تواجه صناعة الدواء في مصر أزمة مزمنة، تتعلق بالتسعير والتسجيل وإنشاء المصانع الجديدة، وتمتد لتهدد المصانع القائمة بالإغلاق، مضيفة مزيدًا من الأعباء على كاهل المواطنين، لاسيما بعد زيادة الأسعار التي تهدد أحوال فقراء ومطحوني الشعب المصري الصحية والطبية. وتعد الشركات القابضة، المتسبب في فساد مجال صناعة الدواء بمصر منذ سنوات، بعدما أسندت تصنيع بعض العقاقير لشركات أجنبية، فظهر نظام العمولات وتوكيلات الدواء التي يحصل عليها الوسيط ليتمم الصفقات، وبالتالي تحول الدواء من سلعة إستراتيجية إلى استثمار مربح وخاصة في الفترة من منتصف التسعينات حتى 2005، حيث كانت التسعيرة بلا قواعد، وبالتالي كان الدواء يحقق مكاسب غير محدودة والقطاع الخاص هو المتحكم في التسعير بطرق ملتوية بدأ تسعير الدواء بهامش ربح عال جدا. ورغم المطالبة بإنشاء هيئة مستقلة للدواء، كما هو الحال في معظم دول العالم وبعض الدول العربية مثل الأردن والسعودية، فإن المسئولين المصريين دائما ما كانوا يرفضون ذلك. ومع استمرار نقص الأدوية الأساسية لأمراض القلب والضغط والكبد، فضلا عن النقص الحاد في لبن الأطفال والملينات وبعض المسكنات، بدأت الأصوات تتعالى وتطالب بحل فوري للأزمة، خاصة أن هناك بعض أدوية الصرع والسكر لا توجد إلا في الصيدليات الكبرى بزيادة تصل إلى 10%؛ وهو ما حاولت «البديل» رصده والتعرف على أسبابه في محاولة للوصول إلى حلول. قال هاني عزيز – طبيب صيدلي، إن هناك نقص حاد في بعض أصناف نقط الأنف ومراهم العيون وأدوية المعدة والملينات، وأغلبه من الأدوية الرخيصة، التي كان يقبل عليها المواطنين، خاصة الفقراء مثل الإسبرين وحقن الترجيع والكحة عند الأطفال. وأشار إلى أن المواطن يعاني من أجل الحصول على عدد كبير من الأدوية الحيوية المخصصة لمرضي السرطان والقلب والكبد والسكر وغيرها من الأمراض المزمنة، لافتا إلى هناك بعض الأدوية الناقصة لها بدائل؛ لكن أسعارها مرتفعة لا تناسب المستوى المادي لكثير من المواطنين؛ مما يدفع العديد منهم لعدم صرف الروشتة. في السياق نفسه، قالت عزة سعيد – طبيبة صيدلانية، إن هناك عجز في عدد كبير من الأدوية المهمة، مثل أدوية القلب ك" اللانوكسين، والإيزبت واللابيدول حقن"، وبالنسبة لأدوية السكر، فالأنسولين المدعم غير متوفر والحقن البينسل، وبعض الملينات والمسكنات وقطرات العين والأنف رخيصة الثمن، التي يتوفر بديلها بسعر عال جدا. وأضافت "عزة" أنه بالنسبة للسرطان، فكثير من أدويته غالية جدا، وليس في إمكان المريض أن يشتريها، والدولة لم تعد تستوردها مثل "الهموسرتان"، و"اللاى بيدول" فهي أدوية مهمة ولا بديل لها، وكذلك الحال بالنسبة لأمراض الكبد فأدوية أرسوبلس، وبينل، بها العجز نفسه، بالإضافة للكورتيجين للترجيع، ومحلول جفاف للأطفال، ومنع الحمل المدعم، بالإضافة إلى اختفاء ألبان الأطفال المدعمة. بينما يشكو الدكتور هاني عبد الظاهر – مدير إحدى الصيدليات في وسط القاهرة، من مشكلة بدائل الأدوية التي لا يقتنع بها المريض، علاوة على ارتفاع أسعارها، رادا تلك الأزمة للطبيب نفسه، الذي يصر في بعض الأوقات على دواء لمجرد الاسم التجاري فقط؛ مما يبث الشك في نفس المريض إذا لم يحصل على الدواء المكتوب. وقال الدكتور محمد عبد الجواد – نقيب الصيادلة، هناك العديد من الأدوية بها عجز منذ حوالي 