لا أبالغ إن قلت أن جهاز أمن الدولة كان من أحد أسباب قيام و نجاح ثورة 25 يناير ..وحتى لا يتهمني البعض بالمبالغة بل فلابد أن أقدم دفوعي لها الإدعاء الخطير فأنا اعتقد أن شعب مصر كان صابراً محتسباً علي إفقاره بل وصبر علي الظلم أكثر ..فما الذي أختلف في 25 يناير عن عشرات السنين ظن فيها البعض أن المصريين استعذبوا الفقر والقهر والظلم وأصبحوا لا يستطيعون العيش بدونه ...! هنا أجزم أن الغرور والانتفاخ الذي أصاب هذا الجهاز الأخطبوطي والذي سيطر علي كل مؤسسات ومقدرات مصر تحت دعوي حماية أمن الدولة وهو في الحقيقة كان يحمي أمن النظام وأمن الفاسدين الذين أنتشر بعضهم داخل مفاصل هذا الجهاز الخطير .. لقد كان جهاز أمن الدولة الراعي الرسمي للظلم الفاقع البين والفساد العظيم المستشري في بلادنا .. أمن الدولة يا سادة خلاف إشرافه علي جميع السجون وأقسام الشرطة وجميع المعتقلات وسلخانات التعذيب الموجودة في مقاره ومسئوليته المباشرة عن ما وقع فيها من تعذيب يفوق ما حدث في العصور الوسطي إلا أنه كان الذراع القريبة الحقيقية لتنفيذ الفساد في بر مصر كله فمؤسسات الرئاسة وبعض الجهات السيادية يدها لا تطول الكثير من المناطق المؤثرة في مصر ومع هيمنة أمن الدولة علي جميع فروع وزارة الداخلية بسط أمن الدولة سيطرته وسطوته علي كل شبر في مصر .. حتي أصبح مخبر أو أمين شرطة في هذا الجهاز أقوي من رئيس مجلس إدارة مؤسسة أو شركة بل أقوي من لواء شرطة في إدارة أخري من إدارات وزارة الداخلية فتقارير أمن الدولة طريقها مفتوح في كل أنحاء مصر لتطيح بمن تشاء بدم بارد فلا مكان للكفاءة والأمانة والإبداع الفيصل هو رضاء هذا الجهاز عن الشخصيات المرشحة في أي منصب في مصر حتي ولو كان شياخة حارة في نجع من نجوع الصعيد الجواني ..! تسأل عن التعيينات في قطاع البترول والبنوك والشركات الكبيرة فيقال لك عن طريق أمن الدولة .. تسأل عن هدم الفيلات والبناء المخالف في أماكن حيوية لا تخطئها عين الجهات المراقبة والمعنية فتعرف أن ثمة مسئول في أمن الدولة قد مر من هنا ..! تسأل عن التعديات الصارخة علي حرم النيل فتعلم أن مسئول من أمن الدولة يحمي المتعدين ..! تسأل عن تجفيف بحيرة مريوط وبعض المنشئات السياحية المقامة في منتصف البحيرة فيقال لك صاحبها مشارك قيادات في أمن الدولة تسأل عن العمادة في الجامعات ورئاسة الأقسام والترقيات فيقال لك هذا شغل أمن الدولة تسأل عن سرعة الترخيص لمشروع أو مصنع أو تعطيله وإلغاءه فيقال لك أمن الدولة تسأل عن سيارة مخالفة بدون أرقام فيقال لك أمن الدولة تسأل عن التستر علي قيادات فاسدة رغم نشاطها الواسع وفسادها البجح فيقال لك امن الدولة تسأل عن تجميد النقابات والتستر علي فساد القائمين علي حراستها فيقال لك أمن الدولة تسأل عن التزوير في الانتخابات في كل بر مصر فيقال لك أمن الدولة تسأل عن اضطهاد النابغين وملاحقة العلماء فيقال لك أمن الدولة تسأل عن ضرب المعارضين وإلقائهم في الصحراء فيقال لك أمن الدولة تسأل عن التنصت والتجسس علي المواطنين فيقال لك أمن الدولة .. تسأل عن صعود الأفاقين والفاسدين في غالبية مؤسسات مصر و انزواء الشرفاء الجادين فيقال لك أمن الدولة تسأل عن الأحزاب الكرتونية وشخصيات معروفة بعينها لتفخيخ الأحزاب الجادة فيقال لك أمن الدولة تسأل عن الشلل الذي أصاب منظمات المجتمع المدني من جمعيات أهلية ونوادي ومنظمات حقوقية فيقال لك أمن الدولة .. تسأل عن إسهال قرارات الاعتقال وضرب عرض الحائط بقرارات الإفراج فيقال لك أمن الدولة تسأل عن شخص مغرور يتعامل مع الناس بعنجهية وقلة ذوق فيقال لك أمن دولة تسأل عن الوجوه الإعلامية القبيحة فيقال لك امن الدولة تسأل عن اضطهاد القوي السياسية المحترمة من إخوان مسلمين و6 إبريل وكفاية وغيرهم فيقال لك أمن الدولة تسأل عن حجب صحف وغلق مواقع وهدم مدارس ومستشفيات فيقال لك أمن الدولة تسأل عن قتلي ومصابين بعاهات مستديمة وتقارير الطب الشرعي تقول إنها وفاة طبيعية فيقال لك أمن الدولة تسأل عن التستر عن الزبانية والجلادين والمجرمين القاتلين من وزارة الداخلية فيقال لك أمن الدولة أخيراً ... آلا يكفي كل ما سبق أن يجهز جيش من المظلومين والمقهورين ظلمهم هذا الجهاز اللعين ليكونوا نواه لثورة 25 يناير .. لقد أطلق الشباب الشرارة بجرأتهم ودون حسابات فتلقفتها مصر كلها عن بكرة أبيها لأن أمن الدولة مهد الطريق ... ربما كان حرق بوعزيزي ألهم الشعب التونسي فتفجرت الثورة.. لكن جهاز أمن الدولة أحرق قلوب ونفوس ملايين المصريين ظلماً وفساداً واعتقالا وقتلاً فكانت الثورة .. لا أجد ما أختم به هذا المقال إلا ..شكراً أمن الدولة ..!!