وزير التموين: السيطرة على الفساد سواء في الدعم العيني أو النقدي شغلنا الشاغل    خريف 2024.. تقلبات جوية ودرجات حرارة غير مسبوقة هل تتغير أنماط الطقس في 2024؟    تعرف على شروط مسابقة التأليف بمهرجان الرواد المسرحي    وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي ممثلي عدد من الشركات الفرنسية المهتمة بالاستثمار في مصر    غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    إبراهيم عيسى: السودانيين زي ما بيتخانقوا في الخرطوم بيتخانقوا في فيصل    بايدن يواصل تعزيز قيود اللجوء لمواجهة الانتقادات الخاصة بالحدود    طوني خليفة: لبنان مقسم لعدة فرق.. ومن يحميها هو الذي يتفق على رأسها    "أوتشا": العوائق الإسرائيلية تعرقل استعداداتنا لموسم الأمطار بغزة    استشهاد 4 فلسطينيين وإصابة آخرين جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مبنى سكني في غزة    القضية الفلسطينية..حسن نصرالله دفع حياته ثمنًا لها وبن زايد سخر طاقاته لتصفيتها وبن سلمان لا تعنيه    عادل عبد الرحمن: تعيين الأهلي محمد رمضان مديرا رياضيا «ليس قرارا انفعاليا»    نجم الأهلي يتخذ قرارًا مفاجئًا بالرحيل (تفاصيل)    مدرب الزمالك: احتفال ربيعة وعمر كمال حفزنا أكثر للفوز على الأهلى    رونالدو: هدفي في الريان له طعم مختلف..«يوم عيد ميلاد والدي»    توفيق السيد: محمد فاروق هو الأحق برئاسة لجنة الحكام    خالد عبد الفتاح يطلب الرحيل عن الأهلي وكولر يناقش القرار مع لجنة الكرة    160 جنيهًا تراجع مفاجئ.. أسعار الذهب اليوم الإثنين 1 أكتوبر 2024 في مصر «بيع وشراء»    دخلت بها ولم أرى أثر.. نص تحقيقات النيابة العامة في مقتل عروس أسيوط علي يد عريسها    ما حقيقة إلغاء منهج الفيزياء وتغيير منهج الأحياء لطلاب تانية ثانوية؟.. مصدر بالتعليم يجيب    وكيل تضامن الشيوخ: كفاءة برامج الدعم النقدي المباشر للمواطنين أثبتت كفاءة أعلى    "المهاجر إلى الغد.. السيد حافظ خمسون عامًا من التجريب في المسرح والرواية" كتاب جديد ل أحمد الشريف    مد فترة تسجيل الطلاب الوافدين بجامعة الأزهر حتى مساء الأربعاء القادم    أستاذ دراسات إيرانية: المجتمع الإيراني راض عن اغتيال حسن نصر الله لأن جزءا كبيرا من دخل البلاد كان يوجه لحزب الله    السيطرة علي حريق شب في شقة بالمطرية    أماكن سقوط الأمطار غدا على 14 محافظة.. هل تصل إلى القاهرة؟    محمد الشامي: لم أحصل على مستحقاتي من الإسماعيلي    الموافقة على تشغيل خدمة إصدار شهادات القيد الإلكتروني يوم السبت بالإسماعيلية    برج الميزان.. حظك اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر: تواصل مع الزملاء في العمل    برج العقرب.. حظك اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر: احرص على دراسة الأمور جيدا    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 1 أكتوبر: واجه التحديات الجديدة    «وحشتوني».. محمد محسن يشوّق جمهوره لحفله بمهرجان الموسيقى العربية    «هيئة الدواء» تعلن ضخ كميات من أدوية الضغط والسكر والقلب والأورام بالصيدليات    فعاليات الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس أندية السكان بالعريش    "مستقبل وطن" يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية    كيفية التحقق من صحة القلب    للمرة الخامسة.. جامعة سوهاج تستعد للمشاركة في تصنيف «جرين ميتركس» الدولي    قبول طلاب الثانوية الأزهرية في جامعة العريش    القاهرة