لم أفهم سر الاحتفاء بالعنف في لندن الذي تعالت أصواته على تويتر ليلة أمس الإثنين من قبل بعض المصريين. كان ذلك بعد تفاقم الأحداث وتصاعد ألسنة اللهب معها في أعقاب الاحتجاج على مقتل الإنجليزي مارك دوجان أثناء إلقاء القبض عليه مساء الخميس الماضي في توتنام شمالي لندن. فبعد أن بدأ قرابة 120 شخصاً المظاهرات السلمية احتجاجا على عنف الشرطة في تلك الحادثة يوم الخميس، سرعان ما تحول التظاهر السلمي إلى أعمال تدميرية وسلب ونهب اتسع نطاقها لتشمل أماكن متعددة في لندن ثم أماكن متفرقة من انجلترا. وبلغت الأحداث ذروتها مساء أمس حيث استهدف المحتجون رموز الرأسمالية في انجلترا من مناطق تجارية ومصانع ومخازن كما أحرقوا السيارات والمباني ونهبوا المحال والمتاجر الكبيرة. وأصبح جليا للكثيرين أن هذه انتفاضة ضد الرأسمالية والظلم واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وكانت الاحتجاجات الطلابية ضد رفع مصاريف التعليم ثلاثة أضعاف، وما تخللها من أعمال شغب، ثم المظاهرات ضد خفض الميزانية في الشهور الماضية قد مهدت الطريق للقشة التي قسمت ظهر البعير متمثلة في عنف الشرطة ضد مارك. إذا فغضب الإنجليز الذي عبروا عنه في الأيام القليلة الماضية هو غضب مشروع وحق مكفول. ولكن ... هل وسيلة التعبير عنه مشروعة؟ هل يجوز استخدام العنف ضد الأبرياء للاعتراض على الظلم؟ هل يجوز ترويع الآمنين والتعدي على الممتلكات الخاصة والعامة بالتدمير والسلب والنهب في سبيل المطالبة بالعدالة؟ أي منطق هذا؟! وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يرفض الشعب الإنجليزي التعاطف مع مرتكبي هذه الأفعال رغم معاناته من نفس الظروف. المتابع لردود الأفعال يرصد غضباً ورفضاً شديدين من الشعب الإنجليزي لما يحدث. والمذهل في وسط كل هذا أن تجد من المصريين من ينبهرون بعنف الاحتجاجات الإنجليزية ويتندرون على سلمية ثورتنا التي أذهلت العالم برقيها! بل وصل الأمر بالبعض أن رأى أن سلمية ثورتنا كانت السبب في العدد الكبير للشهداء والمصابين وفات عليهم أنه لولا سلمية الثورة لكان لدينا شهداء ومصابين أيضاً ولكن بأيادي المتظاهرين لا الشرطة. لولا سلمية 25 يناير لما كان هناك 11 فبراير ولما تحولت الاحتجاجات والتظاهرات إلى ثورة اجتمع عليها الشعب وأسقطت الطاغية. وتذكروا أننا حين تجاهلنا تلك الإرادة الجمعية وذهبنا في مسيرة إلى المجلس العسكري تحول الأمر إلى مواجهة بين قطاعات الشعب بعضهم البعض بدلا من المواجهة بين الشعب والسلطة الفاسدة. ما معنى أن أؤذي شخصاً بريئاً لكي يصرخ فيلفت الأنظار لي ولمطالبي “العادلة” و “المشروعة” هذا أسلوب ميكيافيللي، وينطوي على تناقض في المبادئ! أنتهك حقوق الغير حتى أحصل على حقي. والبقاء للأقوى! لو قررت استخدام العنف كوسيلة للدفاع عن النفس فيجب أن يوجه للهدف الصحيح وهي الجهة الظالمة. ولهذا لم يزعجني كثيراً حرق أقسام الشرطة في مصر. حرق الأقسام كان اعتداءً على رمز الفساد والظلم لعقود طويلة. وإن كنت لا زلت أؤمن أن هذا الحرق كان ممنهجاً علي أيدي بلطجية الشرطة وكان الهدف منه توريط الثوار في أعمال عنف لتكون شرارة حرب أهلية. ولكن انقلب السحر على الساحر وأظهر ثوار مصر وعياً وتحضراً أبهر الجميع فكانوا يطفئون الأقسام بعد حرقها حتى لا تشتعل المباني المجاورة ولا يروع الآمنين. أظهروا وعياً وتحضراً أبهر الجميع حين تصدوا لبلطجية الشرطة وحافظوا على ممتلكات وأرواح المصريين في لجان شعبية تشكلت سريعا وأدت دوراً عظيما عجزت – أو تعاجزت – عن آداءه الشرطة. أدعوا الجميع لتخيل السيناريو لو كان المصريون قد انخرطوا في أعمال العنف للتعبير عن غضبهم بدلاً من انشغالهم في اللجان الشعبية. لا أعتقد أن أحدا من أبناء مصر المخلصين يتمنى الدمار لها. سلمتم أبناء مصر. سلمتم أبناء بلدي. سلمت كل عين سهرت للحفاظ على أمن المواطنين، وسلمت حناجر الأحرار الذين هتفوا: تغيير ... حرية ... عدالة اجتماعية، وأتبعوها: سلمية سلمية!