حكايات الأبطال    سمير فرج يكشف جوانب من سيرة البطل الشهيد عبدالمنعم رياض    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 6-10-2024 قبل ساعات من عمل البنوك    اتصال هاتفي بين ماكرون ونتنياهو بعد غضبه حيال تصريحات الرئيس الفرنسي    الشرطة الألمانية تنهي مظاهرة مؤيدة لفلسطين في برلين    أتلتيكو مدريد يتقدم 1-0 على ريال سوسيداد في الشوط الأول عبر ألفاريز.. فيديو    طلب عاجل من الأهلي قبل خوض بطولة السوبر المصري    أحمد شوبير يكشف مصير فتوح من المشاركة مع الزمالك في السوبر المصري    تفاصيل التقرير الذي يهدد بمعاقبة جوميز قبل مثوله أمام الانضباط    إصابة 7 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الصحراوي الغربي بالمنيا    سيد علي: صبحي كابر في العناية المركزة.. والمالك الجديد يكشف تفاصيل جديدة    عام على العدوان.. دمار شامل في قطاع غزة وغير مسبوق    أميرة أديب تعلن ارتباطها وتخمينات متعددة من الجمهور.. ما القصة؟    بعد إشعالها حفل زفاف ابنته مريم.. دينا توجه رسالة ل علاء مرسي    اشتغلت كومبارس.. صبحي كابر يحكي كيف تحول إلى عامل في مطعمه    أحمد أبو الغيط ل الوثائقية: المشير أحمد إسماعيل كان ذو فكر استراتيجى    محافظ جنوب سيناء يبحث ملفات التنمية الشاملة في المحافظة    «بسم الله الله أكبر».. حكاية أغنية ولدت من رحم المعاناة للتحول إلى أيقونة النصر    صندوق مكافحة الإدمان ينظم زيارة للمتعافين من أبناء المناطق «بديلة العشوائيات»    العبور الثالث إلى سيناء.. بعد 50 عاما من التوقف انطلاق أول قطار إلى سيناء من الفردان إلى محطة بئر العبد غدا الاثنين.. (صور)    بالتزامن مع بدء تركبيها.. ما أهمية مصيدة قلب المفاعل النووي؟    جيش الاحتلال: لا صحة للإشاعات التي تتحدث عن إنقاذ بعض الأسرى في غزة    القبض على سائق "توك توك" تعدى على طالبة فى عين شمس    رسالة نارية من نجم الزمالك السابق إلى حسام حسن بشأن إمام عاشور    توقعات الأبراج حظك اليوم برج الجدي على جميع الأصعدة.. فرص جديدة    أمين الفتوى: 6 أكتوبر من أيام الله الواجب الفرح بها    إحالة فريق"المبادرات" بالإدارة الصحية بطوخ للتحقيق    في الذكرى ال140 لتأسيسها.. البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالفجالة    احتفالات وزارة الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر.. فعاليات فنية وأدبية متنوعة    ديتر هالر: خريجو الجامعة الألمانية سفراء لعالم أكثر سلامة واستدامة    وكيل الأوقاف محذرًا من انتشار الشائعات: "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع"    بالفيديو.. رمضان عبدالمعز: النصر دائما يكون بالتمسك بالكتاب والسنة    تداول 3200 طن بضائع عامة و418 شاحنة بميناء نويبع البحري    إطلاق دليل الحلول والممارسات الناجحة للاستثمار بمجال الطاقة المتجددة    برشلونة يضرب ألافيس بهاتريك ليفاندوفسكى فى شوط مثير بالدوري الإسباني    فكري صالح يطالب بإلغاء الترتيب بين حراس منتخب مصر    مطار الملك سلمان الدولي يشارك في معرض ومؤتمر روتس وورلد 2024 في مملكة البحرين    الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال دمَّر 611 مسجدا كلّيًا بغزة واقتحم الأقصى 262 مرة خلال عام    إصابة سيدة وابنتها في انهيار حائط منزل ببني سويف    سوريا:غارة جوية إسرائيلية استهدفت 3 سيارات تحمل مواد طبية وإغاثية    