤتمر الحاكم، الذي أشار إلي رفض الحزب فكرة تفكيك النظام، ودعوته القوى السياسية لحشد طاقاتها للمنافسة في الانتخابات القادمة باعتبارها السبيل الوحيد لانتقال السلطة. 2- أزمة الانفراد بالسلطة،حيث يتمسك نظام البشير بحكومة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، إلي حين إجراء انتخابات فى العام المقبل، والتي ربما تليها عملية تغيير شامل، وهو ما ترفضه القوى المعارضة، مؤكدة على ضرورة إقالة هذه الحكومة، واستبدالها بأخرى محايدة تضم كافة الأطياف والقوى السياسية، وتتولي مهمة الإشراف على عملية الانتقال، بدءًا من إجراء الانتخابات وانتهاءً بصياغة دستور جديد للبلاد لا تستأثر به قوى سياسية بعينها. وقد حظيت تلك المقترحات بتوافق من جانب أحزاب المعارضة وعلي رأسها الحزب الشيوعي وحزب المؤتمر الشعبي، والتي أكدت في اجتماعها الذي عقد في 28 يناير 2014، على أن "الشراكة في حكومة انتقالية من شأنها أن تقلل من حالة الاحتقان التي تشهدها البلاد، وتمهد الطريق أمام مصالحة وطنية"، وهو ما يتسق مع الطرح الذي قدمه حزب البعث العربي السوداني بضرورة تأسيس وضع انتقالي تشارك فيه كافة القوى والأحزاب السياسية دون إقصاء أي طرف بما فى ذلك الحركات المسلحة. 3- إقرار السلام ووقف الحرب،إذ تعد الحرب الدائرة في مختلف البؤر السودانية بين القوات الحكومية والحركات المسلحة من أكثر القضايا تعقيدًا، خاصة أن إيقاف تلك الحرب يعتبر مسألة جوهرية لدى المعارضة قبل الدخول في أي حوار مع النظام، وهو ما أكد عليه القيادي بالحزب الشيوعي يوسف حسين، مشيرًا إلى أن "إيقاف سياسات الحرب الدائرة بأنحاء شاسعة في البلاد يعد مطلبًا جماهيريًا على اعتبار أن تلك الحرب يتمخض عنها كوارث إنسانية". مساران محتملان: وفي النهاية يمكن القول إن اتساع مساحة الخلافات بين النظام والمعارضة يفرض سيناريوهين أساسيين للحوار المحتمل بين الطرفين: الأول، التهدئة وانعقاد الحوار، وهو ما يمكن أن يتحقق فى حالة استجابة النظام، ولو جزئيًا، لشروط المعارضة فى محاولة لإقناعها بالدخول فى حوار وطني شامل. لكن نتائج هذا الحوار سوف تظل غير مضمونة، بسبب غياب الثقة بين الطرفين، وهو ما يفرص صعوبات عديدة أمام هذا السيناريو. والثاني،التصعيد والتعنت، بسبب استمرار رفض المعارضة الدخول في الحوار الوطني الذي دعا إليه البشير، فضلا عن تكثيف دعوات الحشد لإسقاط النظام، ويعتبر هذا المسار هو الأرجح، خاصة بعد دخول النظام مرحلة ترنح من شأنها أن تعجل بسقوطه فى حالة استمرار الضغوط التي يتعرض لها. أحمد زكريا الباسوسي المركز الاقليمى للدراسات الاستراتيجية