اعتبارا للقيمة القانونية والأدبية للجنة التعديلات الدستورية، لاسيما رئيسها المستشار طارق البشري الذي يكن له الكاتب احتراما ومحبة بالغين، كنا نعوّل على هذه اللجنة في توسيع نطاق الإصلاحات الدستورية لتكريس مسيرة تحول مصر إلى نظام حكم ديمقراطي صالح، خاصة بما يهدي عملية إعداد الدستور الجديد بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة. ولكن التعديلات التي أفصح عنها حتى الآن،على حسن ما تضمنت، لا تفي للأسف بالأمال التي كانت معقودة على اللجنة، وعلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كليهما. والغرض أن تسهم مناقشة هذه الإصلاحات الآن في التحضير لنقاش وطني مستنير يهدي عملية إعداد الدستور الجديد والكاتب يتفهم أن لجنة التعديلات والمجلس الأعلى للقوات المسلحة يغلب عليهما الانتماء لجيل الشيوخ، ومن ثم الذهنية الحذرة، حتى لا نقول المحافظة. ولكن هذا أمر، والإبقاء على البنى القانونية والمؤسسية لنظام الحكم التسلطي الذي أسقطته ثورة شعب مصر أمر آخر، يضر بحلم بناء مصر الحرية والديمقراطية الذي قامت الثورة من أجله. فلن يمكن بناء مصر الحرية والديمقراطية بذهنية محافظة. بل إن الحفاظ على البنى القانونية والمؤسسية للحكم الذي أسقطته الثورة، يعد تفريطا في حماية الثورة وقد يعوّق مسيرتها، أو يزيد من تكلفة نيل غاياتها بما لا يقبله وطني حادب على نهضة مصر. لقد اهتمت التعديلات الدستورية بشخص رئيس الجمهورية وشروط الترشح للمنصب، ومدة بقاء الشخص المنتخب له في السلطة، فوق أي اعتبار بينما لم تضع، كما كان قد أعلن إبان عمل اللجنة، أي قيود على السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية في الدستور المعيب القائم، بحثٍ من المجلس العسكري على ما يبدو. ويشي هذا بأن اللجنة والمجلس العسكري يميلان لنظام الحكم الفردي، الأمر الذي يتهدد نظام الحكم في مصر بإمكان تحول أي رئيس قادم، مع الإبقاء على السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية، بطبيعة النفس البشرية، إلى مستبد غشوم، حيث السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. بل يمكن أن يهدر الإبقاء على السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية فرصة صوغ دستور جديد أفضل من ذلك المُرّقع والمرتبط بشرعية منهارة، كما أعطت التعديلات الرئيس حق تعيين نائبه وكان الأجدر ديمقراطيا، انتخابه شعبيا. وبدا الانشغال بشخص الرئيس القادم أيضا، وربما الحرص على تفضيل ترشح جيل الشيوخ للمنصب، في عدم وضع حد أقصى لسن الرئيس، الأمر الذي كنا نربأ باللجنة وبالمجلس عن الوقوع فيه حيث شهدنا في البلدان العربية، وفي مصر تحديدا، رؤساء شاخوا وخرِفوا على سدة الحكم. والواجب عندي أن تتوفر الإصلاحات الدستورية على إفساح المجال واسعا لتبوؤ الأجيال الشابة من أبناء مصر مهمة بناء مصر الحرية و الديمقراطية، فلن يبنى مصر تلك إلا الأجيال التي كانت طليعة ثورة شعب مصر، وقدمت شهدائها. كما ظهر ذلك التركيز على شخص الرئيس الفرد في الشروط التي وضعت على جنسية المرشح للرئاسة وأبويه بل وزوجه. وأحمد لهذا التعديل أن لم يقصر الترشح للمنصب على الرجال، وإن كنت أتفق مع ضرورة قصر جنسية مرشح الرئاسة ووالده على مصر، فلا أجد غضاضة، في ضوء الانتماء العربي الأصيل لمصر، ودورها المأمول في قيادة الوطن العربي، في أن يكون المرشح للرئاسة متزوجا من عربية وأتمني أن يفرِّق الدستور الدائم بين الزواج من عربية، سامِحا به، ومن أجنبية غير عربية، مبقيا على منعه. وعلى العموم فإن التطور الديمقراطي السليم يقتضي في اعتقادي، ضرورة التحول من التركيز على الرئيس الفرد، كما في الدستور المعيب الراهن إلى مؤسسات الحكم الديمقراطية وضمان تقييد سلطات الرئيس وبيان حدود أي مؤسسة من خلال الفصل بين السلطات والمساءلة الصارمة لجميع الأفراد في جهاز الحكم، وربما التحول في وقت ما قادم لمجلس رئاسي بدلا من رئيس فرد؛ أو تبني نظام الجمهورية البرلمانية حيث الرئيس لا يتولى مهاما تنفيذية بل يقوم عليها رئيس وزراء منتخب يخضع لمساءلة مجلس الشعب. وما كان ينبغي في تقديري الإبقاء على حق الرئيس في تعيين ثلث أعضاء مجلس الشورى، والأوفق أن تخفص هذه النسبة في الدستور الجديد إلى مالا يزيد عن 10 في المائة، إن تقرر الإبقاء على هذا المجلس في الدستور الجديد. وفي الإجراءات، فإن التعجيل بالانتخابات من قبل حل حزب الحاكم المخلوع ومجالس المحليات المزوّرة، وبالنظام الفردي، قد يسمح، أو يضمن، أن يكون لهذا الحزب النافق أغلبية، أو أقلية مؤثرة، ويقلل من حضور القوى الأحدث، في مجلس الشعب القادم مايمكن أن يعيق التوصل لدستور يضمن الحرية والديمقراطية بحزم وصرامة، خاصة إن لم يكن الرئيس القادم متعاطفا مع دستور ديمقراطي بحق يقلص سلطات رئيس الجمهورية. ولذالك فإن ضمان التطور الديمقراطي السليم، وفاء لحق الثورة ودماء شهدائها، يتطلب في نظري حل حزب الحاكم السابق والمجالس المحلية المزورة، قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتقديم إجراء الانتخابات الرئاسية مع إطلاق حرية التنظيم في المجتمعين المدني والسياسي في أقرب أجل بما يمهد الأرضية السياسية لنشأة كيانات سياسية تعبر عن نبض الثورة تتنافس على الانتخابات التشريعية، ثم إجراء الانتخابات التشريعية بعد ذلك بالقائمة النسبية. مع الاستغناء عن مجلس الشورى في الدستور القادم. وحيث لم تصدر الإصلاحات رسميا بعد، فما زال يحدونا الأمل، لمصلحة الثورة، أن تصدر الإصلاحات الدستورية في صورة إعلان دستوري مؤسس على الشرعية الثورية وليس كترقيع لدستور فاسد سقط بسقوط النظام البائد.