الإخبارية: 4 شهداء في قصف للاحتلال على شقة سكنية شرق غزة    أمين الفتوى يوضح حكم التجسس على الزوج الخائن    الأربعاء.. مجلس الشيوخ يفتتح دور انعقاده الخامس من الفصل التشريعي الأول    مؤمن زكريا يتهم أصحاب واقعة السحر المفبرك بالتشهير ونشر أخبار كاذبة لابتزازه    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية بقرية كفر الحلواصى فى أشمون    مؤشرات انفراجة جديدة في أزمة الأدوية في السوق المحلي .. «هيئة الدواء» توضح    التحقيق مع خفير تحرش بطالبة جامعية في الشروق    حدث في 8ساعات| الرئيس السيسى يلتقى طلاب الأكاديمية العسكرية.. وحقيقة إجراء تعديلات جديدة في هيكلة الثانوية    مباشر أبطال آسيا - النصر (0)-(0) الريان.. انطلاق المباراة    رمضان عبدالمعز ينتقد شراء محمول جديد كل سنة: دى مش أخلاق أمة محمد    وكيل تعليم الفيوم تستقبل رئيس الإدارة المركزية للمعلمين بالوزارة    5 نصائح بسيطة للوقاية من الشخير    هل الإسراف يضيع النعم؟.. عضو بالأزهر العالمي للفتوى تجيب (فيديو)    20 مليار جنيه دعمًا لمصانع البناء.. وتوفير المازوت الإثنين.. الوزير: لجنة لدراسة توطين صناعة خلايا الطاقة الشمسية    المتحف المصرى الكبير أيقونة السياحة المصرية للعالم    نائب محافظ الدقهلية يبحث إنشاء قاعدة بيانات موحدة للجمعيات الأهلية    5 ملفات.. تفاصيل اجتماع نائب وزير الصحة مع نقابة "العلوم الصحية"    إنفوجراف.. آراء أئمة المذاهب فى جزاء الساحر ما بين الكفر والقتل    مصرع شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق بمدينة نصر    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات الاقتصادية العربية بين سيرورة الواقع وحلم التكامل (2 2)
نشر في البديل يوم 30 - 09 - 2013


*مجدي صبحي
تكون الفوائض المالية العربية ونمط توظيفها:
حققت بعض البلدان العربية فوائض مالية ضخمة منذ منتصف السبعينيات مع الارتفاع الكبير في أسعار البترول، ولذلك أسميت هذه الفوائض بالفوائض البترودولاريه وكان على رأس هذه الدول صاحبة الفوائض السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، ليبيا وقطر. ونظرا للطاقة المحدودة لهذه البلدان عند تكون هذه الفوائض في منتصف السبعينات على استيعاب هذه الفوائض داخل أقطارها فقد اتجهت هذه البلدان إلى استثمارها فى العالم الخارجى، لا سيما فى البلدان الرأسمالية المتقدمة، إضافة لذلك فإن ظهور طبقة جديدة من رجال الأعمال والتجار الذين تزايدت دخولهم وثرواتهم بمعدلات كبيرة فى أعقاب ارتفاع أسعار النفط وحالة الرواج المالى والتجارى التى صاحبتها فقد اتجهوا إلى استثمار جزء من هذه الدخول والثروات خارج أوطانهم.
وكانت هذه الظاهرة تعبر عن تغير هيكلى فى الاقتصاد العالمى إذ لأول مرة تمتلك بلدان من العالم الثالث مثل هذه الفوائض الضخمة. ونظر لهذه الفوائض على أنها مكون رئيسي من مكونات التحرر والاستقلال الاقتصادي، حيث كانت العديد من النظريات والتفسيرات تقصر ظاهرة التخلف والتبعية الاقتصادية على أنها نتيجة مباشرة لنقص رؤوس الأموال اللازمة لزيادة الاستثمار بما يساعد الدول المتخلفة على الانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة وإنجاز الاستقلال الاقتصادى. وتجاهلت هذه النظريات من ثم التمييز الضروري في النظرية الاقتصادية بين كل من مفهوم الاستثمار الذي يعني زيادة الطاقة الإنتاجية، وبين مفهوم التوظيف الذي يشير إلى زيادة الأصول المالية دون أن يرتبط ذلك بزيادة في الطاقة الإنتاجية.
