الحالة المصرية دائماً فريدة في تجلياتها وفي إفرازاتها لم تضع الثورة بعد أوزارها والجدل بدأ يثور في مصر بشدة علي أسم الرئيس الخامس لمصر بعد ثورة 1952.. البعض يري التروي قليلاً لننظر للدستور الجديد واتجاه البوصلة في مصر نحو دولة برلمانية أم رئاسية أم بنظام مختلط ..؟ أو كما يري أخريين النظر في تشكيلة البرلمان القادم واستقرار الحالة السياسية والاقتصادية في مصر .. لكن هناك من أيقن أن الكف الأول دائماً كسبان والبداية المبكرة تقطع الطريق علي المنافسين.. أسماء كبيرة ومتنوعة طرحت بل أعلنت عن نيتها للترشيح علي منصب الرئيس ..وكل منها يمثل حالة من حالات التنوع الثقافي والفكري داخل المجتمع المصري وهنا أتوقف عند بعض الأسماء التي طرحت نفسها وأبدأ هنا بالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي كان إعلانه عن الترشح مفاجأة في كثير من الأوساط المختلفة داخل المجتمع المصري .. مقدماً نفسه أنه يمثل التيار المحافظ داخل المجتمع المصري ولا يمثل جماعة الإخوان المسلمين التي سيستقيل منها إدارياً فور التقدم بأوراق ترشحه .. وبالفعل بدأ أبوالفتوح حملته مبكراً في الظهور في الفضائيات والتجمعات عارضاً وجهة نظره ورؤيته وملامح من برنامجه لانتخابات الرئاسة .. ثم الدكتور محمد البرادعي القادم من بعيد ولكن الكثير يرجع الفضل له في تحريك المياه الراكدة في الحياة السياسية المصرية والتي كانت مقدمات لتفجر الثورة المصرية ..وحضور البرادعي السياسي والدولي لا يستهان به فورائه تقف الكثير من التيارات الليبرالية والوطنية والتي تري أن شخصيته مناسبة لهذه المرحلة الانتقالية لمصر لما يمثله من قيمة ذات ثقل وخبرة سياسية ودوليه .. و المفكرالكبير الدكتور محمد سليم العوا الذي له الكثير من الإسهامات المؤثرة في الحياة السياسية المصرية لما له من رؤية وفكر ناضج ومستنير في الكثير من القضايا ولخبرته الطويلة بالحالة المصرية إلا أنه لم يحسم أمر ترشحه بعد .. وفي هذا المقال أعرج علي نقاط محددة في هذا الزخم الرئاسي وهي أن أبوالفتوح والعوا ينتمون إلي مدرسة واحدة وهي مدرسة الإسلام الوسطي المحافظ وإن كان الأخير يتميز أنه غير محسوب علي أي تيار داخل المجتمع المصري بخلاف أبوالفتوح الذي يظل انتماؤه للإخوان يثير البعض ظناً منهم أنها مؤامرة يحيكها الإخوان لحكم مصر عبر السيطرة علي البرلمان ومنصب الرئيس .. أبوالفتوح بلاشك قطع شوط حتي وإن بدا يسيراً لكن بدايته المبكرة قد تحرج البعض من مواجهته و المهم التوصل لحل واضح في هذا الشأن بحيث نكون أمام مرشح واحد لهذه المدرسة حتي لا يستغل البعض هذا الأمر ويضرب أحدهما بالآخر أو كلاهما ببعض .. وهنا أعرض اقتراحاً قد يعتبره البعض شططاً غير مقبول ولكني أعتقد أنه يستحق الدراسة في ظل ضبابية المشهد المصري وتعدد المرشحين والأمل في رئيس مدني بعد 60عام من حكم العسكر .. وهو أن نقرأ الحالة المصرية الآن بصورة جديدة ومختلفة وأنها تحتاج إلي الالتقاء والتوحد بمزيد من التواضع وإنكار الذات .. لذا أري إن التقاء