جلسة تصوير للتونسى محمد علي بن حمودة أحدث صفقات غزل المحلة.. صور    أكاديمية البحث العلمي تعلن إنتاج أصناف جديدة من بعض الخضراوات    خبير استراتيجي: الحق لا يرجع بالتفاوض فقط.. يجب وجود القوة    أستاذ بالأزهر: يوضح حكم الصلاة بدون قراءة سورة الفاتحة    أحد أبطال حرب أكتوبر: القوات المسلحة انتهجت أسلوبا علميا في الإعداد لحرب أكتوبر المجيدة    استشاري تغذية: الأسس الغذائية للاعبي كرة القدم مفتاح الأداء الرياضي    الوادي الجديد.. تنظيم قافلة طبية لمدة يومين في قرية بولاق بمركز الخارجة    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 105 ملايين خدمة مجانية خلال 66 يوما    «الأحوال المدنية»: إيفاد قوافل لتقديم خدمات للمواطنين في 10 محافظات    غرق طالبين وإنقاذ ثالث بأحد الشواطئ بالبرلس فى كفر الشيخ    دعاء الذنب المتكرر.. «اللهم عاملنا بما أنت أهله»    اتحاد الكرة يحيي ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة ويهنئ الرئيس السيسي    إدارة الموسيقات العسكرية تشارك فى إقامة حفل لأطفال مؤسسة مستشفى سرطان 57357    ضبط 3 عصابات و167 سلاحا وتنفيذ 84 ألف حكم خلال يوم    تشاهدون اليوم.. مواجهات قوية للمحترفين في الدوريات الأوروبية    رسميًا.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك    نص كلمة الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    الحياة المأساوية للنازحين من ذوي الإعاقة والأطفال في مخيم خان يونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشرف موسى: بين الميتافيزيقا والمادية والإمبريالية .. كوميديا سوداء !
نشر في البديل يوم 01 - 09 - 2013

الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة هو مصطلح بات يطلق على من يؤمنون بالخرافات من جن وشياطين وديناصورات وقوى خفية ودراكولا وأسطورة الإله حكيم الخالق للكون والغير مرئى و .. أكذوبة مدينة فاضلة قابلة للتحقق .. لا تستغرب عندما يصنف المادى كل هؤلاء ومايحملونه من أفكار متباينة فى سلة واحدة يطلقون عليها " الميتافيزيقيون " والتى تعنى اصطلاحا " الخرافة " وأحيانا " المثالية " فى مقابل " الواقعية " التى يعنون بها المادية البحتة والتى تتمثل فى تصديق كل ما يرى بالحواس الخمس ويدرك بالتجارب وتكذيب كل مايتعدى ذلك
ولكن ما المقصود ب " كل ما يتعدى ذلك؟ "
هو مصطلح " ما وراء المادة " أو " مابعد الطبيعة " ، فكثير من المفكرين وحملة الأديان " السماوية والأرضية " والروحانيين والفلاسفة يؤمنون بواقع " ماوراء المادة " بل ويرون فيه المحرك الأساسي للواقع المادى الذى نعيشه والبعد الأساسي الخفى الذى يعرف من خلاله حقيقة الإنسان والكون ، بل وحقيقة البعد المادى نفسه ..
لست فى معرض الحديث عن أصحاب الديانات ، فإيمانهم بواقع ماقبل الطبيعة نابع من النصوص الدينية باختلاف مصدرها وحجيتها وتواترها ، ولا أنا فى مقام المبرر للكشوفات الشهودية للروحانيين أو الخائضين طريق معرفة الحقيقة داخل النفس الإنسانية بالتصفية والتخلى ..
ولكنى أتناول قضية الميتافيزيقا بطريق الفلسفة وإعمال العقل ، العقل الذى اتخذه الماديون وسيلة لمعرفة أسرار الطبيعة وتسخير واقعنا المادى لمصلحة الإنسان ونفعه ، فأجادوا فى ذلك واكتشفوا الطاقات العميقة والمدفونة بداخل العقل الإنسانى والذى مكنتهم من تسخير الطبيعة لصالحهم فى شتى المجالات العلمية والإدارية .. والعسكرية !
