قوات الدفاع الجوي.. لهيب السماء| شاهد    الغرف التجارية: الاستثمارات الأوروبية داخل مصر تجاوزت ال41 مليار دولار    عمومية الغرف السياحية تعتمد الميزانية والحساب الختامي للاتحاد    بنك القاهرة يحصد جائزة أفضل مقدم لخدمات تمويل التجارة العالمية لعام 2024    الاتحاد الأوروبي: خطوة سموتريتش لتشريع 5 بؤر استيطانية محاولة لتقويض جهود السلام    رئيس الوزراء: نتطلع للاستفادة من الخبرات الأوروبية في التجارة والتصنيع    أستاذ علوم سياسية يستبعد اعتزال نتنياهو للسياسة رغم استطلاع ال66%    التعادل السلبي يحسم مباراة إنبي وبلدية المحلة في الدوري    الغندور: رابطة الأندية تفكر في تأجيل الدوري إسبوعين.. الجدول الأخير «فنكوش»    كامافينجا: ديشامب وأنشيلوتي متشابهان.. ولا أحب اللعب في هذا المركز    الجيزة: كسر مفاجئ بخط المياه بميدان فيني بالدقي والدفع ب7 شفاطات لرفع المياه    «التعليم»: لجنة فنية متخصصة لإعداد تقرير حول مدى مطابقة أسئلة الفيزياء للمواصفات    «الإنتاج الثقافي» يحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو بساحة الهناجر غدا    جامعة سوهاج: تكليف 125 أخصائي تمريض للعمل بمستشفيات الجامعة    القاهرة الإخبارية تعرض تقريرا بعنوان "الإخوان.. جماعة الدم والتطرف"    ليفربول يستهدف التعاقد مع نجم نيوكاسل يونايتد    المقاولون العرب يقبل اعتذار معتمد جمال عن تدريب الفريق    انطلاق التصويت في الانتخابات الرئاسية الموريتانية    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    محافظ المنيا يوجه بوضع آليات عاجلة والاستجابة الفورية لطلبات المواطنين    إطلاق برامج تدريبية مجانية على الخياطة والحاسب الآلي لسيدات جنوب سيناء    أعظم الثورات ومنحت الشباب مكتسبات غير مسبوقة.. رئيس "رياضة النواب" يهنئ السيسي ب"30 يونيو"    ضحية إمام عاشور يطالب أحمد حسن بمليون جنيه.. و14 سبتمبر نظر الجنحة    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    حملات بيئية للتصدي لحرق المخلفات الزراعية والبيئية بالأقصر    نسرين طافش تنشر فيديو أثناء لعبها التنس.. والجمهور: "صباح النشاط"    صراع السينما المصرية على شباك التذاكر.. "أولاد رزق وبيت الروبي وصعيدي في الجامعة الأمريكية" أفلام حققت أرقامًا قياسية بالإيرادات.. والشناوي: السيناريو ونجم العمل من أهم أسباب النجاح    عضو "طاقة النواب": مصر نجحت في عمل بنية تحتية جاذبة للاستثمار    إصدار مليون و792 ألف شهادة صحية مؤمنة ب «رمز الاستجابة» للمقبلين على الزواج    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    سلمى أبوضيف: قصة حبي حصلت صدفة والضرب في "أعلى نسبة مشاهدة" حقيقي    علامات مبكرة للذبحة الصدرية.. لا تتجاهلها واذهب للطبيب فورا    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    ماهو الفرق بين مصطلح ربانيون وربيون؟.. رمضان عبد الرازق يُجيب    الاتحاد الأوروبي يعلن توسيع العقوبات المفروضة على روسيا    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بذكرى 30 يونيو    أكرم القصاص: علاقات مصر والاتحاد الأوروبى تعتمد على الثقة وشهدت تطورا ملحوظا    بدءا من اليوم.. فتح باب التقدم عبر منصة «ادرس في مصر» للطلاب الوافدين    الفريق أسامة ربيع: نسعى لتوطين الصناعات البحرية والصناعات الثقيلة وإعادة الريادة للترسانات الوطنية    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل جواهرجي بولاق أبو العلا ل28 يوليو    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف طواقم الإسعاف والدفاع المدني    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    جليلي وبيزشكيان يتنافسان في