التدين الفاسد والمغلوط وجهان لعلمة واحدة تسمى "التطرف الديني"، وهو أن يظن الإنسان خطأ أنه على هدى وخير، ويقوم عبر شاشات التليفزيون بأعمال منفرة وقبيحة وإطلاق فتاوى متشددة باسم الدين، وينشرون أفكارًا ونظريات غريبة دون تبيُّن، وآخر يسب ويلعن الآخر، وهذا يعد حسب آراء أساتذة الأزهر والاجتماع من أسرع طريقه لبلبلة عقول الشباب الجالس أمام تلك الشاشة، عندما يجد نفسه مصدومًا في الشخص المفترض أن يجد عنده السكينة والصفاء يقوم بذلك. يتحدث الدكتور السعيد محمد علي، مدير البحوث والدعوة بوزارة الأوقاف ووكيلها بالشرقية، عن قضية التطرف الديني والمغالاة في الخطاب الموجه إلى عامة الناس، وأنه السبب الرئيسي في التزويد بالمعلومات الخاطئة والتي لا أساس لها من صحيح النص. وأشار إلى أن الحجة والبرهان واستخدام الأدلة العقلية بجوار النص من أهم الآليات لعلاج تلك الشرائح التي تضررت من الخطاب الديني المتشدد؛ نظرًا لأنها لا تتعارض مع الدين الإسلامي الذي طالب بإعمال العقل في كثير من المواضع القرآنية، مستشهدًا بقول الله من سورة النحل «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين». وأوضح أن تلك الوسائل لمخاطبة العقول من أهم الطرق لتوصيل سماحة هذا الدين ويسره وشموله بعيدًا عن الصوت العالي والتزمت. وحذر من الكارثة الكبري التي تنفر البعض، خاصة الشباب وطلاب الجامعات وسن المرهقة، وهي استقاء فهمهم عن الدين من الفكر الوهابي الذي وصفه ب "الترهيبي" البعيد عن التبشير والترغيب وإعمال العقل" وقال إن هذا الفكر مأخوذ من محمدبن عبد الوهاب بن سليمان آل مشرف التميمي، الذي ساهمت البيئة التي نشأ فيها في قسوة خطابه وتشدده، حيث كان يعيش وسط الصخور والجبال، ولم يقتصر الأمر عنده، بل اعتبره تلاميذه مجدد الدين، وأخذوا يتناقلون أفكاره التي انتشرت في العالم الإسلامي وأوروبا وأمريكا وإفريقيا، الأمر الذي ساهم في وضع صورة مغلوطة عن صحيح الدين. ورأى السعيد أن ذلك الخطاب يساهم بشكل كبير في إلحاد بعض الشباب وتركهم للدين؛ نظرًا لما في هذا الخطاب من جمود فكري عند مخاطبة الغير، وعجز عن مواكبة تطورات العصر والإجابة عن الأسئلة التي تدور في أذهانهم، وعدم مراعاة ضعف الإنسان وطبيعته. وتابع "الشعب المصري متدين بطبعه ومتأثر إلى أبعد الحدود بالدين، ويمكن لأي واحد أن يدخل إليه بعض الأفكار السياسية والاقتصادية والأخلاقية من باب الدين". وأكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر أن هناك توغلاً من الكوادر الإخوانية والسلفية التي تحمل الفكر المتشدد الوهابي داخل وزارة الأوقاف، لابد من التخلص منها في أسرع وقت، عن طريق عملية جرد وتطهير شاملة؛ حيث إنهم ينتهجون طريقًا مخالفًا للثقافة الأزهرية المعتدلة، ومبنية على تخويف المجتمع وإرهابه، على حد قوله. وأشار إلى أن عديدًا من المشايخ المتشددين يتسببون في إرسال صورة خاطئة عن الدين، ويجعلون الشباب ينصرفون عن الدين عن طريق خطابهم المتزمت التحريضي. وتساءل كريمة "كيف تعطى الساحات والمساجد الكبيرة لهؤلاء السيوخ أمثال محمد حسان وأحمد المحلاوي في الوقت الذي لا يجد فيه علماء الأزهر أي مكان لإلقاء خطبهم سوى الزوايا والبدرومات؟". ودعا إلى الرجوع للمذاهب الوسطية، مثل الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي، التي أخذت عن رسول الله، بدلاً من الوهابي المتشدد. وهو ما أكدته الدكتورة سوسن الفايد أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، بأن الفكر المتشدد والمتطرف دائمًا ما يؤدي إلى نتيجة عكسية. وضربت مثلًا بذلك التطرف الديني أو بالأحرى الخطاب الوهابي الذي ينتهجه عدد كبير من المشايخ، الذي يشوه حقيقة الدين الوسطي الذي يتبناه الأزهر الشريف، حيث يهتم هؤلاء الدعاة المتطرفون بالظاهر ويبتعدون عن عمق الدين. وحذرت أستاذ علم الاجتماع من خطورة التطرف الديني الذي يؤدي بكثير من الناس إلى رفض الفكرة، بل الإلحاد بها في عديد من المواقف، حيث لا يجدون إجابات عن بعض التساؤلات التي تدور في أذهانهم والتي تخاطب العقل، وإنما يقابلها أسلوب متشدد لا يتعامل إلا بالنص. وحذرت من أن الإنسان في عمر الشباب يكون أكثر تأثرًا بالخطاب الديني السطحي المتزمت الذي لا يناقش سوى قضايا منفرة ترهيبية، مثل عذاب القبر والنار، والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى مرحلة اللا دين. وحملت "الفايد" المسئولية كاملة لمؤسسة الأزهر والجهات التثقيفية، كالجامعات والمدارس التي يجب أن يكون لهم جميعًا دور لمواجهة هذا الفكر الوهابي المتطرف الذي ينفر الإنسان من دينه. كما طالبت وزارة الأوقاف بإصدار قوانين رادعة ضد هؤلاء المشايخ غير الحاصلين على دورة تأهيلية للخطابة والدعوة، وأن تكون هي الراعي لهم لمراقبتهم وإصلاح انحرافاتهم الفكرية.