* الزيارة تأتي في وقت ذات مغزى .. فهل جاء لوصل حبل الوداد مع القاهرة مرة أخرى أم لغرض آخر؟ كتب – أحمد الدريني : ” أخبرتني شخصية مصرية نافذة منذ سنوات طوال أن مبارك قال: لو جاء الترابي إلى مصر، سأضعه في طرة”..هذه هي الجملة الأكثر إلحاحا على ذهني الآن، من مجمل ما قاله الترابي لي في حوار صحفي قبل 3 سنوات في العاصمة الخرطوم، بعد معرفتي أن الرجل في طريقه للقاهرة خلال أيام، في زيارة لم يتم الإفصاح عن غرضها بعد. يجيء الترابي إلى مصر ( بينما التجهيزات تجري على قدم وساق لاستقبال “مبارك” نفسه في طرة)، بعد قطيعة طويلة مع القاهرة، إثر اتهام نظام مبارك له رسميا بالضلوع في محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا 1995، وبعد سجالات عنيفة _ما يزال رحاها دائرا_ بين الترابي والرئيس السوداني عمر البشير، كان مبارك متعاونا فيها مع البشير/السلطة/النظام الحاكم. تحالف الترابي مع البشير في انقلاب 1989 العسكري الذي أطاح بحكومة الصادق المهدي ليحكم البشير، ويصيغ الترابي _من حيث الصياغة حكم مستتر_ ملامح الدولة الجديدة، وبحيث تصير العلاقة بينهما مستقبلا شبه مستحيلة.. ف”العسكر” و”الساسة ” لا يدوم وئامهما لأكثر مما يحتاجه الأول من الثاني، في صياغة عقيدة الدولة. الترابي شخص مثير للجدل أكثر مما عداه، فهو صاحب رؤى دينية يعتبرها البعض صادمة وتوصف كثيرا ب “الشاذة”، فقد أفتى مثلا بجواز زواج المسلمة من الكتابي وإمامة المرأة للرجل في الصلاة، فضلا عن تراث كبير من “الاستفزازات” الصريحة، لما يعتبره علماء الدين الإسلامي “ثوابت “. شغل الترابي في ستينيات القرن الماضي أمين عام جبهة الميثاق الإسلامي (المعادل الموضوعي للإخوان المسلمين في السودان آنذاك)، وسرعان ما كان للرجل مجمل آرائه وقناعاته وتحالفاته الخاصة، التي بدا معها أنه أصبح بمفرده مرجعية نفسه، وإمام تابعيه، ولم يعد أي غطاء تنظيمي أو طموح سياسي كفيل لأن يدرجه في إطاره، فالترابي تخطى القناعات والمذاهب، من فتاوى الإمام مالك، لرؤية البشير لنظام الحكم.. ولم يعد شيء يتسع له ولطموحه. قال لي الترابي في حواري معه :” الإخوان المسلمون ليسوا تريد مارك أو علامة تجارية، لا يجوز حصر الشخص في فكر جماعة، ولا أن تصادر جماعة فكرها بحيث يصبح من حق أفرادها التحدث باسم هذه الأفكار، بمفردهم دون الباقين”. وحين انفض شهر العسل بين الترابي والبشير، وأصبح الترابي أحد كبار قادة المعارضة في السودان، راح الترابي يمعن في التأكيد على خلافه (وتفرده من وجهة نظره) عن باقي الخصوم والمنافسين. وخصوماته _ لمن لا يعرف_ممتدة من واصل بن عطاء إمام المعتزلة حتى ابن باز مفتي السعودية السابق، ومن مآخذه على خلفاء بني أمية، وحتى معاركه مع البشير ومبارك وآل سعود. وحين اتهم مبارك الترابي في الاشتراك في مؤامرة اغتياله في أديس أبابا، كانت العلاقة قد وصلت لأسوأ احتمالاتها بين القاهرة والترابي، الذي لا تبدو القاهرة في عينيه قبلة وموئلا مثل كثير من العرب، بقدر ما تمثل عقدة “الأخ الأكبر” لدى كثير من العرب أيضا. ربما نظر مبارك للترابي على أنه “متآمر” ضده، و”إخواني”، و”معارض” للنظام الحاكم بقيادة البشير، ومن هنا كان غضب وكراهية مبارك للترابي ” كارها لمصر/مبارك” “إخوانيا” “معارضا”. ومن ناحيته كان مبارك كثيرا ما يبدو منحازا للزملاء من رؤساء الدول، حتى اقتراح ذات مرة على بوتين في 2005 أن يغير الدستور الروسي كي يتمكن من البقاء في الحكم فترة أطول! قال لي الترابي: من حاول اغتيال مبارك هو شخص الآن في الحكم! ورفض أن يسميه، لكن الإشارة كانت واضحة إلى عثمان علي طه، نائب البشير، وفق ما تكرر كثيرا عن أنه مهندس محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا. والعلاقة بين الترابي وطه، مركبة بدورها أيضا، فطه كان تلميذا نجيبا للترابي ثم انقلب عليه وقدم مذكرة عزله في ديسمبر 1999، فيما أطلق عليه “مذكرة العشرة”، ثم صار طه وثيق الصلة بالبشير إلى وقتنا هذا الذي يشغل فيه منصب نائب رئيس الجمهورية. وتجيء زيارة الترابي لمصر، في وقت تبدو فيه كل زيارة للقاهرة ذات مغزى، ومبعث ترتيبات. ولا يعرف حتى الآن إن كان الترابي بصدد مقابلة شخصيات رسمية مصرية، أم أنه جاء لوصل حبل الوداد مع القاهرة مرة أخرى..لغرض أو لآخر..لمراجعة أو غيرها..لضرورة أم خلافها.