جولة الإعادة الرئاسية في إيران    امتحانات الثانوية العامة 2024.. طلاب علمي يشكون صعوبة الفيزياء وارتياح بالشعبة الأدبية بعد التاريخ بالمنيا    السياحة تكشف حقيقة التحذيرات البريطانية والأمريكية لرعاياهما بشأن السفر إلى مصر    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    استعدادات أمنية لتأمين مباراة الزمالك وسيراميكا الليلة    مجلة جامعة القاهرة للأبحاث المتقدمة تحتل المركز السادس عالميًا بنتائج سايت سكور    اليوم.. الحكم علي كروان مشاكل وإنجي حمادة بتهمة نشر الفسق والفجور    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حظك اليوم| برج العذراء السبت 29 يونيو.. بشائر النجاح والتغيير بنهاية الشهر    لقطات من حفل محمد حماقي في «ليالي مصر».. شكر «المتحدة» وأعلن موعد ألبومه الجديد    وزارة التربية العراقية: نتائج الثالث متوسط 2024 محافظة الكرك    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شادي عمر الشربيني:ما بين الإخوان و المخابرات (3-4)
نشر في البديل يوم 28 - 04 - 2013

يزخر التاريخ البشري بقصص الخداع و المراوغين، لكن عرب هذا الزمان سينفردون بأنهم المجموعة البشرية التي لا تعرف أن تتوقف عن الوقوع في الخداع و كأنها مازوشية سياسية، و كأنها تتلذذ بالخديعة التي تتلوها الفجيعة...حتى أصبح الوقوع في الخداع نمارسه كطقوس دينية جماعية واسعة... و لأننا نندفع خلف الخديعة نخباً و شعوباً...فقد هرولنا وراء خديعة الثورة العربية الكبرى، التي قمنا فيها بالثورة و القتال تحت قيادة لورانس العرب نيابة عن جيوش الإمبراطوريتين الإنجليزية و الفرنسية...و ما فعلناه هو أننا قمنا بالتخلص من الأغلال العثمانية و سلمنا أيدينا للأغلال الغربية...عملية تشبه الانتقال من سجن إلى آخر و من سجان إلى آخر...و لولا أدولف هتلر و حروبه في أوروبا لكنا في السجون حتى اليوم...
ثم خُدعنا من جديد في حكاية فلسطين و لحقنا الوعود و تهدئة الخواطر و انتظار العدالة الدولية و جيوش الملوك العرب و الهاشميين و السعوديين التي لم تصل.. ثم خدعنا في عام 67 عندما تعهد العالم كله لنا أن اسرائيل لن يسمح لها بالاعتداء علينا .. ثم خدعنا في كامب دافيد بوعود اللبن و العسل الذي سيحمله لنا السلام الأمريكي .. ثم خدعنا بالحرب على إيران ثم عاصفة الصحراء ... ثم خدعنا بالسلام و بعملية السلام و مؤتمرات السلام و مبادرات السلام.. ثم خدعنا في حرب تحرير العراق من استقلالها الوطني..!!
وبرغم من كل هذه الدروس .. لم نتعلم حرفا واحدا .. ما أحقرنا بين الامم !!
لكن الخديعة الكبرى هي ما نعيشه الآن...خديعة تهدف إلى محو العرب تقريبا من فوق الخريطة...خديعة إبادة العرب بأيدي العرب..!!
هذه السلسلة من المقالات تسعى، من زاوية ما، إلى التنبيه و محاولة فرملة هذا السقوط على منحدر الخديعة...و من زاوية رصد تصاعد بخار الصدام المكتوم بين جماعة الإخوان المسلمين و جهاز المخابرات العامة المصرية... فإنه تم استدعاء سياقات مقولات الصدام في المقال الأول، ثم استدعاء لحظة بدء الاحتكاك في المقال الثاني...ذلك لأن سلامة الوعي تقتضي سلامة الذاكرة، و بناء الوعي هو الهدف الأول لكل كتابة صادقة...و ذلك ما تحاوله أيضا السطور القادمة عبر تتبع تطور العلاقة بين المخابرات و الإخوان في زمني "السادات" و "مبارك".
1- السادات يستدعي التيار الديني
بعد رحيل "عبد الناصر" و تولي "السادات" السلطة، كان كل يوم يمضي يكشف عن أن الرئيس الجديد يخطو على طريق الانقلاب على سياسات و قناعات و أفكار و قيم سلفه، و في سبيل ذلك حالف "السادات" جماعة الإخوان المتشوقة للانتقام من "عبد الناصر" و تجربته، فأتاح لهم حرية التحرك و الانتشار، بل و دعم كامل من أجهزة الدولة.
