في ولايته ، الأولى ، لقنا أحدث لواء أمن الدولة السابق عادل لبيب طفرة جمالية هائلة ؛ بحيث بدت المحافظة ، وما كانت قبله إلا قرية كبرى من قرى الصعيد الجنوبي المهمل ، وضَّاءة تماما ( الوضاءة : الحسن والنظافة والجمال من وضُؤَ الشَّيْء : حَسُنَ وَنَظُفَ وَجَمُلَ ) وبلغت شهرتها الآفاق وقتذاك ... ، ولم يقتصر الأمر في الحقيقة على مسألة الوضاءة ، مع أهميتها القصوى لمحافظة صعيدية نائية عن العاصمة ، لكن كان الرجل مسموع الكلمة صارما ذا نظام دقيق كالساعة ، لا يخشى القبلية التي هي في واقع الأمر من أهم أسباب تخلف قنا ، ولا يحابي الكبار ، ولو ظاهريا ، مهما يكن ما يستندون إليه ويعتمدون عليه ! وصحيح أن الرجل كانت له أخطاؤه أيضا وهي جملة طويلة إلا أن ما أومأت إليه آنفا من حسناته غطَّى على كثير من السَّيِّئات ؛ فودعته الجماهير ، آن صدر قرار رحيله إلى الإسكندرية في حينه ، مكلومة حزينة ! من الإسكندرية جاءت الأنباء بفشل الرجل المشهور بالنجاح ؛ فما فعله في قنا لم يصنع منه ولو شيئا يسيرا هناك، ربما لاختلاف البيئات أو طبائع الناس أو طرق الإدارة... أو ذلك جميعا، والمهم الآن أنه لم يفلح في مهمته الجديدة آنذاك وظل ، بعد أن كان تاليا لمحافظ محبوب تولى الإسكندرية هو اللواء عبد السلام محجوب ، ظل حظه فيها اللعن والكراهية تماما كحظ خليفته في قنا اللواء مجدي أيوب ! أكثر من ذلك، قامت ثورة مصرية شعبية عبقرية غير مسبوقة بالتاريخ المصري ولا الدولي قديما ولا حديثا وهو آنذاك محافظا للإسكندرية التي كانت ثالث أكبر محافظة، بعد القاهرة والسويس ، مشاركة بالحدث الثوري الجلل وقد سالت بها الدماء غزيرة وحدث بها ما حدث ، مما يخزي ويخجل ، ضد المدنيين العزَّل مما يصعب معه بل يستحيل تبرئة الرجل الأول المسؤول عن عروس المتوسط وقتذاك لاسيما وهو لواء أمن الدولة السابق المرضي عنه من النظام القمعي الحاكم ! في ظروف توليه محافظا لقنا في المرة الأولى ، كان تحقُّق حلم الثورة بعيدا بعيدا عن أكثر الناشطين السياسيين تفاؤلا ؛ ولذا كان الناس يقنعون بما يقدَّم لهم مهما يكن قليلا بل يعتبرونه منَّة وتفضُّلا من التنفيذيين لا حقًّا من حقوقهم الطبيعية في حياة كريمة ! فكيف وقد كان ما قدَّمه لبيب لناس قنا كثيرا كما أسلفت وكما هو مشهور ؟ كان ” الرضا الشعبي ” إذن عن لواء أمن الدولة السابق عظيما وقد ترك في ” الصعيد الجواني ” بصمة تطوُّر قلما يصادف المسافرون آثارها في الشمال العاصمي نفسه ! لقد ساندنا ، كمثقفين ومبدعين ، تجربة لبيب الأولى بشكل أو بآخر مع تحفظ أظنه مفهوما على مرجعيته الشرطية لواحد هو أعتى الأفرع الأمنية على الإطلاق ” جهاز أمن الدولة ” وتحفظ مفهوم أيضا يخص المسائل الإدارية أعني إدارته للأمور بقنا مما يطول شرحه ! ساندناها ونحن ، في العمق ، لا نؤمن بأن يتولى الأمنيون وحدهم إدارة مصر ، إلا أن الفكرة الثورية كما كنت ذكرت كان تطبيقها على الأرض أمرا كأنه المستحيل بعينه أو يزيد ! وقامت الثورة المجيدة ... وتلوثت أيدي الأمنيين بدماء الثوار النبلاء ... وتورط أكثر حكَّام الأقاليم ، ومنهم لواء أمن الدولة السابق عادل لبيب ، في الدفاع عن النظام الديكتاتوري للساقط المخلوع حسني مبارك ، ولم يعد إلا طريق من اثنين إمَّا إلى الشهداء وإمَّا إلى