ويزيد من أهمية التمييز السابق هو أن الفوائض المتراكمة لدول الأوبيك ومن ضمنها الدول العربية قد استثمر بشكل رئيسي فى الدول الصناعية المتقدمة. وربما كان التبرير الضمنى وراء توظيف هذه الفوائض فى الدول الصناعية على الأقل في بداية مراكمة هذه الفوائض هو ما تتمتع به هذه الدول من أسواق واسعة وقدرة كبيرة على استيعاب المدخرات النفطية، وكذلك فإن الدول الصناعية قادرة على توفير التكنولوجيا للمساعدة على تطوير الدول النفطية فى المستقبل وبذلك بدت الدول الصناعية الشريك الطبيعى للدول النفطية.
ويتكامل مع السبب السابق على الأقل في بداية مراكمة هذه الفوائض جملة من الأسباب المحلية والعربية التى لم تشجع على استثمار هذه الفوائض محليا أو عربيا ، فعلى المستوى المحلى، كانت فرص الاستثمار فى هذه البلدان النفطية محدودة إذ أنها كانت فى مرحلة استكمال بنيتها التحتية، علاوة على وجود اختناقات فى حجم الموارد البشرية ودرجة تدريبها وتوطين التكنولوجيا، كما أن المؤسسات المالية المحلية لم تكن في ذلك الوقت قد تطورت بدرجة كافية بشكل يسمح لها باستيعاب هذه الأموال.
أما على المستوى العربى فبرغم وجود فرص جيدة للاستثمار المالى والحقيقى إلا أن المنطقة العربية لم تجتذب إلا النذر اليسير من الأموال العربية القابلة للاستثمار وذلك بسبب حالة التفكك التى تعيشها الأسواق المالية العربية ووجود عوائق فى وجه الاستثمارات الخارجية، أو لضعف القدرة الاستيعابية للمؤسسات الخارجية، أو لضعف القدرة الاستيعابية للمؤسسات المالية العربية وعدم وجود حوافز قوية للاستثمارات المباشرة.
واقع الاستثمارات العربية البينية:
على الرغم من ضآلة حجم الاستثمارات العربية البينية في بداية تكون الفوائض المالية العربية، إلا أن حركة الاستثمار البيني شهدت تطورا هائلا على مر الزمن. فقد بلغ الرصيد التراكمي للاستثمارات العربية البينية خلال الفترة 1985-2000 حوالي 15.45 مليار دولار. ولكن مع ارتفاع أسعار البترول بداية من الألفية الجديدة مقارنة بالمستوى المنخفض الذي كانت عليه هذه الأسعار خلال الفترة الممتدة من النصف الثاني من الثمانينيات وحتى نهاية التسعينيات (أنظر الجدول المرفق حول أسعار البترول)، فقد ارتفع كذلك حجم الاستثمارات العربية البينية، حيث بلغ رصيد الاستثمارات العربية البينية خلال الفترة 2001-2011 ما يزيد على 167 مليار دولار، أي نحو 11 مثل رصيد هذه الاستثمارات خلال الفترة 1985-2000.
ووفقا لتقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2012 (وهو آخر تقرير متاح)، فقد شهدت تدفقات الاستثمارات العربية البينية وفق القطر المضيف خلال الفترة من 1995 وحتى نهاية 2011 تطورا (مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الدول المشاركة في البيانات وعددها) من 1.43 مليار دولار في عام 1995 إلى نحو 37.3 مليار دولار عام 2005 ثم إلى 16.5 مليار دولار عام 2006 قبل أن تستأنف رحلة الصعود مرة أخرى إلى 34.5 مليار دولار عام 2008 لتصل بعدها إلى 22.6 مليار دولار عام 2009 ثم إلى نحو 12.5 مليار دولار عام 2010 ثم إلى 6.8 مليار دولار عام 2011.
