عاملون من طراز خاص، لا يحتفلون بعيد العمال، ولا يستمعون إلى خطابات الرئيس ومسئوليه، تلونت وجوههم بلون غبار الشوارع الذي لا ملاذ لهم غيره، تسمع في صوتهم "حشرجة" من تراكم عوادم السيارات التي يستنشقونها على أحبالهم الصوتية، وتلونت أعينهم بلون أقراص "الطعمية" التي تحاول أن تملأ فراغ أمعائهم الخاوية. طفح الكيل بهم من كثرة الوعود التي لا ينفذ نصفها ، ليس لهم مأوى سوى الشارع ، ولم يجدوا من يحتوى معاناتهم سوى الأرصفة، إنهم الباعة الجائلون وعمال المحلات، الذين رمتهم الحكومات المتعاقبة في غياهب النسيان ...فلا معاش ولا تأمين اجتماعي أو صحي ولا نقابات ولا أي حقوق، وأذرعهم وعطف الناس هو عونهم الوحيد بعد الله..."البديل" حاولت أن تنقل معاناتهم في يوم المفترض أن يكون عيدهم . محمد مراد - 60 عاما ،بائع في محل عصير قصب وورث المهنة عن أبيه وجده ، ويعمل في المحل منذ 15 عاما ، يقول أنه وأرباب مهنته خارج حسابات الحكومة في مرحلة ما قبل الثورة و بعدها ، والتي لم تفكر يوما في تأمينهم أو حمايتهم هم وأسرهم من التشرد والضياع ،قائلا " إذا مرض العامل مننا ولاده مش بيلاقو ياكلو". وطالب بأن يكون للعمال حقوق في هذا العهد الجديد ، خاصة وأن أول وعود الرئيس محمد مرسي للعمال كانت المعاشات وتوفير الدعم والتي لم يتحقق منها شئ، في الوقت الذي يعاني فيه الجميع من ارتفاع الأسعار، مطالبا الرئيس بالاهتمام بأصحاب الأعمال الحرة. وأضاف مراد أنهم يعانون من انعدام الأمن، ما يجبرهم على إغلاق المحال في العاشرة مساءا حتى لا يتعرضوا لأي نوع من البلطجة ، مشيرا إلى أن ذلك يؤثر على عدد ساعات العمل الأمر الذي ينعكس على مكاسبهم. وعلى بعد عدة أمتار من "مراد" التقينا بالسيدة " أم منار - 62 عاما، بائعة مناديل ، والتي حكت ل"البديل" مأساتها قائلة: زوجي تركني ولا أعلم عنه شيئا ، ولدي 5 أولاد أحدهم كان يعمل نجار مسلح وأصيب في ذراعه أثناء عمله وأصبح عاطلا ، كما أن ابنتي الكبرى تزوجت وسافر زوجها فعادت للعيش معي ، و ابنة أخرى معاقة لا تتحدث وتعاني من تأخر ذهني، وهو ما اضطرني إلى بيع المناديل بجوار وزارة التعليم العالي بوسط القاهرة منذ 6 سنوات. وأوضحت أن مكسبها ليس بالكثير ولا يكفيها ولكن موظفي الوزارة يعطوها " شهرية " تساعدها على الإنفاق على البيت وأشارت إلى أنها تتمنى أن تحصل على معاش من الدولة، مؤكدة أنها ذهبت إلى مكتب التضامن الاجتماعي لعمل الإجراءات اللازمة، ولكنه رفض لأن زوجها ليس متوفيا ، وعندما قالت لهم أنها لا تعلم مكانه ، طلبوا منها شهادة الهجرة على الرغم من أنه مفقود ولا يعلم أحد عنه شيئا. وبعينين ملأتها الدموع.. أكملت حديثها قائلة: بت ليلة أمس أبكي لعدم قدرتي على دفع 450 جنيه قيمة إيجار الشقة..وأثناء حوار "البديل" معها ..جاءت إحدى الموظفات وأعطتها 100 جنيه وكأنها اعتادت على ذلك. وبضحكة صفراء بائسة قالت " أم منار": الشرطة كانت تأتي كل فترة وتقتادني إلى قسم الأزبكية بسبب بيع المناديل في الشارع .. أما الآن اختلف الأمر تماما ، ولا أحد يضايقني منهم . وعند سؤالها عن مطالبها في عيد العمال ، قالت باكية: أتمنى أن يوفر لنا الرئيس معاشا حتى ولو كان صغيرا ؛ لأستطيع أن أشتري لأبنائي ولو كيلو لحمة في الأسبوع. وواقع آخر لا يصفه سوى مرارة رجل في العقد الخامس من عمره ، يجلس على أحد الأرصفة ويبيع جوارب وأحزمة، وهو محمود ناصر -51 عاما ، والذي قال أنه يجلس على الرصيف منذ خمس سنوات ، ويتعرض لبعض المضايقات من أفراد الشرطة ، ولكنه راض بحاله ولا يتمنى سوى أن تستقر الأحوال في مصر ، وتنتهي الاضطرابات التي تعاني منها مصر ، لافتا إلى أنه يرى أن الشعب أُنعم عليه الله بقدر من الحرية ولكنه لا يحافظ عليها. وأضاف أن لديه مطلب واحد يود لو يصل لرئاسة الجمهورية ، وهو تخصيص معاشات و تأمينات لهم ليستريح من معاناته التي تتمثل في عدم استقرار دخله ووقوفه على الأرصفة وهو في سن متقدم لا يقوى على ذلك، بالإضافة إلى عدم استقرار دخله الذي يعلو ويهبط بلا مبرر طبقا لحالة السوق، في الوقت الذي يلتزم فيه بالإنفاق على أبنائه وبيته. حاولت "البديل" لقاء أكثر من عامل ولكنهم رفضوا الكلام مؤكدين أنهم تظلموا كثيرا بلا طائل.