"دراما الأزمة".. نوع جديد من الدراما السورية، أطلقه النقاد على الأعمال التي أنتجت للعرض خلال شهر رمضان الماضي، حاول مجاراة الواقع السوري الذي يعاني تبعات حرب قاسية منذ أكثر من عامين، وما تلا ذلك من قتل وعنف وتشريد ودمار. وذكرت وكالة "د. ب. أ." - في تقرير خاص - أن المشاهد السوري الذي انجذب لما قدمته هذه الدراما سرعان ما أبدى امتعاضه منها؛ لاعتبارها نسخة بعيدة ومشوهة عن الواقع على خلاف العام الماضي، إذ اتُّهمت الدراما السورية بالانفصال عن الواقع، وإنتاج أعمال لا تشير إلى ما يجري في البلاد. وقد شهد شهر رمضان العديد من المسلسلات التي تحدثت بشكل مباشر عن الأحداث في سوريا، أو تطرقت لها بشكل جانبي، لكن دون تحميل أي طرف المسئولية، أو اتخذتها كخلفية عامة يجري ضمنها عرض أحداث اجتماعية. يقول الشاب أمجد أبا زيد: "المظاهرات وإطلاق النار ودوي الانفجارات المستنسخة عن الواقع السوري وجدت لها مكانًا في بعض الأعمال الدرامية السورية لهذا الموسم، لكنها لم ترقَ لتمثيل نصف ما جرى على الواقع"، إذ شارك أمجد في الحراك الشعبي في منتصف آذار/ مارس 2011، واعتبر أن الجزء الثالث من مسلسل "الولادة من الخاصرة" الذي قدم باسم "منبر الموتى" كان الأقرب إلى الواقع، لكنه فشل في نواحٍ كثيرة؛ مما جعله "نسخة مشوهة"، إضافة إلى أنه يعتمد مبدأ أن الرئيس السوري بشار الأسد جيد، لكن المحيطين به سيئون وقاتلون ولا ينفذون القانون، وهذه كذبة كبيرة لا تمر على الناس - على حسب قوله. وأضاف أن المظاهرات التي جرت بداية الثورة لم تكن بدوافع شخصية كما يصور المسلسل والقائمون عليه، بل كانت مطالبة بالحرية والكرامة المفقودة. ويرى أن مسلسل "منبر الموتى" الذي يعتقد انه حقق متابعة شعبية كبيرة، لا سيما عند أغلبية المعارضين السوريين، الذين رأوا فيه - على عيوبه - متنفسا يعبر عن بعض هواجسهم، فيتحدث عن الفساد المستشري بين ضباط الأمن، والسلطوية وسوء المعاملة، لينتقل إلى مجاراة الأحداث الحالية. ونفى القائمون على العمل أن يكون المسلسل توثيقيا، بل اعتبروه محاكاة لما جرى ويجري في سوريا، ورغم محاولتهم إظهار فاسدين من الطرفين، مع عرض رؤية خاصة حول الأحداث، وإلقاء المسؤولية على جميع الأطراف المعنية، لكن ذلك لم يمنع توجيه الاتهامات لهم من قبل طرفي الصراع في سوريا واحتسابهم على الطرف الآخر. ويقول وسام ديوب - موظف حكومي: إن هذا المسلسل وكل من عمل فيه "ساقط"، ويبرر ذلك بأن إظهار الأمن السوري بأنه من بدأ بالقتل، وإظهار المتظاهرين بأنهم سلميون غير واقعي، وإلا كيف نبرر مقتل عناصر الشرطة أولى أيام المظاهرات في درعا. ويتابع ديوب: "ولا يكفي أن يقوم القائمون على العمل بعرض مقتل بضعة عناصر من الأمن من قبل متظاهرين كي يعدوا أنفسهم موضوعيين، بل كان لزاما عليهم أن يتحدثوا عن مقتل مئات ومحاصرة مقرات أمنية وتفجيرات إرهابية قام بها هؤلاء المتظاهرين". وعدا عن "منبر الموتى"، كانت المسلسلات الأخرى أقل مباشرة في تناول الأزمة دون إلقاء اتهامات