وقد بلغت تدفقات الاستثمارات العربية البينية المباشرة خلال الفترة 1995-2011 نحو 178.5 مليار دولار بمتوسط سنوي 10.5 مليار دولار (17 عاماً). وقد تضاعفت تدفقات الاستثمارات العربية البينية المباشرة خلال الفترة 2005-2011 وحدها إلى نحو 151.7 مليار دولار بمتوسط سنوي 21.7 مليار دولار أي ما يزيد عن 6 أمثال إجمالي التدفقات خلال الفترة المناظرة لها 1998-2004 البالغة نحو 21.7 مليار دولار بمتوسط سنوي 3.1 مليار دولار.
التوزيع الجغرافي والقطاعي لأرصدة الاستثمارات المباشرة العربية البينية (1995-2011):
تصدرت السعودية الدول المضيفة للاستثمار العربي البيني بقيمة إجمالية للفترة 1995-2011 بلغت حوالي 47.8 مليار دولار وحصة 27% من الإجمالي يليها السودان في المرتبة الثانية بحوالي 23.3 مليار دولار وحصة 13.2% من الإجمالي، مصر في المرتبة الثالثة بنحو 19.9 مليار دولار وحصة 11.3%، لبنان في المرتبة الرابعة بحوالي 14.8 مليار دولار وحصة 8.4%، ثم الجزائر في المرتبة الخامسة بحوالي 13.8 مليار دولار وحصة 7.8%، ثم البحرين في المرتبة السادسة بحوالي 13.5 مليار دولار وحصة 6.4%، ثم الإمارات في المرتبة السابعة بحوالي 13.8 مليار دولار وحصة 6.4%، ثم المغرب في المرتبة الثامنة بحوالي 6.5 مليار دولار وحصة 3.7%، ثم الأردن في المرتبة التاسعة بحوالي 4.6 مليار دولار وحصة 2%، ثم تونس في المرتبة العاشرة بحوالي 4.3 مليار دولار وحصة 2.44%.
هكذا إذا نجد أن سبع دول عربية هي السعودية والسودان ومصر ولبنان والجزائر والبحرين والإمارات قد استحوذت على نحو 144.4 مليار دولا ر بنسبة 82% من إجمالي الاستثمارات العربية البينية خلال الفترة 1995-2011 والتي تبلغ نحو 178.5 مليار دولار.
وبالرغم من ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العربي البيني بشكل واضح خلال السنوات القليلة الماضية كما سبق وأوردنا، إلا أن تلك التدفقات وفقا لتقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية يشير إلى أنها "لا زالت متواضعة إذا ما قورنت بالتدفقات الاستثمارية المباشرة البينية في الأقاليم الاقتصادية حول العالم، ولاسيما دول الاتحاد الأوروبي والآسيان والنافتا في أمريكا الشمالية" .
أما من حيث التوزيع القطاعي فتشير البيانات الواردة من 6 دول عربية، تشمل السعودية، مصر، الأردن، تونس، جيبوتي وليبيا إلى أن معظم الاستثمارات البينية الواردة لتلك الدول والبالغ قيمتها 77.2 مليار دولار خلال الفترة 1995-2011 قد تركزت في قطاع الخدمات بحصة بلغت 68.8%، يليه قطاع الصناعة بنسبة بلغت 26.1%، ثم حصة قطاع الزراعة بنسبة 4.1، بينما بلغت حصة القطاعات الأخرى على 1% من الإجمالي.
