" إنكم يا معشر المصريين ، قد نشأتم في الإستعباد وربيتم بحجر الإستبداد ، أنت أيها الفلاح المسكين تشق قلب الأرض لتستنبت ما تسد به الرمق ، فلماذا لا تشق قلب ظالمك" كانت هذه صرخة ودعوة للثورة ضد الإستبداد من العالم والباحث ، رائد الإصلاح في العصر الحديث " جمال الدين الأفغاني" ، فكان الأفغاني يري في الثورة حلا وحيدا للتخلص من الاستعمار والاستبداد ، علي عكس غيره من دعاة النهضة والتنوير كعبدالرحمن الكواكبي، ومحمد عبده اللذان آمنا بالإصلاح سبيلا وحيدا للتغيير . وفي الجزء الثاني من الحلقة النقاشية التي نظمها فريق رواق المعرفة بالتعاون مع مركز الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية ، تحدثت أستاذة التاريخ الحديث " أميرة السيد" عن المشروع الفكري والتنويري لجمال الدين الأفغاني ، حيث قالت أن مشروع الأفغاني مر بمراحل متعددة ، ففي الفترة من عام 1870 1878 كان مصلحا إجتماعيا ، ولكنه بعد أن شعر بالخطر والمؤامرة التي تحاك علي العالم الإسلامي من جانب الدول الأوروبية ، وبعد أن وجد أن هويتنا الإسلامية في خطر ، بدأت ثورته علي الاستبداد لأنه كان يراه سببا في الاستعمار والتخلف ، وهنا أصبح الأفغاني ثائرا، وبدأ يتعرض للنفي والطرد من أي بلد يذهب إليه ، فكان يري في الثورة حلا لمقاومة الإستعمار والإستبداد معا. ركزت أستاذة التاريخ في حديثها علي حياة الأفغاني في مصر فأوضحت أن اللحظة المصرية في حياة الأفغاني هي الأكثر عمقا وتأثيرا في مشواره ، لكنها رأت أن الدور الكبير الذي قام به في مصر كان دورا سياسيا في البداية، مؤكدة على أن " الدور الكبير الذي قام به الأفغاني عندما جاء الي مصر كان دورا سياسيا حيث أسس لحركة ذات طبيعة سياسية وبدأ يعد مشروعات ويطرح أطروحات لمقاومة الاستبداد ، وهذه الدعوة بدأت تستقطب الكثيرين حوله مثل : "محمد عبده ، أحمد لطفي السيد، سعد زغلول، محمود سامي البارودي". انتقل الأفغاني من السياسي الي الفكري، بحسب ما تقول " أستاذة التاريخ الحديث" عندما احتل الإنجليز مصر بعد الثورة العرابية حيث وجد الأفغاني أن التركيز علي المسألة السياسية أورث مصر الاستعمار، ومن هنا رأي أنه لا تغيير سياسي دون وجود قاعدة فكرية وثقافية وفي هذا الوقت بدأ الدور المعرفي والفكري لرائد التنوير. وأوضحت أميرة أن الجانب الفكري عند الأفغاني كان متعلقا بفتح باب الاجتهاد في الدين، حيث كان يلتقي بتلاميذه، ويشرح لهم مفهوم الإسلام الصحيح، وأصول الشريعة، والتصوف، والفلسفة الإسلامية، وبذلك استطاع الأفغاني أن يؤسس في مصر مدرسة فكرية جديدة، وهي المدرسة التي أسست الخطاب الإصلاحي فيما بعد. وتطرقت إلى مفهوم الاستقلال عند الأفغاني فأوضحت أنه لم يقتصر علي الاستقلال السياسي حيث تقول أميرة أنه كان يطمح الي الاستقلال الاقتصادي والثقافي ،لأنه كان يري أن الترويج لكل ما هو غربي وتغلغل الثقافة الغربية في المجتمعات الإسلامية ، أدي الي استعمار العقول، ومن ثم كانت دعوة الأفغاني لإحياء الهوية الإسلامية خوفا علي القضاء عليها أو تشويهها . وتحدثت السيد أن بعض المؤرخين يرددون أن الأفغاني كان ماسونيا وكان علي علاقة وطيدة بالمحافل الماسونية الكبري ، لكن أستاذة التاريخ تقول أنه لا يوجد أي دليل قطعي يؤكد أن الأفغاني كان ماسونيا ، وتضيف " إذا كان البعض يردد ذلك، ويعتبره اتهام وسقطة في حياة الأفغاني فأعتقد أنه مخطيء لأن الماسونية في تلك الفترة التي عاش فيها رائد الإصلاح لم تكن سيئة السمعة ولم يكن لها علاقة بالمنظمة العالمية الصهيونية ، بل كانت فكر عالمي إنساني" ختمت أستاذة التاريخ حديثها قائلة: " رغم أنه كان أحد المناضلين ، الذين دفعوا الثمن غاليا دفاعا عن الحق والعدل والإنسانية ، ودفاعا عن العالم الإسلامي ورغم إسهاماته الفكرية ، إلا أننا لم نقرأ فكره جيدا ، وربما المثقفون أنفسهم لم يقرأوه و،لم يستفيدوا منه ، رغم أننا في حاجه ملحة إلى مشروعه الإحيائي اليوم لمواجهة تيارات التغريب ولإنقاذ هويتنا". -