هياكل عظمية، جلود، رءوس خرفان وحمير نافقة، روائح جثث متعفنة تملأ السماء، أدخنة سوداء تخرج في هدوء بعد ليلة من حريق بجانبي الطريق لعشش النهضة الكائنة بجوار أسوار ستاد الإنتاج الحربي بوابة 6 مدينة النهضة التابعة لحى مدينة السلام. عفوا لم تعد عششًا لكنها أصبحت هى والأرض سواء، ولم يكن ذلك الوصف مشهدًا من فيلم ملحمي، لكنه العقاب الجماعي الذي تتبعه الداخلية بعد الثورة، إنه الثأر الذي تتعامل به مع المواطنين، فبدلا من أن تقبض على المتهم في قضية قتل النقيب محمود المحرزي - معاون مباحث قسم شرطة ثان السلام – والتي وقعت أواخر مارس الماضي، تقوم بحرق عشش عرب النهضة وتقتل احد المواطنين، وتحول دورها من تطبيق القانون إلى تطبيق البلطجة على خلق الله. رصدت "البديل" آثار الحرائق واستمعت إلى روايات أهل العشش، لعلنا نجد ردًا من أى مسئول في هذه الدولة يفسر لنا ما هذا الأسلوب الذى مارسته الداخلية، وهل نحن أصبحنا في زمن الحرق؟، وهل هناك محاسبة على قتل أحد المواطنين وحرق مواشيهم.. أم أن الداخلية عندما استردت قوتها لا تجد سوى الضعفاء لتتغول عليهم؟! تقول ثناء عيد – أرملة – فوجئنا منذ أيام بحملة كبيرة من قوات الشرطة تقوم بالهجوم على العشش وإحراقها وإطلاق النيران من الأسلحة الآلية على الخراف والأهالي الذين يرفضون الخروج من عششهم، وكان ذلك بعد صلاة العشاء بحجة أنهم يبحثون عن المتهم الذي قتل معاون قسم السلام، مضيفة أنهم تعاملوا مع أهل العشش بمنتهى العنف، وكانوا يشعلون النيران فى العشش دون أن ينتظروا إخلاءها، وتبكى قائلة: "ما ذنب الخرفان والحمير التى يحرقونها؟ وإذا كانوا يبحثون عن المتهم ما ذنب الأهالى الأبرياء الذين لم يرتكبوا جرمًا، هل القانون يحاسب المجرم وجيرانه؟! وتضيف إحسان محمود – 55عامًا: "الحكومة ولعت فينا وفى الغنم اللى بناكل منه عيش، أنا بعتمد على المواشى فى تربية ابنتى اليتيمة، فليس لدينا معاش أو مصدر رزق آخر، إحنا راضيين لو الدولة سفرونا إسرائيل افضل من المعاملة التى وقعت منهم، والتى أجبرونا أن نخرج بما نرتديه من ملابس، وقاموا بإحراق كل ما نملك من أجهزة كهربائية وعشش وملابس ومواشي. والتقطت منها الحديث رابحة عيد – مطلقة – قائلة "هذه العشش أغلب من يعيش بها نحن السيدات، من أرامل ومطلقات، ونرعى هذه الأغنام من أجل أن ننفق على أولادنا، فلدى ثلاثة أطفال، وكلهم بالمراحل التعليمية المختلفة، فبعد خراب بيوتنا هل الحكومة ستوفر لنا معاشًا شهريًا لكي نعيش منه، مشيرة إلى أننا لم نكلف الدولة شيئًا ولم تكن لدينا أى طلبات، كهؤلاء الذين نشاهدهم يعتصمون ويقطعون الطرق، ووافقنا على العيش فى هذه العشش الخشبية رغم المخاطر التى نتعرض لها، وبعد كل ذلك نجد الدولة تتعامل معنا كمجرمين وبلطجية وتحرق بيوتنا وأكل عيشنا المتمثل في الخرفان والدواجن والحمير التي تمثل لنا وسيلة مواصلات. بينما تصرخ هذه السيدة العجوز أم حسين – مطلقة – جئت إلى عشش النهضة منذ أربعين عاما، تعود إلى أيام التهجير والحرب من السويس إلى الإسماعيلية حتى الاستقرار فى هذه المنطقة، ولم أشهد طيلة حياتي - من العنف وبطش الحكومة كما حدث الأيام الماضية - والتي قضيتها في العمل بمقلب القمامة المجاور للعشش، وفرز الكرتون والبلاستيك وبيعها للإنفاق على أولادى التسعة، بينما تأكل الماشية بواقى الأطعمة والخضار، وتكمل باكية، نحن لو يهود لما أحرقت الدولة عششنا، وتطارد النساء وتجبرهن على الخروج من العشش تحت تهديد السلاح