(القصة الكاملة) أطلق سراح الجنود المصريين المختطفين فى سيناء، وإنقشع الغبار قليلاًً مما سمح بقليل من الرؤية فى هذا الميدان الشائك، البدايه فى ليل الأربعاء قبل ساعات من الجريمة تمت فى "ميدان البلدية" الميدان الرئيسى لمدينة العريش العاصمة بوقفة إحتجاجية ضمت بعض أعضاء الجماعات المسلحه التى أصبح أعضائها يترددون الآن على مدينة العريش بشكل دورى وإشترك أيضا بعض من عائلات أشخاص محكوم عليهم حضورياً وغيابياً فى قضايا جنائية مطالبين بالإفراج عن المحبوسين على ذمة أحكام قضائية والكف عن ملاحقة الصادر ضدهم الأحكام الغيابية، وإستكملت تلك الفاعليات بقيام المشاركين بالتوجه إلى الطريق الدولى الساحلى (العريش رفح) وقاموا بقطعه عند منطقة الوادى الأخضر وهى نقطة واقعة ما بين الشيخ زويد ورفح، ومر اليوم بفاعلياته التى تقترب من الروتينية فى هذا المكان. حملت الساعات الأولى من يوم الخميس بلاغاً من سيارتين أجرة للقوة الأمنية الموجودة على الطريق الدولى بإستيقافهم من قبل مجموعة مسلحه وإختطاف (7جنود) تحت تهديد السلاح والهروب بهم جنوبا فى المنطقة الصحراوية تقريبا عند نفس نقطة الوادى الأخضر.. وإنقلبت على إثر هذا البلاغ شمال سيناء ومن وراءها مصر كلها رأساً على عقب، لم تمتلك الأجهزة الأمنية رفاهية إنتظار أول ضوء لبدء التحرك فقد كان المطلوب معلومات كاشفة سريعة توضع على مكاتب القادة فى صباح الخميس، وقد مر نهار الخميس بكامله يحمل نهرا من المعلومات والقياسات التى تدفقت على القاهرة فى كل الإتجاهات المعنية بالحدث وهو ما وضع بالفعل بداية الخيوط التى حملت مجموعة من المعلومات الأوليه للموقف. الخيط الأهم فى هذا اليوم كان هو التأكد من عدم تورط أى من قبائل أو عائلات سيناء فى هذا الأمر، بل وإصابتهم بصدمة تماثل صدمة الأجهزة الأمنية فى درجة التصعيد التى تمارسه الجماعات المسلحة التى أصبحت تعيش على نفس المكان وتزاحمهم فيه على الأرض، وشكل هذا الخيط هذه الدرجة من الأهميه لأن جميع الأجهزة الأمنية بطبيعة الواقع لا تستطيع التحرك فى قضايا من هذا النوع إن كان طرف المواجهة فيها هى القبائل، وهو ما جعل هذه المعلومة الغالية تحتل رأس جميع التقارير التى طارت إلى القاهرة، وإحتلت أيضا مقدمة كل خطط و تصورات الحركه نحو تنفيذ الهدف المطلوب بتحرير الجنود. قضى الخاطفين يومي الخميس والجمعة فى صمت تام، وقضى الجهاز الأمنى بكل فروعه اليومين بترتيب أوراقه ومعلوماته على الأرض والإنتقال بغرفة عملياته إلى مدينة العريش لإدارة أزمة ما ظهر منها يشي بأنها ستحمل طبيعة النفس الطويل، قضت الرئاسة هذان اليومان فى تلقى الخبر الصدمة والتلعثم فى إصدار البيانات وتصحيحها.. وإذا بها تتلقى أول شظايا هذا اللغم ليصيبها مباشرة عندما وجدت نفسها فى محل إتهام بالتدبير أو التنسيق أو فى أخف الصور الترتيب لإستغلال الحدث لأغراضها الشخصية، وقد كانت الشظية بالفعل من النوع التى أصابت الوجه فالموقف برمته غير طبيعى أن تدير الرئاسة هذه الأزمة تحت سطوة هذا الإتهام الذى لاحقها من اللحظة الأولى، فمفردات الحادث كلها تدور حول جنود للجيش والشرطة ومن فوقهم إعتبارات الهيبة والسيادة وذاكرة حادث إغتيال جنود رفح مازالت ساخنة فى العقل الجمعى للرأى العام الذى وضع شكوكه كلها فى رقبة الرئاسه وجلس يتابع ويصدر الأحكام التى شابها كثير من التسرع والإشاعات.. وللرأى العام عذره المقبول فكما ذكر كل المفردات تقع فى المستوى الأخطر والأرفع، وتحركت الرئاسة بشظيتها الدامية بأداء دفع التهمة فخرجت الإرتباكات تتوالى. أمضى الجيش اليومين الأولين أمام إختباره الأول والأصعب، عنوان العبث بالسيادة يمسه شخصيا والرصيد الإيجابى الذى ظل يحصده طوال الأشهر السابقة