ويشير أحد الاقتصاديين العرب إلى أنه بالنظر إلى "التوزيع القطاعي للاستثمارات، نجد أن الجانب الأكبر من الاستثمارات توجه بصفة أساسية إلى قطاعات الخدمات والبناء والتشييد والعقارات، وذلك على عكس التجربة الآسيوية في النمو والتنمية، حيث تم التركيز على توجيه الاستثمارات إلى القطاعات الصناعية والزراعية والبنية التحتية، وخاصة الصناعات "عالية التكنولوجيا" ذات الطاقة التصديرية العالية. وقد نتج عن هذا التوجه الاستثماري "الإنتاجي" ارتفاع حجم الصادرات وتوليد المزيد من فرص التوظف وتحقيق درجة أكبر من الاكتفاء الذاتي في الغذاء".
ويضيف أنه "يمكن تلخيص محصلة أداء الاستثمارات العربية خلال الفترة (1975-2000) على النحو التالي:
1. استمرار ارتفاع درجة الانكشاف الغذائي العربي.
2. تراجع التصنيع في فروع النشاط الصناعي التقليدي التي قامت على "الإحلال محل الورادات" وعلى رأسها صناعات الغزل والنسيج.
3. ارتفاع وتيرة الاستثمار العقاري خلال السنوات الأخيرة بشكل مفرط في معظم الأقطار العربية وتضخم الأسعار، الأمر الذي يشير إلى وجود فقاعة عقارية هائلة في معظم الأسواق العقارية العربية.
وبهذا الصدد أخذ مفهوم "التنمية العقارية" يشيع ويزدهر في دوائر رجال الأعمال في المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة. إذ شهدنا انتقال العديد من رجال الأعمال من أنشطة الاستثمار الصناعي إلى مجال الاستثمارات العقارية، حيث الربح الأوفر والعائد الأسرع والمخاطر الأقل. وهذا التحول إنما يعني بلغة الاقتصاد الحديث الانتقال من قطاعات ذات منتجات "قابلة للاتجار دوليا" (Tradables) إلى قطاعات منتجة لسلع وخدمات غير قابلة للاتجار دوليا(Non Tradables)… وتشير بعض التقديرات إلى أن معظم الاستثمار العقاري في المنطقة العربية ينساب بصفة أساسية إلى سوق العقارات الفاخرة. وهذا الميل نحو تفضيل الاستثمار العقاري يعكس ذهنية الولع بالمضاربة التي سوف تكون هذه العقارات محلا لها في المستقبل. وعلى صعيد النظرة الاقتصادية الكلية، يؤدي التوجه نحو الاستثمار العقاري إلى تقليص فرص الاستثمار المنتج في المجالات الأخرى الصناعية والزراعية والخدمية ذات هوامش الربح الأصغر، وحيث فرص المضاربة الأقل".
إضافة إلى أن الاستثمارات العقارية تعد ذات جاذبية خاصة بالنسبة للمستثمرين العرب لكونها لا تتطلب منهم الكثير من الخبرات الإدارية والفنية على نحو ما تتطلبه أنواع أخرى من الاستثمار. وهذا لا يقلل بالطبع من شأن الخبرات الكبيرة المتراكمة لدى شركات الإنشاءات والمقاولات في دول الفائض المالي العربي بعد فورة البناء والتشييد التي مرت بها بلدانهم، والمتمثلة في حركة العمران الكثيف وإقامة تسهيلات البنية التحتية في هذه البلدان وفقا لأحدث المواصفات العالمية. إضافة بالطبع إلى جانب فتح عدد من البلدان العربية المستقبلة للاستثمارات مؤخرا بابها لهذه الاستثمارات والسماح بالملكية العقارية للمواطنين العرب على أراضيها، وهو ما أعطى دفعة أخرى لهذا النوع من الاستثمار.
كما أنه كان من الواضح "أن توجهات القطاع الخاص، لاسيما في دول الوفرة محصورة في قطاعات الخدمات والتجارة والعقارات، وهو ما يدفع الدول الساعية لدعم قطاعاتها الصناعية للالتجاء لشراكات مع دول صناعية متقدمة… الأمر الذي يؤول بالتشابك الاقتصادي فيما بين الدول العربية إلى أن يكون أساسًا مع دول أجنبية، ويضعف عملية التكامل الاقتصادي العربي على المدى الطويل".
