يخطئ من يظن أن الثورة قد أجهضت أو أنها توقفت أو فشلت لمجرد أن ميدان التحرير قد خلي من الثوار أوحيل بينهم و بينه لأسابيع أو لأن المليونيات التي تتم الدعوة لها لا يشارك فيها الملايين كما كان الحال من قبل أو لأن الخلافات و الإنشقاقات قد دبت بين الرفاق الذين وقفوا كتلة واحدة متراصة حتي خلع رأس النظام أو لأن أعداء الشعب و الثورة ضموا صفوفهم و أخذوا ينقضون علي الثوار بمختلف الطرق ويحاولون إعادة إنتاج نظام مبارك بشخوص أخري أو لأنه قد مضي أكثر من سبعة أشهر منذ خلع رأس الأفعي و لم يتحقق شيئ ملموس من أهداف الثورة إن الثورة يستحيل أن تجهض ذلك أنها ولدت فعلا يوم 25 يناير ولادة طبيعية تماما واجتازت بسلام أصعب و أخطر مرحلة من مراحل نمو الثورات : مرحلة البداية التي تشبه مرحلةالطفولة المبكرة في نمو الكائن البشري و التي تتسم بارتفاع نسبة الوفيات فيها نظرا لتعرض هذا الكائن لغزو الميكروبات و الفيروسات الضارة التي تتواجد في البيئة الملوثة المحيطة به وقد استطاعت ثورتنا الصمود أمام جحافل الفيروسات الفتاكة التي هاجمتها بضراوة منذ ولادتها و هزمتها بفضل ما تمتعت به من مناعة و مازالت تتحصن ضد كل الميكروبات التي تفرزها الحشرات التي ترعرعت في بيئة النظام الفاسد الذي تعمل الثورة جاهدة علي تطهيرها. إن الفترة من 25 يناير حتي 11 فبراير تمثل المرحلة الأولي من مراحل نمو ثورة 25 ينايرعلي الطغيان و الإستبداد و النهب و الإستهانة بالإنسان المصري ومستقبل الأجيال واكتسبت فيها الثورة الوليده درجات عالية من الصلابة و حققت مقومات استمراريتها و نموها ومن أهمها كسر حاجزالخوف من السلطة الغاشمة الظالمة إلي الأبد و اكتساب الشعب و بخاصة الشباب الثقة الكاملة في قدرته علي التغيير طالما تسلح بالإصرار و الإرادة فضلا عن نضوج الوعي الإجتماعي و السياسي مما يجعله محصنا ضد فيروسات تزييف الوعي و التضليل من قبل قوي النظام الذي ثار الشعب لإسقاطه و أبواق إعلامها و توجت هذه المرحله بفرض الإراده الشعبيه و خلع رأس النظام القمعي النهبوي الفاسد.وكان ما قدمه الشعب الباسل من شهداء و تضحيات جسيمة بمثابة التحصينات التي أكسبت الثورة قوة دفع للأمام تحول دون الإرتداد للخلف فقد آصبح هناك دماء بين الشعب و أعداء الثورة ولا بد من القصاص و ازداد الشعب تصميما علي المضي قدما إلي الأمام لتحقيق آهاف الثورة في العيش و الحرية و العدالة الإجتماعية. وبدأت المرحلة الثانية من مراحل نمو ثورة 25 يناير فور تسلم المجلس الأعلي للقوات المسلحة مهمة إدارة شئون البلاد في الحادي عشر من فبراير 2011 ووعده تسليم السلطة للمدنيين بعد إجراء انتخابات نيابية و رئاسية في غضون ستة أشهر .وتشهد أيامنا الآن نهايات هذه المرحلة و بدايات مرحلة ثالثة من مراحل الثورة . و قد حققت الثورة خلال هذه الشهور السبعة التي استغرقتها المرحلة الثانية انجارات بالغةالأهمية تمثلت في فرض الإرادة الشعبية حيث تمت إحالة الرذيس المخلوع للتحقيق ثم للمحاكمة محبوسا بعد آن ظل طليقا في منتجع شرم الشيخ وكذلك ولديه و كبار رموز النظام و آعوانه الذين ظلوا هم أيضا طلقاء لمدة غير قصيرة بتهم الفساد و النهب و قتل و إصابة الثوار كما فرضت الثورة إرادة الشعب بجعل المحاكمات علنية وبجلسات متقاربة . كما نجحت الثورة في هذه المرحلة في التصدي لكل محاولات القوي المضادة للثورة تشويه صورة الثوار و إرهاب الشعب بحالة الإنفلات الأمني و البلطجة والإيعاز للسلطات بإصدار القوانين المقيدة لحريات الرأي و التعبير و التظاهر و الإعتصام . وليس آدل علي ذلك من تظاهرات يوم الجمعة 9/9 التي حدد فيها الثوار مطالب المرحلة الإنتقالية بوضوح و إصرار والتي فشل آعداء الثورة في الإيهام بآنها تحولت للفوضي و التخريب بافتعال أحداث العنف والبلطجة ضد مبني وزارة الداخلية و مديرية الأمن بالجيزة و سفارة الصهاينة . ولا يجب آبدا التقليل من حجم و عظمة هذه الإنجازات خلال هذه المدة الزمنية القصيرة من عمر الثورة و علي الرغم من شراسة الجراثيم و الفيروسات المهاجمة للثورة الوليدة وقدرتها الهائلة علي التحور التي كانت الثورة تبتكر لها المضاد الفعال تلو الآخر . لقد أحدثت الثورة تحولات جذرية في بنية الوعي الإجتماعي الشعبي غير قابلة للإنعكاس أو للإلغاء مهما كانت الضغوط فلم تفلح المحاكمات العسكرية لما يزيد علي 12 آلف مواطن في فرض الخوف علي الشباب الذي مازال يناضل من آجل تحقيق أهداف الثورة و لم يتخلي عن اتباع الأساليب السلمية دون عنف .كما أن مشاعر الإنتماء لدي الشباب قد ترسخت كما يستدل علي ذلك من رفع شعار ارفع راسك فوق انت مصري و رفض آي تعد علي كرامة آي مصري مثلما حدث في مكة للمعتمرين و مثل إصرارالشباب علي إنزال العلم الإسرائيلي من أعلي السفارة ردا علي قتل الصهاينة للجنود المصريين في سيناء وتهاون السلطات إزاء ذلك . ثورة 25 يناير الآن بصدد بدء المرحلة الثالثة من مراحل تطورها و نموها .ولكل مرحلة من مراحل نمو الكائن الحي ، و الثورة كذلك ، خصائصها المميزة. و تتميز المرحلة هذه بأنها تمثل بداية فرض نظام جديد يحل محل نظام مبارك يحقق آهداف الثورة في العيش و الحرية و العدالة الإجتماعية باستخدام أساليب و آليات ضغط آكثر تنوعا و أعظم تأثيرا تضاف إلي أسلوب المظاهرات المليونية الذي كان من خصاذص المرحلتين الأولي و الثانية ويمكن آن يستمر خلال المرحلة الحالية مع تفعيل أساليب سبق اتباعها و أخري جديدة و مبتكرة. ثورتنا مستمرة و قوية و هي تنمو و تتطور و تسير نحو تحقيق آهدافها المرسومة و لن تفلح كل القوي المضادة لها في وقف مسيرتها و أقصي ما يمكن أن تفعله هو التعطيل لبعض الوقت فقط و هو ما ستدفع ثمنه غاليا . وللحديث بقية.