إن الوثائق الأمريكية، المفرج عنها مؤخراً بمقتضى قانون حرية تداول المعلومات، تكشف عن بعض جوانب ذلك التحالف. فعلى سبيل المثال، تكشف المراسلة السرية التي تحمل الرقم 1976CAIRO04727_b بعنوان «الحكومة المصرية تشجع على ظهور يمين إسلامي»، التي أرسلتها السفارة الأمريكية بالقاهرة يوم 9 إبريل 1976 للقنصلية الأمريكية ببورسعيد، و كذلك وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن، عن قرار الحكومة المصرية بتمويل و تأسيس كتلة يمينية تشمل جماعات التيار الديني، لتبقى على المسرح السياسي في مواجهة الكتلتين الناصرية و اليسارية.
يوضح السفير الأمريكي في المراسلة أن رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية "توفيق عويضة" اتصل به في أكتوبر الماضي «1975» ووجه له دعوة للزيارة، مشيراً إلى أن ذلك كان أول اتصال على الإطلاق بين السفارة الأمريكية و "عويضة".
وتستعرض الوثيقة ما صرح به "عويضة" أثناء اللقاء، من أن الحكومة المصرية قررت تنظيم كتلة يمينية تصد بها الكتلة اليسارية و الماركسية و الناصرية التي تسببت في نشوب حالة من الاحتقان السياسي بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية، التي رأوا قوانين "السادات" الانفتاحية سبباً فيها.
و أيضا فإن الوثيقة الأمريكية، الصادرة بتاريخ 22 يوليو 1976، تروي جانب من استخدام "السادات" لتيار الإسلام السياسي في تجربة التعددية الحزبية، قائلة: «الوجه الإسلامي الوحيد البارز في حزب الرئيس "السادات"، حزب الوسط، هو "عبدالرحمن البيصار"، شيخ الأزهر، وإن كان هناك اسم آخر إسلامي هو "صالح أبو رقيق"، الذى اكتفت الصحافة بوصفه كمسئول سابق في جامعة الدول العربية، لكن من المعروف أنه أحد الوجوه البارزة في الإخوان». و تابعت الوثيقة: «لا بد من التوقف أمام إدراج اسم "صالح أبو رقيق" في الحزب. قال مسئول في السفارة البريطانية لنا الأسبوع الماضي: إن الإخوان رفضوا رسمياً طلبا من "مصطفى كامل مراد"، رئيس كتلة اليمين في التنظيم الاشتراكي، بدعمه رسمياً، ويتردد أنهم قالوا ل"مصطفى كامل مراد" بمنتهى الحزم: إن الإخوان لن يعاقبوا من يمارس العمل السياسي منهم، لكنهم سيقفون ضده بكل وضوح. ويبدو من وجود (أبو رقيق) في حزب (الوسط) أن الإخوان راجعوا موقفهم، وقرروا بشكل غير رسمي أن يدعموا صنيعة النظام، الذى سمح لهم بالظهور والعمل كمنظمة على الأرض».
2- المخابرات في مرمى النيران
لقد كان أقوى و أبرز معارضي "السادات" هم التيارات اليسارية و القومية، و كان لهذه التيارات الحضور الأكبر و الأقوى خصوصا في الجامعات، فتم استدعاء اليمين الديني، ممثلا في جماعة الإخوان بالأساس، في مواجهتهم.
بعد حرب أكتوبر 73، أحس الرئيس "السادات" أنه أكتسب شرعية جديدة خاصة به، و انه لم يعد بحاجة إلى شرعية ثورة يوليو، فاشتدت الحملة على "جمال عبد الناصر" و عصره و تجربته، و وصلت إلى حدود اللامعقول، و بالطبع كان أقوى المنخرطين في هذه الحملة جماعة الإخوان المسلمين، و كان جهاز المخابرات العامة هو أكبر المستهدفين من تلك الحملة، حيث عملت الجماعة على تصويره على أنه سلخانة بشرية يجري فيه كل أنواع التعذيب و التنكيل، و ساهمت سينما السبعينات في ترويج و نشر هذه الصورة عبر أفلام عديدة.
لم تكن تلك الحملة على الجهاز تمت للحقيقة بأي صلة، فالمخابرات جهاز جمع و رصد و تحليل معلومات بالدرجة الأولى، و ليس جهة تنفيذ عمل في الداخل أو إجراء تحقيقات و تعذيب المتهمين، و إزاء تلك الحملة الشرسة، حاول الجهاز تصحيح صورته عن طريق رفع السرية عن بعض عملياته و تحويلها إلى أفلام و مسلسلات، مثل فيلم "الصعود إلى الهاوية" و مسلسلات "دموع في عيون وقحة" و "رأفت الهجان" و غيرها. كان تحرش و حملة الجماعة على المخابرات واضحة و ظاهرة، و لكن الجهاز أكتفى بالمقاومة السلبية، و أستمر في رصد التنظيم الدولي و جمع المعلومات عن علاقات الجماعة و تحالفاتها الخارجية.