والسباب المستمر، بل تشجع البلطجية على سرقة ما تبقى من حيوانات ناجية من الحريق. وأثناء حديث "البديل" مع سيدات العشش استمعنا إلى نفير إحدى عربات الشرطة لكنها لم تتوقف، الأمر الذي تسبب في رعب شديد للسيدات، وظللن يصرخن بعده خوفا من هجمة جديدة يتعرضن لها، حيث تقول أم كريم - أرملة – إنه من ساعة حرق العشش ونحن نحاول أن نبنى مما تبقى من قطع الأخشاب والبطاطين ما نحتمى به، لكن كل يوم تأتي الشرطة وتقوم بإزالته من جديد، ولا نعرف السبب، متسائلة: "ما الذى تريده الداخلية بعد أن قضت على الأخضر واليابس وحرقت كل ما نملك، فضلا عن أننا لدينا عروسة سوف تتزوج قريبا فقدت هى الأخرى جهازها الجديد من ثلاجة وبوتاجاز وادوات منزلية فى هذا الحريق. وفجأة عادت عربة الشرطة ونزل منها ضابط وقام بالاقتراب من عشة مهترئة وحاول هدمها وبمجرد أن لاحظ كاميرا "البديل" تصوره، غضب وصاح قائلا: "بتصوري إيه؟؟، ثم توقف عن هدم العشة وانسحبت سيارة الشرطة على الفور. وعلى عكس الصورة النمطية التي تروج عن ساكني العشش بأنهم مصابون بالجهل وغير متعلمين، تقول هبة خلعي – 19 عاما - إنها ولدت فى هذه العشش وأنها فخورة بوجود أمها التى تحملت غياب الأب واستطاعت من مقلب القمامة ان توفر لنفسها فرصة عمل لتنفق عليهم، مضيفة أن الصورة التى تروجها وسائل الإعلام او الداخلية بعد هجمتهم الأخيرة ان العشش وكر للمخدرات والبلطجة، فهذا كلام غير صحيح، متسائلة أين البلطجية ومن يسكن بالعشش سيدات مكافحات اغلبهن أرامل ومطلقات يرتزقن من الدواجن والمواشي، مشيرة إلى أن البلطجية والمخدرات توجد فى ملاعب شيحة والداخلية متواطئة معهم، لاستخدامهم فى الوقت المناسب في أى ظرف سياسي. ولم تكتف الداخلية بقتل المواشي بل قتلت أحد المواطنين خلال حملتها على العشش تقول فاطمة عيد – مطلقة – إنها استمعت لأحد ضباط الحملة يهددهم، قائلا: "لسه حق النقيب المحرزى مرجعش واحنا هنوريكم"، مضيفة أنهم لم يكتفوا بمقتل الرجل العجوز "عم سويلم" الذى يبلغ من العمر 65 عاما، بل قاموا بالتمثيل بجثته في النهضة كلها وهو جثة هامدة، كما أنه بعد مجىء المطافي بناء على طلب سكان البلوكات المطلة على العشش، قام أحد الضباط بوضع السلاح على رقبة رجل المطافى وطلب منه العودة وعدم إطفاء الحرائق. وفى النهاية تطالب عايدة محمد – إحدى ساكني العشش - بضرورة تعويضهم عن المواشي التي تزيد على 2000 رأس، والتى تمثل مصدر رزقهن، والتي قاموا بحرقها وهى حية دون رحمة بالحيوان، بل قاموا بالحفر على أعماق كبيرة حتى يدفنوا فيها هذه الحيوانات النافقة حتى يخفوا آثار فعلتهم عن النيابة التي جاءت تحقق فيما بعد، بالإضافة إلى تخصيص هذه القطعة من الأرض ليقيموا عششًا عليها، قائلة "نحن لا نريد شققًا سكنية، فهى لا تتناسب مع الطبيعة الرعوية التي نعمل بها كعرب للنهضة، لذا نحتاج هذه القطعة من الارض ويخصص لكل اسرة 100 م نقيم عليها العشش، وأن تبتعد الشرطة عن مطاردتنا يوميا وتهديد حياة اطفالنا ورزقنا. أما عن ظروف المعيشة بعد حرق الداخلية للعشش فتقول حميدة سالم – أرملة – إننا نأوي فى المحلات التى توجد أسفل البلوكات، حيث يسمح ملاكها لنا الاحتماء بها من برد الليل، أما الآخرون فيفرشون فى العراء وينامون، فليس لدينا أى بديل آخر. أخبار مصر – البديل عفوا، ما ذنب الخرفان ؟! هل الداخلية تطبق القانون أم تأخذ بالثأر؟ الأهالي: الشرطة قتلت أحد مواطني العشش ومثلت بجثته الداخلية حرقت المواشي والعشش وننام الآن في العراء