وضع على المحك الصعب فى أعقد العمليات القتالية وهى تحرير الرهائن وبإضافة مسرح عمليات هو الأصعب والأخطر يحتاج الأمر إلى قدر عالى من ثبات الأعصاب، وقد مارست قيادات الصف الأول هذا الثبات بصورة رفيعة.. وضعت آذانها كاملة بجوار أجهزتها المعلوماتية تستقى منها الوضع والمطلوب لحظة بلحظة، ونقلت ما وصلها بصورة مهنية إلى مراكز خططها لتخرج بخريطة عمل متشابكة ومعقدة للغاية، وهو ما بدا متوازناً وفاعلاً فى هذين اليومين وجاهزا تماماً دون إرتباك لما تم بعد ذلك. الطرف الثانى الذى تلقى شظية مباشرة من لغم الحادث كان هو وزير الداخلية ومنظومة قيادته للوزارة، فبعيدا عن كون الجنود من وزارته وأن هذا المسرح وفق الملاحق الأمنية لمعاهدة كامب ديفيد تحت نطاق سيطرة أجهزته، فإن الظاهر من لحظة الإنفجار الأولى أن الشظية كانت بدلالة كشف الأوضاع.. فوجود الوزير شاحبا وغير فاعل والإلتباس يحيطه كما يحيط الرئاسة والتعامل مع حدث من هذا النوع وهو فاقد تماما للمصداقية خارج الوزارة وداخلها وضعه فى الركن المعتم من الأحداث وبدا الأصغر والقيادات المتوسطة أكثر جاهزية وفعالية من الصف القيادى الذى أصابته بالفعل شظية الوزير فتوارى وإرتبك، وكان نموذج فشله المبكر فى معالجة "فرية أحمد أبوشيتة" الذى روج لها الخاطفون عن إنتهاكه وتعذيبه داخل محبسه فلم يكن الأمريحتاج لأكثر من بيان صادق وشافى لوضعه القانونى داخل السجن ووضعه الصحى لنزع المتداول كسبب زائف أو تكميلى لعملية الخطف والأسر. مساء السبت.. ووفق خطة التحركات المعقدة المعدة فى غرفة عمليات القوات المسلحة أتخذ قرار تحرك القوات التى ستكلف بتنفيذ عملية عسكرية بالمكان وتم تحركهم بعد دقائق من إتخاذ القرار بالفعل، فقد إستكمل قدر معقول من المعلومات كشفت مسرح العمليات بتفاصيله وحددت أماكن وتحركات الخاطفين بصورة تقترب جدا من الواقع وتضع إمكاناتهم وفق المعايير الدقيقه للمواجهة، ومايمكن نقله من تعقيد الخطة أن مسار الوساطات الذى إنطلق فى إتجاهات عديدة كان يتم تحت متابعة دقيقة ممن يدير العملية برمتها، والسماح بالتغطية الإعلامية للتحركات العسكرية كانت فى سياق الرسائل الضاغطة على العديد من الأطراف وليس على الخاطفين وحدهم !! جانب آخر من تشابكات الخطة تم سريعا فى التنسيق مع القوات الدولية المكلفه بمراقبة التحركات العسكرية فى (المنطقه ب، ج)، وأيضا مع الجانب الإسرائيلى لضمان عدم الإرباك بشكاوى دولية.. وسمح هذا الإنجاز بدخول طائرات الأباتشى المتطورة وتحليقها وممارسة مهام عمليات وتصوير وما يمكن أن تكلف به وفق ما هو مرسوم أو بتطور الأوضاع عند بدء العمليات. تحرك القوات السريع ووصول اللواء/أحمد وصفى قائد الجيش الثانى إلى مدينة العريش صباح الأحد نقل الأحداث إلى موقعها الصحيح وسرق الجميع، ترك القاهرة غارقة فى إرتباك الإجتماعات ودعوات الحوار العبثية مع أحزاب وجبهات لحشد رأى سياسى حول تدخل بعمليات عسكرية، وكانت هذه الدعوات المتهالكة وأصحابها يتحركون تحت تأثير إصابة الشظية الجارحة والإتهام الذى يلاحقهم كل يوم. أغلى أنواع المعلومات التى وصلت لقيادة العملية دارت حول تحديد أشخاص الخاطفين وتأكد من أكثر من مصدر أن كل من : كمال علام .. المحكوم عليه بالإعدام غيابيا فى قضية قسم ثان العريش عام 2011م (قتل ضابط شرطة وضابط جيش وأربعة أفراد شرطه). سليمان البلاهينى.. تاجر مخدرات وله ملف جنائى و منضم مؤخرا للتيار التكفيرى منخرطا فى أحد التنظيمات المسلحه. خليل المنيعى .. محكوم عليه غيابيا بالسجن فى قضية تفجيرات شرم الشيخ وأحد أعضاء تنظيم التوحيد والجهاد وهو تنظيم مسلح موجود فى سيناء. حرب المنيعى.. أحد مهربى الأسلحة فى سيناء ومطلوب لأكثر من جهه أمنية نظرا لخطورة