3- مبارك و الإخوان...البدايات لا توحي بالنهايات
يخطئ من يظن أن علاقة الإخوان ب"مبارك" كانت كلها عداء كامل، على الأقل في الفترة الأولى من حكمه، فعندما جاء "مبارك" إلي الحكم في أكتوبر 1981 قرر أن يسير علي خطي الرئيس "السادات"، وكان صادقا في قراره ذلك، ولم يفعل مثلما فعل "السادات" الذي كان يسير علي طريق "عبد الناصر" بأستيكة. ومن بين خطي "السادات" كان التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، لم يتعاون "مبارك" معهم كما تعاون "السادات"، فلم يقربهم منه، ولكنه ترك لهم الفرصة كاملة ليعملوا دون أن يعترض طريقهم أحد، بل كانت التعليمات الواضحة التي لا تقبل الشك ولا التأويل من الرئيس شخصيا هي أن يتركوا الإخوان دون أن يعترض طريقهم أحد.
كانت الفترة ما بين 1981 إلي 1991 من أفضل الفترات في تاريخ الإخوان، بدأت الجماعة في الانتشار والتوسع، سيطروا علي كل شيء، الاتحادات الطلابية في الجامعة ("عصام سلطان" المنشق عن الجماعة الآن كان رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة عام 86) وسيطروا علي النقابات المهنية بالكامل، وكذلك أحكموا السيطرة علي نوادي أعضاء التدريس في معظم الجامعات. كانت أجهزة الأمن ترصد تحركات الإخوان، وتعرف إلي أي مدي وصل تغلغلهم في كل المناطق الحيوية في مصر، كانت التقارير الأمنية ترفع إلى "مبارك" تنبه إلى اختراق الجماعة لمختلف هيئات و تجمعات و منظمات المجتمع المدني، و تنبه أكثر من مرة إلي الخطر الذي يمثله الإخوان، الذين يسيرون باتجاه وضع المجتمع في جيوبهم، وفي اللحظة المناسبة فإن الأمر سيكون لهم، لكن الملفت بالفعل أن تأشيرة "مبارك" على هذه التقارير كانت غالبا هي "سيبوهم"، هكذا بالعامية، أو "يحفظ"، فقد كان "مبارك" يرى أيضا أن التهديد الأكبر يأتي من ناحية اليساريين و القوميين، و أن حضور اليمين الديني و صعوده يستطيع ان يردع هذه التيارات و يحاصرها.
لكن الفراق و الصدام و المواجهة ما بين "مبارك" و الجماعة جاء في سنة 1992، في قضية سلسبيل، هي قضية كبري عرفتها مصر عام 1992 وسميت بهذا الاسم نسبة لشركة السلسبيل للمشروعات، التي أسسها المهندس "محمد خيرت الشاطر" و السيد "حسن مالك" للعمل في مجال الحاسبات ونظم المعلومات، وقد داهمتها قوات الأمن واستولت علي كافة الأجهزة والأقراص بها.
كانت الأجهزة الأمنية قد توصلت إلي أن "خيرت الشاطر" من خلال شركة سلسبيل، التي كانت أول و أكبر شركة كمبيوتر تدخل مصر، قد استطاع أن يخترق الأجهزة الأمنية الحساسة ويحصل علي المعلومات الخاصة بها.
لكن كيف ذلك؟
لقد كان الإخوان أهل ثقة وقتها، وكان النظام يأمر الجميع بألا يتعرض للجماعة التي استطاعت أن تحصل علي 37 مقعدا في مجلس الشعب في انتخابات 1987، فلماذا لا تثق فيهم وتتعامل معهم الأجهزة الأمنية؟، كان رجال "خيرت الشاطر" يدخلون الأجهزة الأمنية والسيادية لصيانة أجهزة الكمبيوتر وتنزيل البرامج عليها، وهم في طريقهم إلي ذلك كانوا يقومون بنسخ المعلومات الموجودة علي الأجهزة ويحتفظون بها.
كان هذا هو الخيط الأول في القضية، وكان لابد للأجهزة الأمنية أن تتحرك، طلبت الإذن بالتحرك، فوجدت أن هناك صعوبات فأوصلت الأمر إلي مسئول كبير ومقرب من الرئيس شخصيا، الذي اطلع علي الأمر فأمر بالتحرك الفوري.