10 أو 15 عاما، وهي التي يشعر بنقصها المواطن من وقت إلى آخر؛ والسبب عدم وجود مصنع واحد للخامات المستخدمة في تصنيع الأدوية في مصر ويتم استيرادها من الخارج، لافتا إلى أن هناك بديل لكل دواء، يحتوي على نفس المادة الفعالة مع تغيير الاسم فقط، وهذا هو الفرق بينه وبين "البديل"، الذي تتغير فيه المادة والاسم ويرفض المريض شراؤه. وأوضح أن الأزمة الأقتصادية التى تمر بها مصر حاليا تسببت فى نقص الأدوية حيث إن انخفاض الحد الائتمانى لمصر جعل شركات الكيماويات والمواد الفعالة العالمية تشترط على الشركات الدفع النقدى مقدما؛ مما أدى إلى نقص الخامات وبالتالى نقص المواد الفعالة والمستحضرات الدوائية التى تستخدم تلك الخامات، فضلا عن أن هناك بعض الأدوية يتم استيرادها جاهزة من الخارج، مثل أدوية سرطان الأمعاء التي يحدث بها عجز باستمرار. وأضاف نقيب الصيادلة أن الصيدليات الكبرى لا تجرؤ على رفع سعر الأدوية؛ لأنها الشيء الثاني المسعر جبريا في مصر بعد البنزين، لكن الأدوية المهربة هي التي يتم التلاعب في أسعارها، خاصة أنها غير معلومة المصدر أو السعر، مشيرا إلى أن الأدوية المحلية الرخيصة التى تنتجها المصانع الحكومية لم تتم زيادة أسعارها منذ 30 عاما فى الوقت الذي ارتفعت فيه كل تكاليف العملية الإنتاجية، من خامات وعمالة ومستلزمات إنتاج؛ وهو ما أدى لتوقف الشركات عن إنتاج العديد من الأصناف التى أصبح إنتاجها يسبب لها الخسارة لارتفاع سعر التكلفة عن سعر البيع، أو إنتاج كميات قليلة جدا حتى لا تعاقب من قبل الحكومة. أما الدكتور أحمد صدقي – أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق، فأرجع السبب إلى الأوضاع السياسية المتوترة التي تعيشها البلاد، والتي ألقت بظلالها وتأثيراتها على الأوضاع الاقتصادية بالكامل، وأدت إلى انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الخام لجميع السلع تقريبا. وأوضح أن الحل في يد الحكومة، وهو إنشاء شركات ومصانع جديدة تستطيع أن تقدم دواء مدعما، خاصة وأن نفس الدواء الناقص يوجد بديله الأقوى تأثيرا؛ لكنه يزيد عنه سعرا، مما يمنع محدودي الدخل من شرائه، بالإضافة إلى تحديد الحكومة لأسعار بعض الأدوية البديلة بأسعار مناسبة للمواطن العادي. وأضاف أنه يجب على الحكومة أن تدعم شركات ومصانع القطاع العام التي ما زالت تخسر في تصنيع دواء يكلفها 7 جنيهات وتبيعه ب 2 جنيه للمستهلك؛ مما يزيد من خسائرها التي تهددها بالإغلاق ويزيد الأزمة تفاقمًا. فيما ذكر المركز المصري للحق في الدواء في تقرير له، أن عدد الأدوية التي اختفت من الأسواق منذ سنتين تجاوز 900 صنف، لأسباب عديدة منها غياب الرقابة، وانتشار الفساد وعدم وضع خطط إستراتيجية للمنظومة الدوائية، وعدم وجود قانون للتأمين الصحي ونظام تسعير حديث، وتسليم مكونات الصناعة والسوق للقطاع الخاص. وأشار التقرير إلى أنه اكتشف نقص نحو أكثر من 30 مادة فعالة تستخدم في صناعة أكثر من 100 مستحضر دوائي، وعدم توافر بديل لها، مؤكدا أن المواد الفعالة الناقصة تدخل في صناعة أدوية القولون ونقط الأنف وأمراض المعدة والجهاز الهضمي. وأوضح التقرير أن من ضمن ال180 صنفا المختفية تماما من الأسواق مجموعة الملينات وأقراص منع الحمل وفواتح الشهية والأنسولين المدعم بجميع أنواعه، وملين سنالكس ومينالكس، وأصناف حيوية أخرى.