حول المسبب فيها، ما جعلها عرضة للنقد بشكل أكبر لكونها بعيدة عن الواقع، مثل مسلسل "سنعود بعد قليل"، المقتبس عن فيلم إيطالي بعنوان "كلنا بخير"، حاول عرض تأثيرات الأزمة على عائلة سورية اضطر أفرادها لترك دمشق بسبب تردي الوضع الأمني والاستقرار في العاصمة اللبنانية بيروت. انتقد محمود أحمد - تاجر سوري - المسلسل كونه يجسد وضع بعض العائلات الميسورة وليس الأغلبية السورية، إذ أن هناك عائلات استطاعت التأقلم مع الوضع المعيشي في لبنان، لكن البعض يعيش كلاجئ هناك، مضيفا أن هذه النقطة ليست السلبية الوحيدة، بل إن التغاضي عن المسؤول عن الوضع الحالي، والتباكي والنواح لما وصل إليه البلد كان من أبرز نقاط الضعف فيه. مسلسلات أخرى اكتفت بوضع الأزمة في الخلفية العامة للأحداث التي تجري فيها كجزء من الواقع المعاش، لكنها تعاملت معها بنوع من التجاهل، فلم تتحدث بتفصيل عن مسبباتها وسيرورتها وآثارها. كما قالت الناقدة أروى الباشا: إن دراما الأزمة حازت على متابعة جماهيرية بين السوريين، إذ شاهد السوريون الدراما بعين دامعة، ولم يفرق العمل الدرامي عن نشرة الأخبار المليئة بالموت والوجع والتهجير. وأضافت الباشا أنه إذا أحصينا الأعمال التي تناولت الأحداث فإنها لا تتجاوز الخمسة أعمال من أصل 27 عملا دراميا، مع ملاحظة أن غالبية الأعمال التي تناولت الأحداث في سورية ابتعدت عن الجانب التوثيقي، ولا سيما أن الحرب لم تنته بعد، ورأت أن بعض تلك الأعمال تناولت الأزمة تلميحا، وبعضها تناولها بشكل صريح ومباشر، وفيما أخذ بعض الأعمال يتناول الحدث السوريّ بشكل كوميديّ ساخر، أخذ البعض الآخر منحى جديا في تناول الأحداث. واعتبرت الباشا، أن هذه الأعمال لن تحوز على الرضا التام؛ لأن صناعها وإن كانوا منحازين بشكل واضح لطرف معين في الأزمة، فهم على الجانب الآخر حاولوا قدر الإمكان أن يكونوا موضوعيين قليلاً، عن طريق عرض أخطاء الطرفين /الموالاة والمعارضة/ التي أدت بالبلد إلى الحال التي هي عليه اليوم. وضربت مثالا بمسلسل "منبر الموتى"، الذي ضجت صفحات المعارضين على مواقع التواصل الاجتماعي بمديحه، لأنه ينتقد بشكل جريء فساد أجهزة المخابرات السورية، وطرق النظام المستبدة في قمع المتظاهرين وقتلهم، ولكن ما لبث هؤلاء أن عبروا عن غضبهم عندما عرض العمل النقاط السلبية في متزعمي الجيش الحر ولجوئهم إلى العنف والقتل. وبالنسبة للمستوى الفني، اعتبرت الباشا أنه كان مقبولاً في بعض الأعمال وضعيفًا في بعضها الآخر، ولم يرقَ أي من أعمال الأزمة إلى المستوى الممتاز، مشيرة إلى أن "صناع الدراما عللوا تدني المستوى الفني بحالة الحرب التي تعيشها البلاد، معتبرين أن إنجاز أي عمل مهما قلّ مستواه عمل عظيم بحد ذاته، متناسين أن أشهر الأعمال العالمية تم تصويرها في أشدّ وأصعب الظروف، كما لا نستطيع أن نُغفل أن الاستعانة بوجوه شابة وممثلين هم بالأصل غير موهوبين وغير خريجي معاهد أو جامعات متخصصة ساهم في تدني المستوى حتى بالنسبة للأعمال التي لم تتناول الأزمة.