عندما دخلت الأجهزة الأمنية إلي مقر شركة سلسبيل لجمع المستندات، وجدت نسخ كاملة من ملفاتها، بل و وجدت ما هو أهم وأخطر من ذلك، كانت الوثيقة الأساسية في القضية هي خطة التمكين التي وضعها "خيرت الشاطر" بخط يده، والتي كانت ترسم طريقا للسيطرة علي كل القطاعات في المجتمع، العسكرية منها والمدنية.
و تضع الوثيقة، المكونة من 13 ورقة فلوسكاب، مهمة التغلغل في قطاعات الطلاب و العمال و المهنيين و قطاع رجال الأعمال و الفئات الشعبية الأقل قدرة باعتبارها حجر الزاوية في خطة التمكين لأن من شأن انتشار جماعة الإخوان في هذه القطاعات - هكذا تقول الوثيقة - أن يجعل قرار المواجهة مع الجماعة أكثر صعوبة ويفرض على الدولة حسابات أكثر تعقيداً، كما أنه يزيد من فرص الجماعة وقدرتها على تغيير الموقف وتحقيق «التمكين».
كما أن وثيقة «التمكين» تشير بوضوح بالغ إلى أهمية تغلغل جماعة الإخوان في المؤسسات الفاعلة في المجتمع، وهنا مكمن الخطورة، لأن المؤسسات الفاعلة في عرف الجماعة ليست فقط النقابات المهنية و المؤسسات الإعلامية و مجلس الشعب ولكنها أيضاً المؤسسات الأخرى التي تتميز بالفاعلية و القدرة على إحداث التغيير و التي قد تستخدمها الدولة في مواجهة الحركة و تحجيمها.
إن وثيقة التمكين لا تقول صراحة ما هي المؤسسات الأخرى التي يجرى تجهيلها عمداً؟! لكن الوصف يشير بوضوح بالغ إلى مؤسسات الجيش و الشرطة.
كما تطرح الوثيقة كيفية التعامل مع أقباط مصر من خلال سياسة تقوم على محورين: الأول محاولة التحييد بإشعارهم أن الإخوان لا يمثلون خطراً عليهم، أما المحور الثاني فيتعلق بتقليل فاعلية دور الأقباط في الحياة العامة وتقليل تأثير حجمهم الاقتصادي في المجتمع.
على أن أخطر ما تطرحه الوثيقة هو رؤية جماعة الإخوان لكيفية التعامل مع قوى العالم الخارجي خاصة الغرب و الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الوثيقة تؤكد أهمية إشعار الغرب وأمريكا على وجه الخصوص بأن الإخوان لا يمثلون خطراً على مصالحهم، وأن من صالح الغرب أن يتعامل مع الإخوان عند التمكين لأن الإخوان يمثلون قوة تتميز بالاستقرار والانضباط.
3- المخابرات و الإخوان...سياسة الاحتواء
قبل هذه القضية، كانت المخابرات العامة المصرية قد بدأت مرحلة جديدة مع الاخوان، ففي بداية التسعينيات، خرج من عباءة التيار الديني عدد كبير من التنظيمات الجهادية.. مثل الجهاد.. و الجماعة الإسلامية.. و التكفير و الهجرة.. وجند الله.. وجند محمد.. و غيرها.. وتسببت هذه التنظيمات المسلحة و العنيفة في مواجهات إرهابية ضد شخصيات ومنشآت بجانب الشرطة.
كلفت المخابرات العامة من الرئيس بوضع خطة للقضاء على ظاهرة التنظيمات الإرهابية التي انتشرت في مصر.. و عقد اللواء "عمر سليمان" مدير المخابرات الجديد في ذلك الوقت، اجتماع مع العديد من القيادات الأمنية المختلفة.. و أكد في الاجتماع على حتمية المواجهة.. قال لا بد من المواجهة.. و جهاز المخابرات، كما هو معروف، ليس له قوة تنفيذية.. وهو يترك مهمة التنفيذ للأجهزة الأخرى.. لكن.. الأجهزة الأخرى كانت تخشى المواجهة.. وشرح المسئولون عنها وجهات نظرهم.. وطالبوا بمهلة زمنية كي يستعدوا للمواجهة.. لكن "عمر سليمان" نصح "مبارك" بأن الوقت مناسب.. ولا يجوز التأخير.. فالتأخير سوف يضاعف من صعوبة المواجهة.. و قد لا ننجح في القضاء على هذه التنظيمات، و بالفعل أستمع "مبارك" إلى نصيحة "سليمان".