نشاطه وتشابك علاقاته مع أطراف خطرة. إسلام أبوشيتة والسادات أبوشيتة.. و هما شقيقى حمادة أبوشيتة الذى يقضى عقوبة السجن المؤبد فى القضية التى شارك فيها كمال علام . سليم أبوحمدين.. أحد عناصر المنظمات التكفيرية المسلحة. خليل سليمان صالح.. محكوم عليه غيابيا فى العديد من القضايا الجنائية. يدور حولهم شبهات قوية حول تورطهم أو تلامسهم مع جريمة خطف وأسر الجنود بدرجات متفاوتة، فمنهم المنفذ المباشر ومنهم المخطط وآخر يدير مسألة الإخفاء، وكان من المعلومات الغالية أيضا أن تحدد مربع تقريبى يقع فى المنطقة مابين مدينتى رفح والشيخ زويد بالجهة الصحراوية جنوب الطريق الدولى الساحلى. بدأت القوات الموجودة فى مسرح العمليات بتنفيذ بنود الخطة فى سرعة يتطلبها الموقف بشكل عام، فبدأ طيران الآباتشى يقوم بطلعاته الجوية التى جمعت صورا دقيقة وتفصيلية عن مكان العملية، وتزامن معها تحرك سريع على الأرض من قوات مدرعة خفيفة مدعومة بمجموعات الصاعقة وقوات العمليات الخاصة بالشرطة من تنفيذ مهام الحصار والعزل عن مربع الخاطفين فى إحكام يضيق تدريجيا مع تنفيذ تمشيط وعمليات بحث دقيق عن أماكن متوقع الإخفاء فيها أو التحرك داخلها، دارت هذه العمليات بنجاح فى مناطق (الجورة البرث الزوارعة الجميعى صلاح الدين) وأسفرت عن العديد من حالات ضبط ومصادرة لأشخاص وسيارات وسلاح بوتيرة أدخلت العملية فى طور آخر. كان ممن أصابهم شظايا تلك الحادث شيوخ ورؤساء القبائل السيناوية، فاللغم على أرضهم وإنكشاف عدم سيطرتهم على الأحداث قد يصيب أوضاعهم فى مقتل، وهم يعتمدون صيغ متعددة فى التعامل مع الدولة ليس من بينها هذا التصعيد الذى أربكهم قبل غيرهم،فبالإضافة إلى تعاون مثمر فى مجال المعلومات كان لهم إسهام ثمين فى حسم العملية برمتها من خلال رسالة موجزة منهم للخاطفين تفيد أن جدية خيار الحسم العسكرى ورفض التجاوب مع تسلم الجنود قد يحول موقفهم إلى المشاركة فى ضبطهم وأن العمل العسكرى قد يتسع بما يقلب الأوضاع برمتها إلى الأبد، و ألقوا إلى الخاطفين بنصيحة الإحتفاظ بالأوضاع التى تحقق لهم مكاسب على الأرض وبنصيحة كيفية الإفلات المؤقت بترك الجنود طواعية بالطريقة التى تمت بالفعل.. وقد نفذ الخاطفين ما جاء بالرسالة حرفيا فأنفاس القوات المشاركة فى العملية كانت قد إقتربت منهم لحد الخطر الذى جعلهم يتجاوبون سريعا مع الروشتة البدويه للقبائل والتى تمت أيضا بترتيب مع قيادة العمليه.. و تم الأمر. أهداف العملية موجود نصا فى أوراق مضبوطات (خلية تفجير السفارات) بإستهداف قوات الجيش والشرطة فى عمليات مسلحة أو خطف جنود أو تفجير مواقع تابعة لهما وخاصة فى منطقة سيناء، وكانت الضربة الأمنية بضبط الخلية قبل القيام بأى من أهدافها ومن قبلها خلية أخرى والإثنان لهما إرتباطات وثيقة بالجماعات المسلحة فى سيناء ما أفقد تلك الجماعات صوابها ودفعها لتنفيذ شيئ ما على الأرض لكنه لم ينتج أثره هذه المرة .. وبقي صراعهم مع الأجهزة مؤجلا إلى حين وإلى ترتيب آخر، فقد دخلت المواجهه إلى أطوار جديده بالفعل. بقي حديث الصفقة والتبادل وخروج مساجين فى مقابل الإفراج عن الجنود، وهو حديث جرت فيه مياه كثيرة ولكنه لم يخرج فى نهايته عن وعود جدية بفتح ملف الطلبات وبحثها وطرح مايمكن عمله على طاولة البحث، لكن هذا كان مشروط بأن يتم بعد إنتهاء العملية وليس أثناءها ووضع شيوخ القبائل راعين لهذا الملف تضميدا لجراح أصابتهم وتثمينا لدور لم يهدأ طوال أيام الأزمة. لغم هذا الحادث حتى بعد تفكيكه ظهر أنه من النوع العنقودى الذى يحمل تفجيرات متتالية وشظاياه قد تمتد أبعد مما هو مقدر أو متوقع وهو ما حدث بالفعل .. وما قد ينتج إستكمالا لهذا الحديث فى مرة قادمة إن شاء الله وقدر.