------- تهتزُ شجرةُ الإبداعِ الخالدةِ؛ لتثمرَ لنا في النهايةِ عددًا نادرًا من المبدعين، يصبحون صوتَ المجتمعِ، والعلاقات الفاعلة فيه، كما يشكِّلون الصوتَ الأكثرَ تعبيرًا عن مجملِ التحولاتِ الكبري التي تحدثُ فيه. - وها هي شجرةُ الإبداعِ، بكلِّ ما تمتلكُهُ من خضرةٍ وحيويةٍ، تزف إلينا شاعرًا استثنائيًّا، يجاهرُ بصوتِهِ المبدعِ، يمتلكُ صوتًا خاصًا بالغَ الخصوصيةِ، قادرًا على إغناءِ العاميةِ المصريةِ، ورفدِها بمزيدٍ من الثراءِ والحيويةِ، والمزيدِ من القدرةِ على التجاوزِ والتقدمِ والاستمرارِ . - وفي ديوانِ "شبرين من ملاك طيب" تمكَّنَ الشاعرُ "سعيد شحاتة"، منذ أول ضربةِ فأسٍ أن يبتكرَ قصيدتَهُ الخاصةَ التي تتورطُ بأرضِ الواقعِ والجماهيرِ، كما تنفتحُ أيضًا على سماواتِ الحريةِ والإبداعِ : أنا وانتي روحين في فضاء الله والكون بلوره كبيره، في عب الأرض والأرض وليد مشتاق، لحياه والناس أشباه وسط الملكوت، قلتيلي برقّة بنت، بنوت الموت أضعف من ريحة الورد، - وهكذا يستمرُ الشاعرُ، في بلورةِ صوتِهِ الخاصِ وتشكيلِهِ، عبر مجموعة من الاستخدامات الفنية البليغة، التي تمتلك حضورَها وسحرَها الخاص، فيتمكنُ من التأسيسِ لحالاتٍ فنيةٍ متقدمةٍ، فتنفتح سماوات القصيدة، لتتلقي هبات النص، وما يمكن أن يتيحه من إمكانيات هائلة، ويلتحم الشاعر، بحركة النص، فينتج لنا تلك المعاني، المتفردة، التي تتجاوز سطح النص، لتنفد إلى مستويات أكثر عمقًا، حيث السحر والعذوبة، وحيث يمكن العثور على عروق الذهب الكامنة في عمق الأعماق: النور ولاّد وضلوع القلب... عباد الله .................. ساجدين لله وشموع القلب... القايده ف كل زوايا الروح .................... بتشعّ حياه وأنا داير بارمح فى الملكوت وأضحك ويّاه. - وفي أغلب قصائد الشاعر سعيد شحاتة، نلمح ذلك التناغم والانسجام، الذي يحدث تلقائيًّا، وبغير مشقة، وبدون أي تكلف، ليهب للقصيدة سمْتَها المميز والقوي، حيث تتآزر المعطيات الفنية والجمالية كافة؛ لتنتج المعني الشعري، وهو معني بليغ، خاص بالشاعر، ولعل أهم إنجازات الشاعر تكمن في تلك القدرة الفريدة على توظيف العنصر الموسيقي، حيث البناء النغمي للنص، يظل يتشكل في العمق، فلا تكون الموسيقى مجرد،حلية خارجية، تنفصل عن النص، بل تصير جزءًا لا يتجزأمن النص، تذوب بداخله،؛ لتصبح هي النص ذاته، بكل ما يستوعبه من أنظمه ومستويات 8 يمامات ونبق أخضر وبوصة ناى وضحكة شمس مكسوفه لولد نسّاى وصوت لربابه حكّايه وجدع حكّاى.... بيبدر ورد ع السكّه وبنت وواد وحلم كبير على الدكه وست عجوزه بتحاول تلمّ بقيت جنيه فكه اتبدر من دبدبات القطر ..... ونقطه ومن بداية السطر . والشاعر لا يهاب اقتحام الألفاظ، من أجل أن يتجدد قاموس مفرداته؛ ليعبر عن حركة الحياة بكل ما فيها من تحولات ، ويبدو موقفه من التجديد موقفًا