راحت المخابرات تتابع هذه التنظيمات وتقدم عنها ما تتوصل إليه من معلومات.. و وجد الجهاز أن الإخوان في ذلك الوقت لا علاقة لهم بالعمليات الإرهابية بشكل مباشر.. كما أنهم لم يعملوا على تحريض هذه التنظيمات، فقام الجهاز باحتضان الإخوان تقريبا، حتى لا يتعاطفوا مع هذه التنظيمات أو يتورطوا معها.
وبدأت المواجهة.. كانت مع الجهاد أولا، وهو ما جعل عناصرها تشعر بالخطر فخرجت قياداتها ومعظم عناصرها إلى السعودية و أفغانستان و باكستان و اليمن.. انتشروا هناك.. و ظلت الجماعة الإسلامية تقاوم.. و أحدثت كثيرا من الخسائر حتى وقعت مجزرة الأقصر التي تغير معها موقف الرأي العام المصري.. و كان الناس في مصر هم اكبر معين لأجهزة الأمن في كشف مخازن أسلحة الإرهابيين و تحديد عناصرهم و قياداتهم حتى انهار تنظيم الجماعة الإسلامية و تم القضاء على ظاهرة الإرهاب في مصر تقريبا.
طوال تلك المدة كان جهاز المخابرات على اتصال بالإخوان المسلمين على فترات مختلفة حتى يرشد تعاملهم مع الدولة.. لكن في هذه الفترة أيضا و بالتحديد في الفترة ما بين عامي (92 - 1993) رصدت المخابرات المصرية ورشة عمل عقدها مركز دراسات الشرق الأدنى، بالتعاون مع مركز الشرق الأوسط في الولايات المتحدة لحل أزمة الشرق الأوسط من وجهة نظر أمريكا.. وكانت تضم ورشة العمل مجموعة مهمة من صانعي السياسات في الولايات المتحدة، منهم : "ديك تشيني"، و "دونالد رامسفيلد"، و "كولن باول"، و "جون كيري". و فى الفترة من (94 - 1995) كانت هناك دراسة أخرجها مركز الشرق الأوسط الأمريكي تحت عنوان (كيف نحرك المياه الراكدة في الشرق الأوسط) وشارك بها أيضا مركز دراسات الشرق الأدنى، لكن الباع الأكبر كان للمركز الأول، وانتهت التوصيات إلى ضرورة نشر (الفوضى الخلاقة).. ثم بدأت الولايات المتحدة تروج لمفاهيم صراع الحضارات، لتهيئ المناخ بالمنطقة للصراع القادم.. و هكذا نرى أن مقالة "صمويل هانجنتون" الشهيرة عن صراع الحضارات، التي أحدثت ضجة كبيرة، لم تكن إبداع فكري خالص للكاتب، بل كان وحي الإدارة الأمريكية حاضر في الموضوع. قدمت هيئة المعلومات والتقديرات بالمخابرات المصرية، تقارير مختلفة ل"مبارك" توضح فيها أن مصر في «الكاتوجرى» رقم 6 الخاص بأمريكا، فهي «الكعكة الكبرى» في سياق خطة «الفوضى الخلاقة»، و أنها ترى إن الحل هو أن يتم تسليم منطقة الشرق الأوسط للإسلاميين وتحديدا جماعة الإخوان لاقتناع الأمريكيين بأنهم سيكونون موالين لهم أكثر من أي نظام آخر، وسيكونون أداتهم في ضرب القومية و العلمانية والتيار المدني العربي.
3- وقفة لا بد منها
و هنا أعتقد أنه من الواجب التوقف عن إكمال السرد التسلسلي و القفز إلى عام 2013، و نستمع إلى حديث "هيكل" في قناة السي بي سي، حيث تكلم عن اجتماع حلف شمال الأطلسي في 2009 في ستراسبورج، الذي فيه وضعت ملامح ما يسمى بخطة طي البساط، و هي كانت خطة لإزاحة ما تبقى من آثار الحرب الباردة في المنطقة.
