كثيرًا ما أكد المفكرون، على حتمية ميلاد فنون وأشكال جديدة من التعبير في اللحظات التاريخية التي تولد فيها الثورات، وعلى امتداد الثورة إلى الفنون الموجودة بالفعل. كان الجرافيتي، هو الشكل الأكثر تعبيرًا عن الثورة منذ اندلاعها في الخامس والعشرين من يناير 2011، مرورًا بكل مراحلها حتى الآن، ولد معها، ونمى وتطور بشكل سريع، وقد ظهر في العالم بقوة فى نهاية الستينيات، وبرز مع ثورة الشباب فى فرنسا عام 1968، كما ظهر بشكل أكثر خصوصية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية مرتبطًا بثقافة الهيب هوب، أما محاولة استخدام الجدران العامة، فيما قبل الثورة في مصر للتعبير عن الاحتجاج، لم تكن بالشكل اللافت للنظر، مقارنة بما كان للجرافيتي من دور في التعبير عن الرأي، والاحتجاج والمقاومة، ذلك لأنه ارتبط بجماليات جديدة ولدت من رحم الثقافة المصرية، أقرب ما يكون لثقافة "النكتة" الساخرة اللاذعة الذكية. وعلي الرغم من المواقف الصعبة التي تعرض لها الثوار، والتحديات التي واجهتهم، وسقوط عدد كبير من الشهداء والمصابين، فضلا عن اعتقال عدد كبير منهم وبخاصة النشطاء، ورسامي الجرافيتي، الذين شكلت لهم تلك المعوقات دافعًا أقوى، للتعبير والاحتجاج بتلك الحرفية والجمال، اللذان ظهرا على الحوائط والجدران العامة في شوارع مصر. على الجانب الأخر، منذ انتفاضة الشعب المصري وخروجه في مشهد تاريخي، لإسقاط الإخوان من حكم مصر، بل وإسقاطهم من الثقافة المصرية التي حاولوا تخريبها وتوجيهها في الظلام والجهل، ومنذ فض اعتصامي "رابعة العدوية والنهضة"، انفجر أعضاء الجماعة وشبابها والمناصرين لها، في التعبير عن غضبهم من الثورة المصرية، كفعل موازي للأعمال الإرهابية التي يقوم بها بعضهم الأخر، ولكن بمطالعة بسيطة لما فعله الإخوان بالكثير من الجدارن العامة في الميادين والشوارع المختلفة، ومقارنته بما فعل الثوار، يتضح الفرق كثيرًا.. حتى الآن، إذا بحث أحد عن كلمة "جرافيتي" على محرك البحث "جوجل"، لظهرت الآلاف من النتائج، لصور رسومات الجرافيتي التي أبدعها الثوار، ويتضح الفارق ما بين الجماليات، وبين التشوهات التي يقوم الإخوان بكتابتها على الجدران والحوائط وأي مساحة تسمح بالكتابة حتى على السيارات المملوكة لمواطنين مثلهم. بالمقارنة البسيطة التي لا تحتاج إلى عين مدربة على مشاهدة وقراءة اللوحات الفنية، وبالخبرة الجمالية لدى المصريين في تلقى الفن، يمكن اعتبار ما يفعله الإظلاميين، تحرشًا بالمساحات العامة، وتلوثًا بصريًا، حيث لا تلمح العين سوى كتابات ذات خطوط رديئة، غير منتظمة، تخلو من أي لمحة جمالية، وتحمل السباب والألفاظ البذية، بشكل مباشر. ذلك كله كان على العكس مما اعتبره العالم –يمكن مراجعة ذلك فيما كتب بالصحف والمجلات العالمية وبأيدي كبار الفنانين والكتاب- ثورة في التعبير عن الغضب والاختلاف مع السلطة بشكل جمالي فني، واعتبار أن المصريين أضافوا إلى فن "الجرافيتي"، الذي أبدعوا فيه بقوة، واعتبره كبار المثقفين المصريين أنه يربي الذوق العام، وأنه تطورًا للنكته المصرية، اللاذعة والتي تنطوي على تلميحات ذكية، تناقش القضية في مساحة صغيرة، والتي واجهت السلطة، وواجهت السلبيات والقضايا التي يعاني منه المجتمع مثل التحرش الجنسي، جاء ذلك كله كان بالرغم مما جابهه رسامو الجرافيتي من صعوبات واعتقال. حينما وصل الإخوان إلى السلطة، بادروا بمحو الجرافيتي من الشوارع، إلا أن المبادرة وجدت نقيضتها على الجانب الأخر، وجاء رد رسامي الجرافيتي من الثوار راصدًا لانتهاكات الإخوان وسوء تصرفهم في إدارة البلاد، من بداية حكمهم، وحتى الحشد ليوم 30 يونيه. ربما كان من الطبيعي، أن يخرج تعبير الإخوان خاليًا من الجماليات، لا ينم عن خيال طليق، وهو ما انعكس على إدارتهم للبلاد، وتعاملهم مع الشعب المصري، على العكس من إبداع الثوار، الذي أكد على امتداد روح الفن في عروق المصريين، وعلى فتوة خيالهم وحبهم للألوان والحياة. أخبار مصر- البديل