هكذا إذا في مواجهة السؤال لماذا لم تنعكس زيادة الاستثمارات المباشرة العربية البينية في شكل زيادة واضحة في التبادل التجاري العربي بشكل كاف حتى الآن؟ تأتي الإجابة المباشرة أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو أولا التركز الشديد في هذه الاستثمارات في عدد محدود من البلدان. ثم وهو الأهم طبيعة التوزيع القطاعي لهذه الاستثمارات حيث تتركز أغلبها في قطاع الخدمات المرتبط بالسوق المحلي (القطري)، أو في قطاعات هي بطبيعتها قطاعات لا تدخل منتجاتها في حركة التجارة الدولية مثل القطاع العقاري. وقد يدفع النمط الحالي من التوزيع القطاعي للاستثمارات العربية إلى زيادة نسبية في تبادل الخدمات وليس السلع، بحكم أن الاستثمار في قطاعات مثل السياحة، أو حتى القطاع العقاري مع السماح بالملكية العقارية للمواطنين العرب في البلدان الأخرى المتلقية للاستثمارات قد يقود لاحقا إلى زيادة حركة السياحة العربية نحو هذه البلدان.
القمم الاقتصادية العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك:
كان لزيادة حدة المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها أغلب البلدان العربية (خاصة غير النفطية منها) وضآلة حصيلة العمل الاقتصادي العربي المشترك في تدعيم التكامل والحد من هذه المشكلات سببا في مبادرة كل من الكويت ومصر للدعوة لتأسيس مؤسسة القمة الاقتصادية العربية. وقد اتفق على أن تكون هذه القمة دورية تعقد بالتبادل بين البلدان العربية كل عامين. وقد بدأت القمة الاقتصادية العربية بقمة الكويت في يناير عام 2009، ثم قمة القاهرة في يناير 2011، وأخيرا قمة الرياض في يناير 2013.
وقد استمرت القمة الاقتصادية الأولى في الكويت في تبني والتشديد على منهج تحرير التجارة باعتباره المنهج الرئيسي لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي حيث " أكد القادة العرب على تحديد 2010، كتاريخ لبدء المفاوضات فيما يتعلق بالانتقال من منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى إلى اتحاد جمركي والانتهاء منه في 2015، والانتقال إلى سوق عربية مشتركة بحلول 2020. ولكن بالرغم من ذلك لم يتم اتخاذ خطوات فعلية لتفعيل الاتحاد الجمركي أو السوق المشتركة".
وعلى الرغم من الآمال العراض في هذه القمم وانعكاساتها الإيجابية على قضية التعاون والتكامل الاقتصادي العربي، فقد ترافقت القمة الثانية مع تغييرات وحالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي شهدتها (أو ما زالت تشهدها) عدد من الدول العربية في عام 2011 (تونس-مصر-ليبيا-اليمن-سوريا) أدى إلى بروز بعض المعوقات أمام تحقق هذه الآمال. مع ذلك فقد حاولت القمة الأخيرة في الرياض أن تعيد التأكيد على ضرورة تفعيل العمل الاقتصادي العربي المشترك، واستعادة بعض الزخم في هذا المجال.
وربما كانت أكثر النتائج التي انتهت إليها القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة التي عقدت بالرياض يومي الاثنين والثلاثاء 22 و 23 يناير تتركز في أربعة جوانب رئيسية توافقت عليها القمة.
