الشوارع ذاكرة في وجدان من يتجول في أروقة تاريخها، ففي جنباتها وخلف مبانيها تختبئ حكايات بلا حصر وتتوارى دفاتر ذكريات غير مكتوبة، نتوقف عندها أو بداخلها لحظات أو سنوات وربما عمرا بكامله، ولكننا فى النهاية لابد أن نغادرها أو نتركها تفارقنا. وعلى الرغم من أن عموم الناس لا يرون فيها سوى كتل من الحجارة أو طرق للسير، إلا أن أصحاب البصيرة ينفذون إلى أعماقها فيبصرونها متحفا للذكريات وخزائن للأسرار، إنها المبانى والشوارع ولكل منها حكايات وأسرار. يعتبر شارع الشيخ ريحان الواقع قرب مقر وزارة الداخلية من الأماكن التي جذبت الأنظار عقب ثورة 25 يناير؛ خاصة بعدما تسلم الراية من شارع محمد محمود بميدان التحرير على مدار عامين، فقد خرج إليه الشباب الثائر ضد ممارسات وزارة الداخلية ضد المتظاهرين، وهو السبب الذي تحول من أجله شارع الشيخ ريحان من شارع يحتضنه التاريخ والذى يظهر من خلال معالمه المميزة بجدرانه، وأبنيته ذات الطابع المتميز إلى الشغب ورائحة القنابل المسيلة. وهذا الشارع يمر به الآلاف كل يوم دون أن يعرفوا تاريخه وحكايته، ولكنهم يعلمون أن جدرانه تقف صامدة وشاهدة على أحداث وأشخاص كثيرين، فهو يقع بين شارعى الفلكى، وقصر العينى بوسط القاهرة، وهما من أشهر الأماكن وأكثرها حيوية. شارع الشيخ ريحان يبدأ من ميدان سيمون بوليفار؛ حيث السفارة الأمريكية وكنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية، وكلمة الدوبارة نفسها إنما هي إشارة إلى مقر إقامة المعتمد البريطاني الذي كان يحكم مصر بصفته حاكما عسكريا، ويتقاطع مع عدد من الشوارع المهمة؛ مثل شارع منصور وشارع نوبار والفلكي ويمتدّ حتى قصر عابدين. ونظرا لاقتراب الذكرى الثالثة لأحداث محمد محمود، وتكريمًا للدماء التي سالت على أرض مصر، نذكركم بسر تسمية الشارع بهذا الاسم، حيث كان الشيخ ريحان هو" السيد ريحان بن يوسف بن سعادة بن محمد المنيع الشهير بفريج العو بن جعفر الذى يصل نسبه إلى الحسن بن على بن أبى طالب والإمام الحسن السبط هو ابن السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم". وجامع الشيخ ريحان فى الشارع المسمى باسمه بحى عابدين بالقاهرة يحتضن جثمانه ويسمى مسجد الشيخ عبد الله، وحتى الآن يحرص الكثير من أحفاده على زيارته، ويُعرفون في مصر كلها باسم "الريحانية". ومنذ عدة سنوات كان الشارع يحمل اسم السلطان حسين كامل سلطان مصر وملك السودان، وهو ابن الخديوى إسماعيل، وتم تنصيبه سلطانا على مصر بعدما عزل الإنجليز ابن أخيه الخديوى عباس حلمى الثانى، وأعلنوا مصر محمية بريطانية عام 1914 فى بداية الحرب العالمية الأولى. وبعد أحداث العنف التي شهدتها كرداسة، اقترح محمد نور بركات -الفقيه الدستوري- إطلاق اسم اللواء نبيل فراج -شهيد الشرطة- على شارع الشيخ ريحان الذى تقع به وزارة الداخلية؛ وذلك تكريما له ولكن لم يلق هذا الاقتراح قبولا في الشارع المصري، الذي يرى أن اسم حفيد الرسول أفضل من لواء الشرطة. وكان من أبرز الهتافات وأكثرها وجعا، حين ردد الثوار"على أرضك يا شيخ ريحان..البلطجي والشهيد واللي اتهان!"، وهي عبارة لخصت في كلماتها القليلة حال المصريين في شتى بقاعها.