أكاد قبل أن أكتب أسمع تعليقهم برفض (التدخل) في الشأن الداخلي للتيار الناصري، مقدمة يتبعها سيل من الاتهامات أو المبررات، أو كليهما مضافاً لهما بعض العبارات المشهورة عن الظرف العام والظرف الخاص، والظروف الموضوعية وتناقضها مع الظروف الذاتية، وضرورة التريث في مهمة (الوحدة) الصعبة وما يعتيرها من مشاكل وصعوبات. بدا توقيت طرح (وحدة) التنظيمات الناصرية غريباً بعض الشئ، نظراً لما تمر به الساحة المصرية من أحداث متلاحقة، تحتاج معها كل القوى السياسية إلى مزيد من الوقت والجهد لمتابعتها، مما قد يبعدها قليلاً أو كثيراً عن شئونها الداخلية، خاصة إذا كانت هذه الشئون تمثل عبئاً إستراتيجيا مثل (التوحيد التنظيمي) الذي تأخر أكثر من ربع قرن ويزيد، ونظراً لكم المشاكل الداخلية لكل طرف من أطراف مشروع الوحدة. غير أن أشواق الناصريين لوحدتهم أخذتهم بعيدا حتى أنهم احتفلوا بالوحدة قبل أن يدشنوها في الواقع ،ولم يهتم أحد لضرورة امتلاك رؤية موضوعية واضحة ومحددة لمشروع متكامل وتفصيلي يتم طرحه والتوافق عليه بين الشركاء، حتى أن هؤلاء لم يبذلوا جهدا ما في دعوة مئات القيادات الناصرية المستقلة التي اعتزلت العمل الحزبي بعدما اكتوت بنار أمراضه المزمنة، ولم يشاركوا المئات من أعضاء أحزابهم الفكرة والقرار، وكانت النتيجة المنطقية حتى الآن تعثر الوحدة لأنها لم تمتلك مشروعاً ولم تمتلك إرادة. الأغرب من كل ما سبق هو أن القائمين على الوحدة الناصرية هم أنفسهم قيادات الانقسام والفرقة، ولعل ذلك يجعلنا نشك في صدق مسعاهم، ولأن لا أحد يمكنه الجهر بمعاداة الوحدة فقد اندس أعداء الوحدة بين دعاتها ورفعوا نفس شعاراتها لكنهم قاوموها بشراسة ومازالوا. أى نظرة متأملة بدقة لطبيعة الأحزاب الناصرية تكشف مباشرة عن أشكال شبه تنظيمية، تدار بشكل غير مؤسسي، يتحكم في مساراتها بعض الأفراد الذين يهيمنون على القرار عن طريق المال السياسي أو النفوذ التاريخي، وتنصاع لهم أغلبية القواعد التي لم تتعلم كيف تنحاز إلى الأفكار والمبادئ ولمشروعها السياسي بدلاً من الانتصار لشخص ما دون القدرة على مساءلته كلما عن له أن يغير الطرق ويعدل الأساليب. النزر اليسير الذي تسرب عن عملية الوحدة كشف عن اتفاق ما بين قيادات هذه التنظيمات والأحزاب على البدء بتوحيد القيادة التنظيمية للحزب الناصري الموحد، دون النظر لرغبة القاعدة الناصرية الحزبية وغير الحزبية، فعلى الرغم من استهداف المستقلين في عملية الوحدة إلا أنهم لم يتم دعوتهم على مائدة الحوار، وتلقوا القرار مثلما تلقته العضوية العاملة الفاعلة في تلك الأحزاب. والدلالة الأشد وضوحاً على عدم جدية ما أطلقوا عليه (الحزب الناصري الموحد) أنهم فيما كانوا يتحاورون كان أحد الأحزاب يشرع في إعادة كتابة برنامجه السياسي ويعيد ترتيب أوضاعه التنظيمية الداخلية. قد يتم إعلان الوحدة في أى لحظة، لأنها في رأيهم لا تكلف شيئاً ولن يترتب عنها خطر، ولأنها تنقذ بعضهم من مأزقه الشخصي، لكن في كل الأحوال لن تكون وحدة مستقرة، لأنها افتقدت شروطها الموضوعية والديمقراطية، وانهيارها قد يؤدي إلى دخول الناصريون في نفق أشد إظلاماً مما هم فيه. القفز إلى الأمام دون ضوابط مغامرة سياسية غير مأمونة العواقب ومشاكلها أكبر مما يمكن أن يتحمله تيار هش يحمل مشروعاً تاريخياً أكبر مما يمتلك من إمكانيات فكرية وأدوات عملية.