وفى كل مرة يعتمد هؤلاء على العقل وقوة التفكير والتأمل لدى الإنسان ، يجدون الجواب الشافى عند تلك الأداة الإنسانية التى – وباعترافهم – لم يكتشفوا حدودها بعد مثلما اكتشفوا حدود السمع والنظر والشم عند الإنسان وقارنوها بغيره من الحيوانات .. من هنا أتت موثوقية التجريبيين فى العقل الذى لم يخذلهم طرفة عين ، فبثقتهم فيه جعلهم يطيرون كما الطيور ويسبحون كما الحيتان ويحلقون فى الفضاء ويستشفون من أمراضهم ويفتكون بكل وسائل التهديد .. ولكن ثقتهم تلك فى العقل لم تتعد حدود مادية العقل وأن العقل والتفكير لايمكن أن يهتدى إلى قوى خفية وغامضة بمعزل عن المختبر واكتشافات الميكروسكوب .. حتما لا أدرى لماذا الحديث بكل ثقة عن استحالة إدراك العقل للميتافيزيقا؟ ولماذا الخلط بين المدركات العقلية والأساطير والتخاريف التى لايصدقها " نفس العقل " ! ولماذا التعميم البغيض وإدخال الفلاسفة رغما عنهم فى بحر ظلمات التخاريف والأساطير
فى الواقع إن البحث فى المعانى الحقيقية للأشياء يقتضى التعمق فى الشيء نفسه لمعرفة سره ، وما وراءه وهذه الخصيصة من شأن العقل أن يؤديها ، فالعقل قوة نفسانية مجردة عن التحيز والجهة ولم يستطع التجريبيون أنفسهم أن يجعلوا له حدودا وشكلا .. ولو كان العقل هو المخ مثلما يظنون لاستطاعوا تشريحة ومعرفة حدود تفكيره ورسموا إطارا له لايتعداه مثلما دعاهم ديفيد هيوم من قبل ، ولكن هيهات ، فالمجرد يستطيع إدراك المجرد والعقل طالما هو مجرد فإنه يقدر على الإحاطة بالماورائيات ، بالتالى فهو بطبيعته متجاوز للمادة وبسليقته مرتبط بالمعنى مهما حاول التجريبيون أن يجسدوه ويحدوه بحدودهم المادية التى عجزوا عن إثباتها حتى الآن ..
القضية الأساسية ولب الخلاف تناولته نظرية المعرفة من خلال كتابات جون لوك وطرحه السؤال المعرفى الأساسي : هل العقل متجاوز للحواس أم الحواس هى من تصنع العقل .. هل العقل قبل المادة أم العكس؟ هل العقل يستوعب المادة ويتجاوزها أم المادة تستوعب العقل وقد تتجاوزه؟ الحقيقة أن إجابة السؤال نفسه بيد العقل وحده ، فهو من يحدد وهو من يقرر وهو المعنى بالحديث والقادر على تحديد سلطاته جيدا
كيف بعقل أدرك – من خلال المادة – أن زيد وعمرو وإدوارد إنسان ، وأن الفيل والحصان حيوانات وأن الخشب والحديد جمادات؟ كيف بعقل أدرك من خلال العلاقات الإنسانية أن هناك عدل وظلم ، خير وشر ، جهل وعلم ، حنان وقسوة ورحمة وغضب وتسامح وحب وكراهية وكل تلك المعانى لم يرها مطلقا على هيئتها بل من خلال آثارها وصورها استنتج وجودها وبالتالى وضع بنفسه قاعدة " أن لكل أثر مؤثر " وأن صور القتل والفقر هى أثر للظلم الذى يمثله النظام الحاكم ؟ بالتالى فقد تجاوز العقل المادة بكل أشكالها وتعقيداتها ، فأدرك معنى الإحسان والعشق بدون أن يحسب مقادير الشحنات والطاقات السلبية ومدى تواجد الموجات الكهرومغناطيسية من عدمه ..