الجانب الأول يتعلق باعتماد القمة الاتفاقية الموحدة (المعدلة) لاستثمار رؤوس الأموال بالدول العربية لكي تأخذ في الاعتبار ما طرأ من تطورات على الساحة العربية ولإتاحة المناخ الملائم لكي يتم تشجيع تدفق المزيد من الاستثمارات العربية البينية. وهو أمر مهم للغاية في ظل وجود فوائض مالية كبيرة تحققها بعض البلدان العربية، وبحث هذه الفوائض عن مجالات لاستثمارها، وفي الوقت ذاته توجد دول عربية في أمس الحاجة إلى الاستثمارات لتمكينها من دفع عملية التنمية والنمو الاقتصادي بها لمعالجة مشكلاتها الاقتصادية المزمنة كالبطالة والتضخم والعجز في موازين المدفوعات وعجوزات الموازنة العامة للدولة. ومن البديهي أنه مع عدم توفر المناخ المناسب وافتقار الدول العربية للنواحي المؤسسية الجاذبة لهذه الاستثمارات وضمان عملها أن تتجه تلك الفوائض للاستثمار في أقنية خارج العالم العربي.
الجانب الثاني يتعلق بمبادرة المملكة العربية السعودية بزيادة رؤوس أموال المؤسسات والصناديق العربية والمشروعات العربية المشتركة بمقدار 50% على الأقل أي ما يقرب من عشرة مليارات دولار. ويرتبط هذا الجانب بشدة بالجانب الأول من حيث توفير تمويل لمؤسسات عربية مثل المؤسسة العربية لضمان الاستثمار بشكل يسمح بتفعيل أكثر لاتفاقية استثمار رؤوس الأموال بالدول العربية، أو مؤسسة مثل صندوق النقد العربي التي تتدخل لمعاونة البلدان العربية على مواجهة العجز في موازين مدفوعاتها، أو بالبعد الإنتاجي المباشر عبر زيادة رؤوس الأموال المتاحة للمشروعات المشتركة خاصة تلك الناجحة منها بما يسمح بتوسعها وزيادة إنتاجيتها وقدراتها التنافسية في السوق العربي وفي الأسواق العالمية على السواء.
الجانب الثالث يتعلق بالتأكيد على أهمية تفعيل ما اتخذ من قررات في القمتين السابقتين وخاصة ما يتعلق منها بصندوق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي بلغ حجم رأس ماله 1.2 مليار دولار منها 500 مليون دولار مقدمة من كل من السعودية والكويت. وتكمن أهمية هذا الصندوق من زاوية أن هذه المشروعات تتميز بأنها كثيفة العمالة وهو ما يوفر حلا لمشكلة البطالة التي تعد واحدة من المشكلات المهمة -إن لم تكن المشكلة الأهم- التي تجابه البلدان العربية الآن، وخاصة أن هذه البطالة تتركز بين الشباب والمتعلم منهم على وجه أخص. إضافة إلى البدأ بتنفيذ قرارت القمتين السابقتين فيما يتعلق بتدعيم عمليات الربط البري والحديدي والكهربي.
الجانب الرابع هو اعتماد القمة الاقتصادية والاجتماعية الثالثة بالرياض للإستراتيجية العربية لتطوير استخدامات الطاقة المتجددة (2010-2030)، إذ من المخجل حقا أنه في مجال الطاقة الشمسية على سبيل المثال تعد المنطقة العربية هي الأكثر توفرا على الظروف المناخية المناسبة لتوليد هذه الطاقة، إلى الحد الذي دعا أوروبا إلى التفكير في إقامة مشروع لتوليد الطاقة الكهربية في المنطقة العربية ثم تصديرها لأوروبا، وتكون في الوقت ذاته من بين الأقاليم الأقل تطويرا لمثل هذه الطاقة ولا يخفى أهمية البعد البيئي والتنموي والتكاملي المرتبط بتطوير مثل هذه الطاقات.