قتلتهم أو داعمي قتلتهم !! شخصيا ، ومعي نخبة مميزة عبقرية من شعراء قنا وكتَّابها ومثقَّفيها ، اخترت الشهيد بلا تردد ولا حاجة إلى تفكير ؛ فما مات من مات إلا محبة في هذا الوطن العظيم ووفاء له ودفاعا عن مستقبل إنساني مشرق لإخوته الوطنيين وأنا منهم ! لا نعادي ، أنا وهؤلاء الأصدقاء النَّابهون ، شخص عادل لبيب لكن نعادي استمراره بينما ذهب إلى أقفاص المحاكمات النظام الذي أنجبه ورعاه وجعله نجما ، ونعادي ولاءه لمثل ذلك النظام مهما حاول أن يتبرأ منه حاليا ، ونعادي قناعاته السياسية ، وهو ابن الحزب الوطني المنحل ، ونعادي ، قبل ذلك وبعده ، تلك الإرادة السياسية التقليدية الخائبة التي أعادت تصوير مشهد قنا ، به ، للمرَّة الثانية كأن مصر خلت من الكفاءات الإدارية بينما ثورتها الفذَّة اقتحمت الأبواب ! ليس هذا فحسب ، بل يذكر ههنا أن تعيين لبيب ( بالذات ) محافظا لقنا للمرَّة الثانية ما هو إلا الحل الأسهل ( لا الأمثل ) بعد أن كان حدث في قنا ما حدث من تجميد لمحافظها المسيحي عقب الثورة وسط صراخ طائفي خبيث مزعج ! إنه استغلال حكومي مفضوح للبعد الشعبي الراضي عن الرجل منذ ولايته الأولى ، ذلك البعد الذي نحترمه ” إرادة الجماهير ” لكننا أيضا بنفس القدر نؤمن أنه لا يُعوَّل عليه سياسيا ولا يُعتدُّ به فعليًّا لا سيَّما ونسبة الأميَّة في الصعيد مرتفعة كما أن تحالف ” التركيبة المعقَّدة بالصعيد ” من رؤوس القبائل مع بقايا الحزب المنحل وأصحاب المصالح من ذوي الأموال والأعمال يفضِّلون دائما من يعرفونه وسبق وتعاملوا معه عن قرب ووضعوا أيديهم بيديه وأسدى إليهم بالضرورة ألف معروف ومعروف بأوامر عليا من العصابة الفاجرة التي كانت تحكم الوطن المهدور المظلوم ! ينتمي اللواء عادل لبيب ، كما حرصت على الإيماء من حين إلى حين بين الفقرات ، إلى فرع أمني مرعب ، كان تفاقم دوره الشرير السبب الأعظم في قيام هذه الثورة ” جهاز مباحث أمن الدولة ” وهو الجهاز الذي اتخذت الحكومة ، بعد ضغوط ثورية ميدانية متتالية ، قرارها التاريخي بحلِّه واستبدلت به ما أسمته ” جهاز الأمن الوطني ” ... وهو القرار المشكوك به في الحقيقة وغير الواضح في جملته وتفاصيله ؛ فكثيرون من المدانين ما يزالون في أماكنهم وما هي إلا لافتة نُزِعت وأخرى وُضِعت !! أعتقد أن عادل لبيب أدَّى دورا متميِّزا يحسب له في قنا ، ولو كنت مكانه لاكتفيت بما كنت قدَّمت ورفضت المنصب الجديد القديم بشكل حاسم قاطع ، إلا أنه ، وجماعة مثله ، خدمُ الحكومات المتعاقبة وخطأها الذي لا تتوب عنه مهما تغيَّرت الدُّنيا من حول الجميع ! لقد تجاوز الزمن لواء أمن الدولة السابق شكلا وموضوعا ولا أظن بقاءه بين القنويين سيطول هذه المرَّة خصوصا وهناك حديث عن قضايا مرفوعة ضده تخص فترة عمله بالإسكندرية لم يقل القضاء كلمته فيها بعد ( النسبة إلى قنا قنوي لا قناوي ولا قنائي كما هو مشهور خطأ ؛ فألف قنا ثالثة تقلب واوًا في النَّسب ) . إن الثورة ، وهي الحاكم الفعلي مهما تصدَّر المشهد سواها ، لم تعد ترحِّب بالذيول حتى لو كانوا أجادوا من قبل ، وإنما تتطلع إلى الأمام الوضَّاء في جوهره كما في هيئته ... إلى مستقبل يخلو من نظام مبارك بالمبنى الكامل والمعنى الشامل ، ومن أسماء ذلك النظام عادل لبيب ! [email protected]