مع حلول الذكرى ال 40 لانتصارات أكتوبر وعيد السويس القومى، و في رحلة البحث داخل الحقيقة ، لا نجد منابعًا للتفاصيل، ورواة للحقائق أكثر مصداقية وصدقاً، مِمَن عاصروا، بل شاركوا في صناعة حاضرهم الذى أصبح ماضينا وتاريخنا الذى مازلنا وسنظل نفخر به. «لولا نصر أكتوبر 73 ما اندلعت ثورة يناير 2011 .. صحيح أنها تأخرت 38 سنة لكنها قامت لتصحح المسيرة وتحقيق ما لم يتحقق بعد الانتصار العسكرى».. تلك هي العبارة التي افتتح بها البطل محمود عواد، رئيس منظمة سيناء العربية حديثه مع «البديل»، مؤكدًا أن انتصار ثورة يناير أعطى مذاقًا خاصاً لذكرياتنا واحتفالنا بنصر أكتوبر.. وأشار البطل الفدائي محمود عواد إلى الدور الذي لعبته المقاومة الشعبية بالسويس منذ نكسة يونيه 67 حتى نصر أكتوبر 73، وحدثنا عن تكاتف المدينة مع القوات المسلحة، بداية من إنقاذ المصابين، وإمداد المقاتلين بالمساعدات بكافة أشكالها، إذ دفعت ثمن هذه المساعدات غاليًا، بعد حرص إسرائيل على معاقبتها بغارات جوية لا تنقطع. السويس أثناء حرب الاستنزاف كانت هى المسرح الرئيسي لأحداث النزال، وكان جنود الجيش وسكان السويس يستميتون في الدفاع عن نفس الأرض… كان الجميع يردد كلمات شاعر المقاومة الكابتن غزالى: «وعضم إخواتنا .. نلمه نلمه .. ونسنه نسنه .. ونعمل منه مدافع .. وندافع.. ونجيب النصر هدية لمصر .. نكتب عليه أسامينا» بداية جديدة للأحداث، أيقن الجميع أنه بإمكانها قلب موازين المعركة، حين اخترقت كتيبتان مدرعتين ومشاة ميكانيكى فى الثاني والعشرين من أكتوبر، ثغرة بين الجيشين الثانى والثالث بمنطقة الدفرسوار ومنها اتجهوا إلى مدينة السويس. هنا بدأ شعب السويس يشعر بأن تلك اللحظة هى لحظته، وأنه قد جاء دوره فى المعركة، للدفاع عن الوطن، العدو يقترب منهم ويريد أن يحتل السويس مهما كلفه الأمر.. إلى أن وصل الصهاينة إلى شركة «السماد»، واحتلوا المدينة السكنية التابعة للشركة وجزء من طريق مصر السويس، ثم تقدموا إلى حى الأربعين والجناين، في غياب أي قوة عسكرية لصد العدوان، سوى عدد قليل من الجنود بأسلحة خفيفة، تمكن الصهاينة من قتل وأسر معظمهم. كان الجيش الصهيوني يعتقد أنه لن يقابل أية صعوبات أو مقاومة بالسويس، ليقينه التام أن الجيش المصري متمركز فى سيناء، وكانت خطتهم أن يضعوا الجيش المصري بين أمرين، إما أن يتركوا سيناء ويعودوا للاشتباك مع الجيش الإسرائيلى بالسويس، وإما أن يظلوا في سيناء ويطبق عليهم الصهاينة من الخلف، ولكن الصهاينة نسوا أمرًا ثالثًا، أن «السوايسة رجالة» وقادرون على التصدى لاعتداء الصهيونى، وهو ما كان. وعندما استعد الصهاينة لاحتلال السويس، كان سكان المدينة الباسلة ليلة 24 أكتوبر فى انتظار اللقاء المرتقب. واجتمع أفراد منظمة سيناء بمكتب المخابرات بمحافظة السويس، وطلب منهم النقيب عبد الرحمن غنيمة، أن يستعدوا للمعركة وأكد لهم أن العدو قد دخل بالفعل.. وأنه وصل لقرية عامر فى طريقه إلى وسط المدينة بالأربعين. كان الفدائيون وأعضاء منظمة سيناء وزعوا المهام بينهم، ونصبوا الكمائن المشتركة بين الفدائيين والشرطة والجيش والمواطنين، مشكلين ملحمة مازال التاريخ يتحدث عنها. بادر الصهاينة بغارة جوية في صباح الرابع والعشرين من أكتوبر، ليمهد الطريق أمام مدرعاته لدخول السويس، وبالفعل تقدمت القوات بعد الغارة.ولم يجدوا فى مواجهتهم الجيش كما توقعوا، ولكن فوجئوا ب«أشباحٍ» عرفوا فيما بعد أنهم الفدائيين وأعضاء منظمة سيناء. بدأ الشهيد إبراهيم سليمان المعركة الخالدة، عندما ضرب أول دبابة أمام قسم الأربعين القديم بشارع الجيش ثم استكمل الشهيد أحمد أبو هاشم وفجر دبابة أخرى، مما أثار الذعر فى قلوب الصهاينة واضطروا للقفز من داخل المدرعات هاربين بحثًا عن النجاة والاحتماء بالمنازل القريبة من القسم والسكة الحديد. تنهد البطل عواد.. وأخذ نفسا عميقا قبل أن يروي لنا ذكريات وصفها أنها «لا تنسى»، مؤكدًا صعوبة المواقف التى مر بها عندما حمل الشهداء على أكتافه هو وباقى زملائه لنقلهم لمستشفى السويس العام قبل 24 أكتوبر. وكان الشهيد إبراهيم سليمان يحمل جثمان الضابط الشهيد «أحمد حمدى» وعندما وضعه على الأرض قام بتقبيله وبدل ملابسه الملطخة بالدماء معه فتعجب عواد من هذا الأمر وسأله عن سبب ما يفعل، فأجاب إبراهيم سليمان «الشهيد الضابط أحمد حمدى كان شخصًا شجاعًا واستشهد من أجل البلاد، وتمنيت أن أنال الشهادة مثله، ولهذا ارتديت ملابسه لأكمل مسيرة كفاحه». وبالفعل كان إبراهيم سليمان أول شهيد فى معركة 24 أكتوبر بالسويس، وبعد انتهاء حصار ال 101 يوم وجدنا جثمان البطل إبراهيم سليمان وجدناه كما هو تفوح منه رائحة المسك، كما تمنى يوم حمل الشهيد «أحمد حمدى»,