إن المقصود بإزاحة آثار الحرب الباردة هو إزاحة الأنظمة التي جاءت نتيجة الحرب الباردة و استبدالها بأخرى، و لكن إذا حاولنا أن ندقق بعض الشيء و أن لا نستسلم لمصطلحات الناتو، فإننا نجد أنه ليس المقصود بالضبط هو آثار الحرب الباردة، بل المقصود بالأحرى هو آثار حقب التحرر الوطني، التي أفرزت الدولة الوطنية التي حاولت أن تكون حديثة، و حاولت أن تخلق لنفسها مساحات أو دوائر من الاستقلال، و لكي نفهم جيدا ما هو المقصود، فإنه يتحتم علينا العودة إلى أواخر أربعينيات القرن الماضي، حيث استنزفت الإمبراطوريات القديمة (البريطانية و الفرنسية بالذات) في الحرب العالمية الثانية و بدى ان شمسها تميل إلى الغروب، ساعتها تحركت الولايات المتحدة الأمريكية لترث هذا الدور و هذا النفوذ، و تحل نفسها في المنطقة العربية محل الإمبراطوريات الآفلة، و لكنها اصطدمت بحركات التحرر الوطني الصاعدة، التي رفضت أن تستبدل رايات استعمار قديم باستعمار جديد، و استعانت بالاتحاد السوفيتي و الكتلة الشرقية كحليف أساسي في مواجهة الهجمة الإمبريالية الأمريكية الجديدة، و بالفعل خرجت دول كثيرة عن الطوق في المنطقة، و صنعت لنفسها مساحات من الحركة المستقلة عن الفلك الأمريكي، و كان أحد المهام الرئيسية للقوة الأمريكية طوال الفترة الماضية هو ترويض القطعان الضالة و أعادتها إلى الحظيرة، و قد لاقت تلك المحاولات نجاحات متباينة و مختلفة الدرجات، لكنها في النهاية ظلت دون ما هو مطلوب، و ما إن دخل السوفييت في غيبوبة الانهيار، حتى تم اصطياد العراق في سنة 1990، و كان هذه الحرب هي البداية التي انطلقت بعدها الولايات المتحدة لضرب و تصفية كل ما تبقى من زمن التحرر الوطني، فأمريكا تدرك جيدا أن انفرادها بقمة العالم و عدم وجود خصم حقيقي لها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، هو بالتأكيد أمر مؤقت و محدود بمدى زمني، على الأرجح قصير، فقوانين حركة التاريخ تحتم ظهور خصم و متحدي جديد للإمبراطورية، و حتى ظهور هذا الخصم يجب الاندفاع لتسوية الأوضاع لصالحها حتى لا يجد خصم المستقبل أي مجال للحركة و يبقى محاصرا، ثانيا من أجل تعويض النزيف في الثروة و القوة الذي أصاب الولايات المتحدة في الحرب الباردة.
إذن فإن خطة طي البساط لم تبدأ في 2009 حسب ما قال "هيكل"، بل بدأت قبلها بكثير، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مباشرة أو حتى قبلها عندما كان يعاني سكرات الانهيار، و لم يكن اجتماع ستراتسبورج 2009 سوى حلقة في التنفيذ و إعادة توزيع المهام على أعضاء حلف شمال الأطلنطي، بعد ما أصاب أمريكا ما أصابها من استنزاف في العراق، و أثقل كاهلها تكاليف التوسع الإمبراطوري. إن الحديث عن الفوضى الخلاقة و إعادة ترتيب الأوضاع بل و إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط، مطروح و يجري تنفيذه من التسعينات، حيث سقطت أهمية أنظمة حليفة و لم يعد هناك ما يبرر استمرارها بعد أن أدت دورها و لم يكن يبدوا أنها صالحة للترتيبات زمن قادم، و حيث بدا أن الفرصة سانحة للتخلص النهائي من أنظمة أخرى تشكل صداع في الرأس الأمريكي.
قد يستهول البعض و يستنكر أن تفكر الولايات المتحدة الأمريكية في الإسلام السياسي كحليف لها، فالصورة السائدة في الأذهان هي العداء المطلق بين الغرب عموما و الإسلاميين، و لكن أدعوا القراء الذين يؤمنون بهذا، العودة إلى المقال الثاني في هذه السلسلة، فهو في سياقه يرصد جزء بالغ الضآلة من العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين و كلا من المخابرات الأمريكية و البريطانية بالذات، لقد حدث تعاون وثيق و متين بين الإسلام السياسي و الغرب في مواجهة المد اليساري و صعود حركات التحرر الوطني، بل إن الأمريكيين بالذات يروا أنهم مدينون بنصف انتصارهم على الاتحاد السوفيتي للإسلاميين، و في القلب و على الرأس منهم جماعة الإخوان المسلمين، عندما تولي هؤلاء تنمية و تربية العقيدة الجهادية، بوجهها الديني خصوصا، في عقول و قلوب الملايين من الشباب المسلم، ثم تجنيدهم و إرسالهم للجهاد في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، و قد كان النزيف الحاد و الطويل للسوفييت في أفغانستان هو الضربة القاضية التي أسقطته، لذلك فالإسلام السياسي، و الجماعة بالذات، كان شريك أساسي في إسقاط إمبراطورية الشر، كما كان يحلوا للأمريكان أن يصفوا الاتحاد السوفيتي..!!