وكيف لجون لوك أن يحكم بأن المادة قبل العقل وأن العقل أسير للمادة من مجرد أن عقل الإنسان ينمو كنتيجة لنمو حواسه الخمس ؟ فتأخر النمو لايعنى أبدا إحاطة الحواس للعقل ، بل هو يعنى النضج وزيادة قدرات العقل ، فيولد العقل مع الحواس وينمو بنموها وبعد أن يصل الإنسان إلى مرحلة البلوغ والنضوج يتعاظم دور العقل ، فمن خلال المادة والحواس يقترب العقل من معرفة الأشياء بإطارها المادى ، ثم ينطلق بذاته بعد أن تقوى وتسطع ، فيتجاوز قوالب الحيز والجهة والأبعاد الثلاث إلى مادونها .. ومالعيب فى أن يكون عالم المادة هو العالم الذى من خلاله يتطور العقل وينمو ليحلق في مابعده .. فالحس وسيلة لايستغنى العقل عنها لكى يدرك .. ومجرد أسبقية الوسيلة عن العقل فى العمر لايعنى أبدا إحاطة الوسيلة بمن يستخدمها .. ففى الطبيعة ماوجد قبل الإنسان ومع ذلك استطاع هذا الكائن حديث العهد أن يتفوق ويستفيد بكل وسائلها ولم يتشائم التجريبيون ليقولوا باستحالة ذلك من مجرد أسبقية الطبيعة للإنسان ، بل كان الأمل والثقة فى عقولهم باعثا لهم على البحث والتحقيق فنجحوا .. ولكن الأمل والدافعية غابا عندما تكلم أرسطو عن المحرك الأول " غير المرئى " فانطلقت سهام التشاؤم فى كتاباتهم المليئة بالمغالطات المضحكة من نوعية " أسبقية الحس على العقل ! واستحالة تجاوز العقل للمادة !َ! "
إن مشكلة الماديين هى السطحية بعينها ، سطحية الاعتراف بأن العقل أسير لحواسنا المحدودة وتجاربنا التى وإن نجحت فإنها مازالت تحبو فى عالم الطبيعة ، سطحية إنكار أن ثمة إله حكيم ومدبر خلقنا لأجله وأجلنا .. أراد أن نعرفه فخلقنا .. من أجل أن نذوق طعم إدراكه فننعم بسعادة لاتوصف وبهجة لاتقيسها كهرومغناطيسيتنا ونشوة خارجة عن إطار الضحك والابتسامة وسرعة ضربات القلب ، أقول ذلك وفى ذهنى الأطروحات الساذجة والتافهة التى يخوض فيها التجريبيون على غرار " وهو خلقنا وسايبنا ليه؟ " " كيف يرضى بتلك المذابح؟ " فماذا يفعل لك الإله وهو الذى وهب لك مقومات السباحة وأرشدك إلى مافى السباحة من خير وسعادة وأرسل لك من يعلمك ولكنك أبيت إلا أن تغرق ، فأرسل لك المراكب والأشرعة لتنهض وتنجو وأنت مصر على الغرق بل وترى فى غرقك سعادتك بل وأنت ماض فى الوحل تخط صحفا وتملأ الأوراق ألفاظا عن " فلسفة الغرق " وبعدما تتسبب بغبائك وغيك فى غرق الجميع ، تتألم لذلك المنظر فتسأل سؤالك الأبله " هو ربنا ازاى سايبنا نتظلم كدا؟ " هذا حال بعض من التجريبيين المنتفعين الذين أنكروا عقلانية وجود الإله والأخلاق والقيم فنزعوها من سياساتهم وسخروا الطبيعة لمنفعتهم واستعملوا الإنسان كسلعة تدر عليهم أرباحا ، فغزوا واستعمروا ونهبوا ومنعوا باقى البشر من الاستفادة من خيرات الطبيعة فصنعوا أكذوبة " ندرة الموارد الطبيعية " وقسموا غنائم الطبيعة قهرا فيما بينهم وألقوا فتاتها إلى باقى دول العالم .. وبدلا من أن ينتفض العقلاء ضدهم ليعيدوا الإنسان إلى حريته المفقودة وقف أشباه المفكرين موقف العاجز أو الجاهل أو قل المتشائم ، فوجهوا ألسن التجريح إلى الذات الإلهية وأشهروا نكاتهم المبكية فى وجه العقلاء ووصموهم بالجنون تارة والتخريف تارة أخرى .. نعم فمن السهل عليهم واليسير على حياتهم البائسة أن يهربوا من مواجهة أرباب الفلسفة المادية والاتجاهات الإمبريالية وهم المتسبب الحقيقى فيما وصلنا إليه من بؤس ، وأن يفرغوا خيابتهم وطاقاتهم السلبية النابعة من جبنهم أو جهلهم نحوه هو – جل شأنه .
حقا إننا نعيش عصرا كوميديا تعلو فيه صرخات الأطفال الماديين لتخمد أصوات العقلاء الناضجين ، كل ذلك من أجل إشباغ رغبات حفنة من رجال الأعمال الإمبرياليين أصحاب المؤسسات الكبرى المتحكمة فى الإعلام والسياسات الدولية والاقتصادية .. والأفكار أيضا ، ولكن ذاك الوضع لن يدوم فالطفل حتما سينمو ويبلغ ، والزعيق سيهدأ والكوميديا ستصير سوداءا والعقل سيعلو ويرتفع ويبنى مدينتة الفاضلة ، فهكذا الحياة .. الصغير فيها يكبر ليدرك الحقيقة التى سطرها أبو عبد الله الحسين بن رسول الله ص " عميت عين لاتراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا " "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.