أحد مرشحين المدرسة المحافظة سواء أبوالفتوح أو العوا مع الدكتور البرادعي سيكون نموذج مذهل لعملية التعايش الواجبة والمأمولة داخل المجتمع المصري وبين التيار المحافظ والتيار الليبرالي وأعتقد أن إجراء لقاءات ومفاوضات بين مرشحين هذين التيارين سيسفر ربما عن حلول توافقية تكون نتائجها مدهشة .. فالاتفاق مثلاً عن نزول البرادعي علي منصب الرئيس وأبوالفتوح أو العوا علي منصب نائب الرئيس فكرة طرحت من قبل لكنها لم تجد من يلتقطها ويهتم بها لأن أبعاد هذا التوافق ستكون إيجابية للغاية في المشهد الداخلي وبالطبع الإقليمي والدولي .. وهنا يمكن لكل تيار أن يجتهد عن طريق أداؤه أو عن طريق أداء رجالة في الوزارة الجديدة التي ستشكل بالطبع طبقاً للقوي أكثر تأثيراً والتي ستحقق أفضل النتائج في الانتخابات البرلمانية القادمة فهي فرصة لها أن تقدم نموذج له مصداقية ونتائج يمكن الاعتداد بها وتكون بداية لها في الاستمرار أو تنحيتها وتجربة البديل التدرج مطلوب وتقديم نموذج فذ لا يكون شرطه بالطبع أن تكون البطولة للرجل الأول ولكن يمكن أحياناً للرجل الثاني أن يبدع أفضل من الأول بل ويمكن لبعض الوزراء أن يقنعوا الشعب والقوي الخارجية المختلفة أنهم نموذج وطني وسطي يراعي المصالح والحقوق بعيداً عن الصدمات التي ربما تفاجئ الكثير عندما يتحول المشهد بين ليلة وضحاها إلي النقيض تماماً .. هذا الأمر ربما يكفينا الكثير من المتوقع من الصراخ والشجار والاستقطاب والقذف الإعلامي بين الفريقين وسيقدم نموذج واقعي للتعايش بين هذين التيارين الرئيسين في المجتمع المصري ومع الممارسة سيكون هناك إما غلبة لأحدي القوتين في الانتخابات الجديدة أو انصهار وتلاقي صقلته التجربة .. فكرة الائتلافات والتحالفات قائمة في كثير من دول العالم ..فهل ينجح النموذج المصري في تقديم شكل جديد في كثير من التناقضات..؟ وبالطبع يجب أن أسجل وجهة نظري لموقف الإخوان من ترشح الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح ..وهو موقف أعتقد أن أبوالفتوح لا يستحقه بل يسيء للإخوان خصوصاً مع من يمتلك ذاكرة منتعشة حاضرة .. فالإخوان قرروا عدم التقدم للترشح علي منصب الرئيس وهذه رؤيتهم .. لكن عندما يستقيل أحدهم ويريد أن يرشح نفسه فلا معني من أن يكون موقف الجماعة منه سلبياً ..ولا أقصد هنا بالسلبية رفضها تأيده وفقط بل كف الأذى عنه بدل من تركه عرضاً لعبث البعض .. وأعتقد أن موقف الجماعة في انتخابات الرئاسة عام 2005 وكان بين ثلاثة مرشحين أحدهم مبارك كان غير محسوم وترك حرية الاختيار لضمير ورؤية الفرد الإخواني .. لذا فمن الغير منطقي أو المعقول أن يكون التوجيه في انتخابات 2012 سلبياً ضد مرشحاً يتفق أيدلوجيا وفكرياً مع الإخوان وذاق مرارة الظلم والاضطهاد مثلهم تماماَ .. أخيراً ...تبقي كلمة هامة وهي تخص باقي المرشحين فالطبع المقال لا يتسع لذكرهم لكن هناك قامات وطنية محترمة للغاية من بينهم وفرصتهم قائمة وقوية أيضاً وربما كان أحدهم هو الأجدر بالمنصب ..؟! كاتب وناشط سياسي وحقوقي