في الخامس من فبراير 2003 ألقى وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول خطابا في مجلس الأمن الدولي استعرض فيه ما اعتبره أدلة قاطعة على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، مستندا إلى محادثة قال إنها لضابطين عراقيين يتحدثان خلالها عن شاحنة حيث يقول أحدهما "لدينا تلك العربة المعدلة؛ ماذا سنقول لو اكتشفها أحدهم؟" ليرد الآخر "أنت لم تحصل على (عربة) معدلة. ليقول الأول "أي واحدة، ومن أين؟". تلك المحادثة الهلامية التي لا تدلل على شيء دفعت بكولن باول إلى القطع أمام مجلس الأمن أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل واندمج كولن باول في دوره التمثيلي ليرفع بطريقة مسرحية ملعقة صغيرة قائلا "إن أقل من ملء ملعقة صغيرة، أي كمية بهذا الصغر، من الأنثراكس (بكتيريا الجمرة الخبيثة) المجفف أي كمية صغيرة تعادل أقل من ملء ملعقة شاي صغيرة من الأنثراكس الجاف وضعت في مغلف تسببت في إغلاق مجلس الشيوخ بالكونجرس الأميركي في خريف العام 2001 وأجبرت مئات الأشخاص على تلقي العلاج الطبي الطارئ كما أدت إلى موت اثنين من موظفي البريد". وبعد هذه الجلسة لمجلس الأمن والتي أقل ما يقال عنها إنها كانت هزلية، شكلت الولاياتالمتحدة تحالفا دون قرار من الأممالمتحدة ودون تفويض دولي، وقادت عملية الغزو والتي أدت إلى نزيف ما زال مستمرا من القتلى قدروا بالآلاف، جاء اعتراف الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن بعدها بسنوات أن موضوع امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل كان مجرد ذريعة، معترفا بخطأ التقديرات التي بناء عليها قام بعملية الغزو، حيث قال بوش في أغسطس 2004 "حتى لو كنت أعرف قبل الحرب ما أعرفه الآن من عدم وجود أسلحة محظورة في العراق فإني كنت سأقوم بدخول العراق". وبعد ما يزيد عن 10 سنوات من الفوضى التي جاءت "لا خلاقة" عكس ما وعدتنا به وزيرة الخارجية الأميركية بُعيْد غزو العراق كوندوليزا رايس تحاول الولاياتالمتحدة تنفيذ ما وعدتنا به رايس عبر تهديد بلد عربي جديد هو سوريا هذه المرة. فباستنساخ السيناريو العراقي تسوق الولاياتالمتحدة أدلة تصفها واشنطن بأنها سرية، وصدق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما اعتبرها "هراء"، وذلك للتدليل على مزاعمها حول استخدام الجيش السوري لأسلحة كيماوية في الغوطة الشرقية بريف دمشق في ال21 من أغسطس الماضي في اتهام غير منطقي بالمرة، حيث لا يعقل أن يستخدم الجيش العربي السوري سلاحا كيماويا في ظل الانتصارات المتلاحقة التي حققها خلال ملاحقته للمسلحين في الفترة الأخيرة. كما أنه من غير المنطقي أيضا أن يقدم جيش على استخدام هذا النوع من الأسلحة صبيحة وصول مفتشين تابعين للأمم المتحدة مهمتهم التحقيق في مزاعم سابقة متعلقة باستخدام السلاح الكيماوي. وما تسرب من هذه الأدلة السرية كان تقريرا منسوبا للاستخبارات الأميركية نشرته صحيفة فورين بوليسي، حيث يقول التقرير إن أجهزة الاستخبارات الأميركية تنصتت على مسؤول في وزارة الدفاع السورية يجري مكالمات هاتفية مع شخص وصفه التقرير بأنه قائد وحدة السلاح الكيماوي، وكان هذا المسؤول في وزارة الدفاع مصابا بالذعر فور سماعه الأنباء عن استخدام السلاح الكيماوي بالغوطة. وحتى إذا صح وجود هذه المحادثة فإنها لا تعد دليلا قاطعا، حيث إنه من الطبيعي جدا أن يصاب أي مواطن عادي وليس مسؤولا في الدولة بالذعر عند سماعه خبرا مثل هذا. وبإمعان الولاياتالمتحدة في استنساخ النموذج العراقي عبر تسريب تقارير تتحدث عن رصد الأقمار الصناعية لعمليات نقل قذائف كيماوية من مخازنها (على غرار ما قاله وزير الخارجية الأسبق كولن باول عن العراق في الجلسة الشهيرة بمجلس الأمن الدولي) فإن الحبكة الدرامية تقتضي عند التئام الكونجرس الأميركي بدءا من التاسع من الشهر الجاري لمناقشة طلب الرئيس باراك أوباما دعم قراره بالعدوان على سوريا أن يشهر أعضاء ممن هم على شاكلة السيناتور الجمهوري جون ماكين والذي دخل الأراضي السورية خلسة لدعم المسلحين، ملاعقهم أسوة بكولن باول.