وصحيح أن القمة قد أكدت أيضا على استكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى التي تضم 15 بلدا عربيا قبل نهاية عام 2013، والتوصل لاتفاقية الاتحاد الجمركي بحلول عام 2015. إلا أنه وكما سبق التوضيح في سياق هذه الدراسة فإن هذه ربما ستبقى أقل المجالات من حيث معدلات وسرعة التنفيذ، وأقلها من حيث البعد التكاملي. فالقضية في نهاية المطاف ترتبط ببعد تنموي يتوخى تشييد هياكل إنتاجية متنوعة ومعقدة في الدول العربية تتيح تكثيف حركة التجارة والاعتماد المتبادل العربي البيني. ويحتاج تحقيق ذلك إلى حقن استثمارات عربية بينية أكبر، وتوجيهها إلى قطاعات الإنتاج السلعي خاصة قطاع الصناعة التحويلية، وتدعيم دور المؤسسات والشركات العربية المشتركة. ويجب أن يحدث كل هذا قبل التفكير في تحرير التجارة. ولذا فإن المحاور التي ركزت على البعد الاستثماري التنموي في قمة الرياض ربما هي التي تعد مناط الأمل في مد قضية التكامل الاقتصادي العربي بفعالية حقيقية، والتغلب على المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها أغلب البلدان العربية.
[1] زكريا عبد الحميد باشا، الاستثمارات العربية الخارجية بين الواقع والطموح، مجلة العلوم الاجتماعية، الكويت، المجلد 3 العدد 3 خريف 1985، ص 139.
[1] Joan Robinson, The Accumulation of Capital, Macmillan, London, P. 8.
2مجدي صبحي، فوائض البترودولارات والاستثمار العربي في الخارج، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، عدد يوليو 1987.
3 نحو عمل اقتصادي عربي مشترك، العلاقات الاقتصادية العربية مع الخارج، جامعة الدول العربية، الإدارة العامة للشئون الاقتصادية، ص 58.
4 تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2000، المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، الكويت، ص 23.
5 استند الباحث في التوصل لهذه الأرقام بشكل أساسي إلى تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية وينبغي التحفظ بذكر أن أرقام التقرير المذكور لا تشمل كافة البلدان العربية، كما أنها لا تشمل كافة الاستثمارات البينية في كافة الدول بشكل متسق زمنيا، ولذا ينبغي التعامل مع هذه الأرقام بحذر، وباعتبارها تشير إلى اتجاه عام أكثر من كونها تقدم تقديرًا واقعيًا لحجم الاستثمارات العربية البينية.
6تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2012، المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات ، الكويت، ص 129.
7نفس المصدر السابق، ص 130.
8 هناك تناقض بين قيمة الاستثمارات العربية في بعض البلدان كالسعودية ومصر والبحرين وتونس والأردن التي يشير إليها الجدول المرفق في نفس التقرير مع تلك المعروضة في المتن (راجع الجدول المرفق للاستثمارات العربية البينية 1995- 2011 في نهاية هذه الدراسة). فعلى سبيل المثال تبلغ قيمة الاستثمارات الخاصة بالسعودية في الجدول المرفق 69.879 مليار دولار أي بحصة تبلغ نحو 39.1% من الإجمالي.
9مرة أخرى ووفقا للجدول المرفق تبلغ قيمة الاستثمارات في البلدان العربية السبعة المذكورة 149.684 مليار دولار وبنسبة 83.8% وليس كما هو مذكور في المتن
[1] تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية، مصدر سابق، ص 135-136.
10 د. محمود عبد الفضيل، سياسات الاستثمار والتقنية في المنطقة العربية، مذكور في د. محمود عبد الفضيل (محرر)، سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية رؤية للمستقبل، دار العين، القاهرة، الطبعة الأولى 2012. ص ص 52-53.
11نفس المصدر السابق
12 نفس المصدر السابق، ص 61.
13 أحمد فاروق غنيم، مصدر سابق، ص 81.
14 راجع في ذلك: مجدي صبحي، قمة الرياض الاقتصادية والاجتماعية العربية: أهمية التركيز على البعد الاستثماري التنموي، معهد العربية للدراسات، العربية نت. على الرابط التالي: http://studies.alarabiya.net
*خبير اقتصادي-نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.