حينما تقف في ميدان لاظوغلي وتولي ظهرك لوزارة الداخلية وما يجاورها من وزارات ويكون تمثال "لاظوغلي"عن يسارك ستجد في مواجهتك شارع نوبار باشا، وبالنظر إلى يسارك ستجد قصراً كبيراً جداً، تحتله جراچات ومكاتب حكومية أحدها يتبع الآثار وأخر لوزارة الثقافة. وإذا كانت إحدى النوافذ الأرضية الضخمة والكثيرة بامتداد القصر مفتوحة فسترى البدروم المعتم جداً تحت طوابق القصر، الذي تحول من قصر فخم كان يضرب به المثل في البذخ واتخذه المؤرخون دليلا على سوء عصر صاحبه وتهاونه في حقوق مصر وزيادة ديونها. هذا القصر كان لإسماعيل صديق المفتش شقيق الخديوي إسماعيل في «الرضاعة» وقد رعاه وتبناه الخديوي وأسند له وزارة المالية سنة 1868م، وكانت البداية الوظيفية لإسماعيل صديق المفتش هي موظف صغير في الدائرة السنية، وسرعان ما استطاع استدرار عطف الخديوي كشأن كل الوصوليين والانتهازيين، فظل الخديوي يرقيه حتى نال رتبة الباشاوية، ثم عينه مفتشاً عاماً لأقاليم القطر المصري، ومن هذه المهنة اكتسب لقبه «المفتش» ولا يمكن التحدث عن الخديوي إسماعيل دون أن نذكر هذه الشخصية، فقد كان أحد الأسباب الرئيسية.. التي أدت إلى خلع الخديوي وكان نذير شؤم عليه وعلى مصر. وكان أكبر خطأ للخديوي أن عينه وزيراً للمالية ويمكن اعتبار هذه الفترة هي فترة النكبات في مصر فقد كان يزين للخديوي إسماعيل أساليب الحصول علي الأموال بأبشع الطرق أحياناً وأقساها أحياناً أخري، ولم يلبث أن أصبح الرجل الثاني في الدولة بعد الخديوي، وينسب له عبد الرحمن الرافعي وأحمد حسين أنه كان السبب في استدانة الحكومة بنحو ثمانين مليون جنيه، وكان المفتش قد حاكى مولاه في البذخ والإسراف وبناء القصور وامتلاك الجواري. القصر مر بعدة مراحل، حيث اتخذته عدة وزارات مقرا لها مثل المالية والتجارة، وتحولت حديقة القصر الكبيرة المطلة علي ميدان «لاظوغلي» إلى جراج خاصة بوزارة التجارة تحتله السيارات والأتوبيسات العملاقة التي تخفي خلفها نافورة ضخمة تعد في نظر الأثريين عملا فنيا رائعا لا يتكرر. يقول "محسن خير الله"، صاحب أحد المحلات المجاورة للقصر، إن القمامة تحيط بالقصر من كل اتجاه، وأهالي المنطقة لا يدركون القيمة المعمارية والتاريخية لهذا الأثر، ولمزيد من الحرص على محتويات القصر أغلق المسئولون عنه بابه بقفل حديدي علاه الصدأ، لكنهم نسوا إغلاق نوافذ القصر وأبوابه الجانبية أو إصلاحها، فتبدو أرضيته من الداخل وهي ملطخة ببقايا عمليات البناء على الأرضية، وذلك فضلا عن حوائطه المشققة، وبقايا الأطعمة التي يتركها المتسولون خلفهم بما يؤكد أنهم يحتلون القصر ليلا ، بعد نوم الحارس الذي يؤمن المكان. وأضاف أنهم كانوا يأملون في ترميم القصر والاهتمام به وفتحه كمزار سياحي، بدلا من هدم أجزاء منه وتحويله إلى بيت للحيوانات الضالة، ومأوى للمشردين والمتسولين، ونطالب وزارة الثقافة والآثار بأن يتعاونا من أجل إنقاذ تراث مصر الذي يضيع. وأضاف أنه برغم احتوائه على قطع فنية غاية في الروعة مثل النافورة التي تعد من مقتنيات عصر النهضة فإن وزارة الثقافة اكتفت بترميم جزء من القصر وحولته إلى ديوان للموظفين، ليكتمل الإهمال من خلال الموظفين وأجهزة التكييف الخاصة بهم. وأكد "محمود.أ" أحد أفراد الحراسة أنهم تقدموا بأكثر من طلب إحاطة لمدير عام مكتب رئيس قطاع المشروعات ورئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية وتوجهوا لرئيس قطاع المشروعات دون جدوى ومازالت المياه تتسرب ناحية الجدران مهددة بسقوط المبنى الأثري. وأشار إلى أن المبالغ الطائلة التي أنفقت على ترميم القصر خلال الأعوام الماضية، لم يكن لها نفعا؛ بسبب سوء الإدارة وعدم الاستفادة من الموارد المتاحة، كما أن مسئولية القصر حائرة بين "الثقافة" و"الآثار"، وهو سبب أساسي في إهمال هذا المكان الذي تشوهت معالمه التاريخية بالكتابة على جدرانه، وترميمه بمواد عادية وعلى الطراز الحديث، وهو طمس متعمد لحضارتنا وتاريخنا. قال "محمد.ع" أحد العاملين بالقصر إن " إسماعيل المفتش "هو الآخر لم يسلم من البهدلة في الترميم برغم أنه كان يحظر تصنيع أي أعمال خارج ورش المجلس الأعلى للآثار، إلا أنه منذ تم إسناده لإحدى شركات المقاولات الخاصة التي قامت بإنشاء ورشتين داخله إحداهما للحدادة والأخرى للنجارة وذلك لتصنيع بعض أعمال المشروع رغم إمكانية تصنيعها داخل ورش المجلس الأعلى للآثار، وقد تدهورت حالته بصورة يرثى لها. وتابع ، أن المبنى والحديقة الخاصة به يوجد بهما قمامة وبقايا ترميم القصر من حجارة ورمل، كما كان هناك آثر كبير للماسورة التي تقع داخل فناء القصر من ناحية شارع نوبار، تسرب المياه منها بغزارة وتجمعها أسفل الجدران أدى لتآكلها، و وقدموا شكوى بذلك ولكن الهيئة العامة لمرفق الصرف الصحي بالقاهرة، أخطرتهم بأنها ليست الجهة المسئولة عن إصلاحها، وبعد فترة زمنية طويلة تم إصلاح الماسورة، وبقيت جدران القصر تبدو وكأنها على وشك السقوط بعد تآكلها. وأوضح أن منطقة الآثار التابع لها القصر بالسيدة زينب والخليفة وجهت خطابين سابقين لاتخاذ اللازم وتم تسليمهما باليد لقطاع المشروعات، ولم يحرك أحدا ساكنا ولم تتخذ أي خطوات جادة نحو إصلاح حال القصر، والحفاظ عليه من الإهمال الجسيم، وإنقاذ قيمة أثرية عظيمة.