كلما شاهدت الكاتب الصحفي الإخواني محمد عبد القدوس تذكرت المحامى القدير الشيوعي أحمد نبيل الهلالي فما هو الرابط بين الشخصيتين ؟ فى حدود اعتقادي أن عبد القدوس ينتمي لذات السلالة التي ينتمي لها الهلالي وهى سلالة القديسين الذين يتجاوزون انتمائهم الايدلوجى إلى الفضاء الإنساني الأرحب . ولذلك لم أكن استغرب أبدا مشاركة عبد القدوس فى كل الوقفات الاحتجاجية التي نظمتها الأحزاب والقوى المدنية على مدار السنوات السابقة فالرجل يتمتع بمصداقية ألهمته أن الوطن لن يكون وطنا إلا إذا تجانست السبيكة الوطنية وتوجهت بوصلة الجميع نحو التغيير الجذري الشامل . واليوم ونحن نرى بأعيننا ثورة شاملة لفت البلاد طولا وعرضا يصبح من الواجب علينا أن نشير إلى ذلك الرمز البطل محمد عبد القدوس لنقول لكل السائرين على الطريق بأن الثورة صنعها الصادقون وعندما تخاذل الشارع ثلاثون عاما لم يتردد عبد القدوس ومن يشبهونه فى الهم والصفات عن الخروج المباشر وجها لوجه ضد ترسانة القمع المباركى . وربما يكون الميكروفون اليدوى الذى حمله عبد القدوس على مدار سنوات الجفاف هو أشهر ميكروفون فى الوطن العربى حيث ظل ملازما له لا يتخلى عنه أبدا فى أصعب الظروف وكم تسبب ذلك الميكروفون لعبد القدوس فى الأذى بالركل والسحل بل والاعتقال من زبانية مبارك وإذا كانت حنجرة كمال خليل وكمال أبو عيطة من العلامات المسجلة فى مظاهرات الشوارع والميادين .. أيضا ميكروفون عبد القدوس نعتبره علامة مسجلة فى حركة الاحتجاج لأكثر من عشر سنوات فعلى سلم نقابة الصحفيين تستطيع أن تراه وتسمعه وفى ميدان التحرير وفى كل مكان اجتمعت فيه الطليعة الشريفة المطالبة بالتغيير .. ولعل عبد القدوس هو المؤسس لمدرسة التظاهر بأفراد لا يزيد عددهم عن عدد أصابع اليد الواحدة فكثير ما كنت ترى جحافل الأمن المركزى وهى تسد شارع عبد الخالق ثروت فتظن أن انقلابا قد نجح ضد نظام الحكم وما إن تقترب من بؤرة الحدث حتى ترى عبد القدوس وحده على سلم النقابة ممتشقا ميكرفونه الأثير كاشفا عن الفساد وهاتفا ضد الاستبداد .. وتصبح صورته مع بشائر 25 يناير وهو ممدد على أسفلت الشارع بينما يتجاذبه بالعنف عدد من مصاصى الدماء هى الصورة الأمثل ليتأكد المرتجفين من أن الفجر قادم طالما هناك من مثل عبد القدوس الذى وهب عمره لذلك الفجر .. وعندما رأيت هذه الصورة على مواقع الإنترنت تأكدت أننا انتصرنا وأن ثورتنا ناجحة طالما انتاب جهاز الأمن كل هذا الخوف وتعامل بمثل ذلك الغباء . لم يتخندق الرجل خلف شعار عنصرى أو طائفى بل ارتكزت هتافاته وخطابة اليومى على الصيغة القادرة على التجميع ولعل دوره فى مظاهرات 20 و21 مارس 2003 كان له بالغ الأثر فى نفوس شباب الإخوان فقد كانت الاجتماعات التحضيرية للمظاهرة قد اتفقت على عدم رفع أية لافتات حزبية ومنع أية هتافات طائفية وبالرغم من وضوح الاتفاق فى الاجتماعات التحضيرية إلا أن البعض من الشباب وفى ذروة الانفعال كان يهتف خارج السياق بهتافات دينية لو تمادت لشقت صف التظاهر هنا كان عبد القدوس الإخواني يتقدم مدافعا عن وحدة الصف ” وحد صفك .. كتفى ف كتفك .. حركة واحده وطنية ” وهو الأمر الذى يستيجيب له المتهورون عن طيب خاطر .. لم يبحث عبد القدوس على الإطلاق عن زعامة كاذبة أو نجومية مزيفة فهو يقوم بدوره ويمضى ولذلك يترك عمقا لدى متابعيه ومحبيه .. تمنيت وأنا اليسارى والخصم اللدود لتيار الإسلام السياسى أن تكون ممارسات عبد القدوس العملية على الأرض هى الثابت لدى إخوانه ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه . فى سياق مختلف أسأل نفسى لماذا يحصل عبد القدوس فى انتخابات نقابة الصحفيين على أعلى الأصوات ؟ تكرر هذا الأمر فى دورات انتخابية عديدة حتى بات يشكل ظاهرة لا يمكن تجاهلها قد تكون الإجابة بأن السياق الثقافى الذى خرج منه محمد عبد القدوس مختلفا كل الاختلاف عن بقية أعضاء الإخوان المسلمين والحقيقة هذه الإجابة ليست كافية فأنا أفضل الربط بين السياق الروحى المتميز الذى يتمتع به هذا المناضل وبين ممارساته على الأرض ولذلك فالمسافة بين عبد القدوس ونبيل الهلالي ليست بعيدة ومن منا ينسى دفاع قديس اليسار الهلالي أما المحاكم عن أعضاء الجماعة الإسلامية وهم خصوم إستراتيجيون له .. إنها الأرواح العظيمة التي تسمو فتبنى وطنا يليق بهم . وقد يرصد المتابع ثمة مشترك أخر قد يراه البعض متعسفا ربط بين الهلالي وعبد القدوس فالمعروف عن الهلالي هو إيمانه العميق بالحريات وإذا تابعنا مسيرة عبد القدوس النقابية سوف نمسك به وهو مغرم بلجنة الحريات فى مجلس نقابة الصحفيين والتى تولى رئاستها أكثر من دوره لم ينحاز فيها لفصيله السياسى وإنما ضرب المثل فى القدرة على التنوع والتعدد فمازلنا نتذكر بكل الإجلال الاحتفال المهيب الذى نظمه بمقر النقابة تكريما لفارس الديمقراطية اليسارى خالد محى الدين ودعى إليه الدكتور إسماعيل صبرى عبد الله وآخرين من رموز اليسار .. لنخلص من هذا بأن عبد القدوس نموذج متميز ويصبح تساؤلنا مشروعا للجماعة لماذا تصدرون لنا من يتمتعون بالجهامة من رموزكم وتنسون أن بين صفوفكم العشرات من نوعية محمد عبد القدوس ؟ فهل تخبئة صورة عبد القدوس فى صفوفكم الخلفية تعينكم على رسم صورة معينة تريدونها لكم فى المجتمع ؟ طبعا لا تعليق من عندكم ويبقى عبد القدوس له التحية وللمخلصين الصادقين كل الاحترام