4- ما بين الصدام و الاحتواء
المهم أن خطوط تحالفات و ترتيبات بين الأمريكان و الإخوان راحت ترسم مجراها في الأرض العربية و المصرية و كانت المخابرات المصرية من أوائل من رصد هذه العلاقة و نبه لها، و ترافق مع هذا أيضا قضية سلسبيل التي كشفت عن خطة التمكين، ثم ما تواتر من معلومات تم الحصول عليها من الجهات الرقابية والمصرفية والأمنية الدولية، عن أن أربعة في الجماعة هم: "مهدي عاكف" و "يوسف ندا" الذي كان مسئولا عن بنك التقوي قبل تصفيته وتفكيكه، و "سعيد رمضان"، و قد تكلمنا عليه من قبل، و "مصطفي مشهور"، الذي كان المرشد الخامس في تاريخ الإخوان المسلمين، يقومون على جمع التمويل اللازم لتمويل الثورة الإسلامية في مصر التي حددوا لها العام 1995، دعت كل هذه الخيوط و القضايا إلى الصدام بين "مبارك" و الجماعة، و الذي شهد ذروته الأولى في قضية سنة 1995، حيث كانت المحاكمة العسكرية الأولي للإخوان في عصر الرئيس "مبارك". كان رقم القضية 8 لسنة 1995 جنايات عسكرية، حيث تم القبض علي 49 من قيادات الجماعة في 2 يناير 1995، وذلك عقب اجتماع لمجلس شوري الجماعة بمركزها العام بالتوفيقية، وبعد عدة أشهر تم تحويل المجموعة إلي القضاء العسكري، وكانت التهمة هي إعادة إحياء جماعة محظورة، و هي تهمة لم تكن معروفة ولا مألوفة في تلك الفترة، بعد سنوات طويلة من العمل العلني للجماعة. كان "مبارك" يحاول حصار و تلجيم الجماعة برفع يد الحماية عنها، و تحويل ملف الإخوان المسلمين من ملف سياسي إلي ملف أمني - سياسي، أصبح مسئولية أمن الدولة، و إحالة قضاياهم إلى القضاء العسكري، و في نفس الوقت كان جهاز المخابرات على اتصال بهم، حتى يرشد تعاملهم مع الدولة، و يقطع الطريق على تعاطفهم أو تورطهم مع التنظيمات الجهادية التي كانت تشن الحرب على الدولة و تنفذ عمليات إرهابية، خاصة أن دليل عمل و الفكر القائم عليه هذه الجماعات هو بالأساس فكر "سيد قطب" منظر جماعة الإخوان المسلمين الأول... كان الجهاز يعمل على إقناع الاخوان بالمشاركة لا المغالبة.. قالوا لهم: لا تفكروا في أن تحلوا محل النظام.. شاركوا في تطويره.. لكنكم لستم البديل، و عرض الجهاز على الإخوان المسلمين أن يشكلوا حزبا مثل الوفد و التجمع و الوطني و غيره.. ليتم التعامل معهم سياسيا.. والتفاعل مع برامجهم.. و لكن بشرط أن يكون هناك حزب فقط و تحل الجماعة.. الاثنان معا لا يجتمعان.. فوجودهما معا هو نوع من خلط الأوراق الشديد.. عند هذه النقطة كان الحوار ينقطع.. فقد كان الإخوان مصممين على بقاء الجماعة بتنظيمها وأهدافها وسلوكياتها.
و بينما كانت المخابرات المصرية تسعى لبناء جسور للحوار مع الجماعة في الداخل لاحتوائها و الفصل بينها و بين التنظيم الدولي، المصدر الأول لكل المخططات الانقلابية، لم تتوقف عن متابعة التنظيم الدولي لحظة واحدة، و راح ملف التنظيم يكبر و يتضخم كل يوم بالمعلومات و الأسرار و التفاصيل و التقارير، حتى أضحى جهاز المخابرات العامة المصرية هو، بدون أدنى مبالغة، أكثر جهاز مخابرات في العالم يعرف عن الجماعة و تنظيمها الدولي.
قالوا:
"الغباء هو...معرفة الحقيقة...رؤية الحقيقة...و الإيمان بالأكاذيب
من الصعود إلى الصدام ... زمن السادات و مبارك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.