متقدمًا، لا لبس فيه، فهو يؤمن بالتجريب، واختبار الأدوات الفنية والجمالية، لكنه ليس ذلك التجريب المجاني، الذي يستحلب عناصر الصورة، ولا ينتج في النهاية، سوي نص ليس له أصل أو صلة بالواقع الذي نحياه، بل هو التجريب الخلَّاق، الذييقترب من الواقع؛ ليصبح النص أكثر قدرة علي التعبير عن تلك التحولات الكبرى، التي تشهر وجه تناقضاتها باستمرار : إحنا أولاد بيرم التونسى وجاهين والشيخ إمام إحنا أولاد البيوت العتمه وإقفاص الحمام إحنا أولاد المزارع والمصانع إحنا أولاد الكنايس والجوامع إحنا جيش الانتقام إحنا طلق الثوره فى إولاد الحرام إحنا سيف ومسلّه ومشَنّة سهام وإحنا قطَّاع الطرق وإحنا السلام وإحنا بركان الغضب ساعة الصيام وإحنا أحلامك وطيفك فى المنام مصر يا مراية الكلام الحلو يا عشوش اليمام اللى مات فى الثوره عايش.. بس واقف فى الأمام . - ولعل أهم ما يميز صورَ الشاعرِ "سعيد شحاتة" وتراكيبَه ومفرداته، هو تلك الروح المصرية الخالصة، النابعة من مياه جوفية صرف، تستلهم عصير تلك الشخصية، التي تطل علينا في كلِّ سطرٍ من سطورِ الديوان، وهذا العشق الذي يصل الي درجة التوحّد الصوفي فتتجمع الصوركافة، والعبارات والمفردات؛ لتكشفَ عن هذا الولع، الذي يبين، ويتجلي في معظم قصائد الديوان: والدى لمّا نصحنى قال لي: إياك تخاف وإن أكلت اللقمه غمسها بعرق أو كلها حاف وإن كلاب الأرض غنّت غنى، لكن باختلاف وإن نويت تضحك عليهم ابتسم، بس بعفاف وفي النهاية، يمكن أن نقول، بأن الشاعر سعيد شحاتة، قد توصل، عبر مسعاه الإبداعي، الي صياغة "وصفته" الخاصة، والتي صارت علامة من علاماته الدالة، التي ميزته عن غيره من الشعراء. فهو الشاعر الذي لم ينكر، فضل الآباء الرواد، فيقول في بلاغة وسلاسة، واقتدار "احنا أولا د بيرم التونسي، وجاهين والشيخ إمام" فإمتدت جذوره عميقًا في باطن الأرض، وتمكن في النهاية، من أن يصنع اسطورته الخاصة، بالغة الخصوصية، والتي سوف تثمر في كل وقت شعرًا خالصًا وبليغًا، سوف يضيف الكثير إلى شعر العامية المصرية. ومن ذلك كله نرى أن سعيدَ شحاتة شاعرٌ متميزٌ، يحاولُ دائمًا أن يصيغَ قصيدتَه الخاصةَ، التي لا تتشابه مع باقي القصائد، فهو لا يعيدُ إنتاجَ الإنجازاتِ الإبداعيةِ، لشعراء آخرين، لكنه يتمكن باقتدار من صياغة نص شعري، مبدع، متفرد، وخلاق، في رغبة دائمة للانعتاق من أسر الإنجازات التقليدية لشع العامية المصرية، وهو بالإضافة إلى ذلك كله، يمتلك تصورًا خاصًا للشعر، يتيح له الانطلاق بداخل فضاءات شعرية متنوعة، والشاعر لا يخشي التجريب، بل يمتلك قدرة متطورة على اقتحام المعاني والصور والمفردات، في محاولة مستمرة للتعبير عن تحولات العالم، في واقع لا يكف أبدًا عن إشهار تناقضاته باستمرار. ،،،،،،،،،،،،،،،،،، محمد كشيك مع تمنياتي بالنجاح، والتوفيق. للشاعر "سعيد شحاتة"