اللواء الرويني شديد القلق علي ما يسميه الأمن القومي المصري. يشغله أمن الوطن، فيجعله متابعا للقنوات التلفزيونية، لعمل المداخلات حول هذا الموضوع. قال منذ أسبوع أن القضايا التي تحدث عنها تميم البرغوثي هي قضايا أمن قومي. والآن يعترف علانية بأنه ارتكب، ويرتكب، ما يمكن أن يكون جرائم أمن قومي مصرى، ولنترك الفتوي في هذا للقانونيين. سأتجاهل لهجة الفهلوة والتذاكي المسيطرة علي العسكر. وسأتناسي اللافتات المنتشرة – أو التي كانت منتشرة – في مكاتب الجيش بمضمونها: (إحذر الشائعات فهي تضر بأمن الوطن). فقط أود التوقف السريع عند بعض التفاصيل التي من الممكن أن تشكل أركان جريمة تهديد سلامة الوطن. إطلاق الشائعات والخداع والكذب، لا يتوقف عند مستوي (الكدب حرام، أو اللي هيكدب هيروح النار)، بل هو جريمة ارتكبها شخص ذو مسؤولية في جهاز حساس، وكان من الممكن أن تسبب كوارث، كونها وقعت أثناء ما نسميه نحن بالثورة، وما يسميه المجلس العسكري المباركي: (فترة عصيبة في تاريخ الوطن)!!! أما الاعتراف بالكذب علانية، والتباهي به، فهو جريمة أخلاقية وتربوية، تؤثر علي تربية “الأطفال والمراهقين” الذين ربما كانوا يشاهدون هذا البرنامج مع والديهم. السكوت طوال شهور علي “عملاء الخارج”، من أمثال حركتي كفاية و6 أبريل، الممولتين، إطلاق الاتهامات والحديث “المايع” دون دلائل، ولو صغيرة في هذا الصدد، هو جريمة أيضا. ناهيك عن التهرب “بطفولية” من السؤال الخاص بالدلائل، بحجة أن الموضوع برمته ليس من اختصاصه... (يبقي بتتكلم ليه أصلا يا سيادة اللواء؟) لكنه يستمر في الحديث المرسل المعتاد، حول مجموعة من الأحداث، تشكل في مجملها “جريمة التخريب”، من بينها تفجير أنابيب الغاز والفتنة الطائفية. يفهم من السياق أن 6 أبريل تقف وراء هذه العمليات!!! فيجعلنا نتساءل: لماذا لم يتحرك الحاكم العسكري حتي الآن، للقبض علي شبكة المخربين المسماة 6 أبريل؟ ليس هذا هو مجال التساؤل حول التمويلات الخارجية، التي يتلقاها الجيش المصري من الأمريكان، وكيفية استخدامها. لكن السؤال العاجل هو: كيف يلتقي سيادة اللواء، خلال الفترة العصيبة التي مر بها الوطن، بمن يملك معلومات عن علاقاتهم بالخارج؟ مثلما اعترف هو فيما يخص لقاءاته بجورج إسحق، أحد قادة كفاية. سيادة اللواء يشير “عرضا” إلي أن هذه اللقاءات تمت في المتحف المصري!!! فليسمح لي، كمواطن مصري، أن أسأله، “عرضا أيضا”، إن كان لديه معلومات حول عمليات التخريب والسرقة التي تمت داخل المتحف، خلال المرحلة الأولي من الثورة؟ في المكان الذي يبدو أنه كان مكتبه الثاني، وتم عمل كشف العذرية علي النساء المصريات بداخله. ماذا عن شبهة صرف أموال الجيش المصري علي الثورة؟ وهذا جريمة بالطبع، وخصوصا أن هذه الأموال تصرف علي المخربين!!! هل هناك قطاع فاسد داخل الجيش متحالف مع مخربي التحرير؟ مبرر هذا السؤال هو قول اللواء الرويني: (خمسين في المية من الخيم اللي موجودة في الميدان بتاعة القوات المسلحة!!!) كيف وصلت هذه الخيم إلي التحرير؟ هل نفس هؤلاء الفاسدين المجهولين هم من يقفون وراء تسليح جيوش البلطجية؟ الإضرار بسلامة الوطن لم يتوقف عند إطلاق الاتهامات، غير المستندة لدلائل، بل امتد للتحريض والتعبئة أيضا، خلال الساعات السابقة علي صدامات ميدان العباسية، عبر الحديث عن هؤلاء المخربين والخونة، الذين يريدون استهداف قيادة القوات المسلحة – التي تملك كل أنواع الأسلحة – ببعض السيوف وقنابل المولوتوف!!! وهو ما يشكل تحريضا علي مواجهة دامية بين قطاعات من الشعب المصري. مواجهة كان من الممكن أن تقود لبداية حرب أهلية. هل الدفع باتجاه الحرب الأهلية هو قضية أمن قومي يا سيادة اللواء؟ من المفترض بحكم الإنضباط العسكري أن اللواء لا يتحرك دون قرار من قياداته!!! أم أنه قد ذهب في “المبادرات الشخصية” إلي مدي بعيد!!! مهددا سلامة الوطن، أمنه القومي، وحدة الشعب، ووحدة هذا الشعب مع جيشه!!! هل تستحق هذه الجرائم التحقيق والمحاكمة والعقاب في حالة الإدانة. أم أن علينا افتراض حسن النية؟ وإن كل ده زلة لسان؟ أعتقد أن تصريحات هذا اللواء، وقبلها بيان نظيره الفنجري، بلهجته ومضمونه وصباعه الشهير، وبعدها ما قاله اللواء عبد المنعم كاطو متهما أحد الصحفيات بأنها مخربة، وأمر مقدمة البرنامج بأن تقرأ للناس مقالات من أسماهم بالمحترمين، هي مجرد انعكاس لحالة من الارتباك البالغ. دون نفي أنها تأتي في سياق عملية واضحة لإجهاض الثورة، تخريبها، وحماية النظام الحاكم. فليسمح لي إذا المجلس العسكري المبجل، بتذكيره أن مبارك ورجالة المحنكين، ذوي الدم البارد، غير المرتبكين، ذوي الخبرات الواسعة السياسية والأمنية، وبصحبتهم قيادة القوات المسلحة والشرطة والأجهزة السرية، جميعهم لم يستطيعوا هزيمة هذا الشعب. لذا فأستبعد أن يهزمه بسهولة مجموعة من المرتبكين. عزيزي القارئ: من رفعوا شعار (إسقاط المجلس العسكري)، ربما يكونون قد تسرعوا به. لكنهم لم يقصدوا (إسقاط الجيش) مثلما تشير المقولات المبتذلة. الشعار يعني عودة الجيش لثكناته وحكم الدولة مدنيا. الشعار يعني ثانيا: عدم تدخل المجلس الأعلي للقوات المسلحة في السياسة. ليس كرها أو حبا في هذا المجلس، فقط تمسكا بروح ثورة يناير المدنية والشعبية، التي أسقطت مبارك لأنه كان عدوا لهذا الشعب ومصالحه، فاتحة الطريق لمعركة طويلة وصعبة، من أجل تحررنا جميعا، والحصول علي حقوقنا كاملة. بالتالي فإن من يحكم دون تحقيق مصالح هذا الشعب، ودون استرجاع حقوقه، فإن عليه الرحيل الآمن، أو علي الشعب إسقاط سلطته السياسية. باسل رمسيس [email protected]