أثنى العاملون بالقطاع المصرفي وتحديدًا في مجال التمويل العقاري على فكرة واتجاه العديد من البنوك لتأسيس مدن سكنية بتمويل ذاتي وبمساعدة فنية من الجهات المختصة، وعلى رأسها شركات المقاولات والتشييد والبناء. وأجمعوا على أنها ستحرك المياه الراكدة في سوق العقارات منذ نهاية 2008، وقد تكون بمثابة "طوق النجاة" للقطاع في مجمله، لا سيما وأنه يعانى من العديد من الترهلات الفترة الماضية، وتحديدًا بعد الثورة، وتأثرت كافة القطاعات الاقتصادية بالحالة التي تمر بها البلاد. هذا الإجراء يضر بشركات التمويل العقارى: محمد سمير عضو مجلس إدارة وأمين صندوق الجمعية المصرية للتمويل العقارى ومدير العمليات السابق لشركة الأهلى المتحد للتمويل العقارى يقول إن اتجاه البنوك لإنشاء مدن سكنية بهدف تنشيط القطاع هى فكرة جيدة إلا أنها غير متاحة إلا لبنكى التعمير والإسكان والبنك العقارى؛ باعتبارهما البنكين المسؤلين عن تطوير القطاع فى مصر. وأضاف أن البنك المركزى استثنى البنكين السابقين من بعض الضوابط التى تسرى على البنوك والشركات الأخرى المتخصصة فى هذا المجال، حيث أعطى لهما حق تملك العقارات، بالإضافة لاستثنائهما من الضوابط الخاصة بالأراضى التى آلت إليهما من المتعثرين، حيث يفرض المركزى على البنوك التخلص من هذه الأصول فى فترة أقصاها خمس سنوات، وأعفى البنكين السابقين من هذا الشرط، وسمح لهما بالبناء عليها أو الاستثمار فيها؛ ومن ثم سهل مهمتهما فى إنشاء مدن سكنية. وردًّا على سؤال حول وجه استفادة البنك من إقامة مثل هذه المدن السكنية قال سمير إن هذا الإجراء يوفر بعض الشيء فى التكاليف؛ نظرًا لأن البنك يكون فى هذه الحالة مالكًا ومطورًا وممولاً فى نفس الوقت، إلا أنه من ناحية أخرى يزيد من الأعباء المفروضة عليه؛ لذلك من الأفضل التخصص، كل فى مجاله. وأشار إلى أن قيام البنوك بهذا الإجراء يضر بشركات التمويل العقارى؛ لأن هذا المجال يتميز بأنه طويل الأجل تصل مدته إلى 15 أو 20 سنة، وهو ما لا تقدر عليه هذه الشركات، بالإضافة إلى أن المطورين العقاريين يقومون أيضًا بدور الممول، ويعطون للعملاء تسهيلات فى السداد تصل إلى سبع وعشر سنوات، وهو ما يلغى دور شركات التمويل العقارى؛ لذلك طالب سمير بضرورة أن يتخصص كل فى مجاله، بحيث يكون دور المطور العقارى هو البناء والتشييد، ودور البنوك وشركات التمويل العقارى هو التمويل. ورغم تأكيده على أن قيام البنوك بإنشاء مدن سكنية فكرة جيدة نسبيًّا، إلا أنه أكد فى الوقت ذاته أنها لن تحل مشكلة الركود الذى يعانى منه السوق العقارى وأن مشكلات هذا السوق أكبر من أن تحل بمثل هذا الإجراء، مشيرًا إلى أن هذا المجتمع يعانى من مشكلة تسجيل العقارات؛ حيث إن 10% فقط من العقارات هي التى تم تسجيلها ووزارة العدل ومصلحة الشهر العقارى غير متعاونة فى ذلك. فضلاً عن ارتفاع رسوم التسجيل والتى تصل إلى 2% من إجمالى قيمة العقار، مشيرًا إلى أنه على الرغم من تخفيضها أكثر من مرة من 13% إلى 10%، ثم 6%، ثم 3%، ثم إلى 2%، إلا أن هذه النسبة ما زالت مرتفعة، وهناك مطالبات عديدة بتخفيضها إلى 1%. هذا بجانب مشكلة تسجيل العقارات فى المجتمعات العمرانية الجديدة. لا يمكن دخول البنوك بشكل مباشر فى البناء والتشييد: واتفق معه علاء بندق مسئول التمويل العقارى بالمصرف المتحد في أن اتجاه البنوك لتأسيس مدن سكنية هو فكرة جيدة قد تساعد نسبيًّا على تنشيط السوق العقارى فى مصر، كما أنها فى الوقت ذاته تساعد البنك على استثمار الأصول والأراضى التى آلت إليه من المتعثرين، وأكد أن البنوك لا يمكنها أن تدخل بشكل مباشر فى عمليات البناء والتشييد والاستثمار العقارى محظور؛ وذلك وفقًا لتعليمات البنك المركزى، وإنما يمكن أن يتم ذلك من خلال وسيط وهو شركات الاستثمار العقارى. وأشار بندق إلى أنه رغم جودة الفكرة، إلا أن ثأثيرها على إعادة الرواج للسوق العقارى سيكون محدودًا؛ وذلك نظرًا لارتفاع أسعار مواد البناء من جهة ونظرًا لحالة عدم الاستقرار السائدة والتى أثرت بقوة على دخول الأفراد والتى تعتبر المحرك الأساسى لهذا النشاط، فضلاً عن المشكلات التى تعانى منها منظومة التمويل العقارى ككل وعلى رأسها مشكلة التسجيل. هناك 6 مليون وحدة سكنية لم يتم شغلها: فيما عارض أحمد عفيفى مدير إدارة الاستثمار العقارى بأحد البنوك الأجنبية هذه الفكرة، مشيرًا إلى أن دور البنك هو دراسة المشروع وتمويله فقط، أما البناء والمتابعة والتسويق فهى من اختصاص شركات المقاولات والتسويق، وأضاف أن قيام البنوك بمثل هذا الإجراء يعنى ضرورة أن يتوافر لديها فريق من المهندسين والعمال والمتخصصين فى التسويق، وهذا أمر صعب للغاية؛ لذلك يجب أن يقوم كل بدوره وتخصصه، وفى هذه الحالة ستكون النتائج أفضل. ورأى أن البنوك إذا قامت بهذا الإجراء فسيكون إما بهدف التخلص من أراضٍ آلت إليها من متعثرين ولا تستطيع بيعها، فلجأت لهذا الإجراء؛ لتعظيم قيمتها وبيعها على شكل شقق سكنية، وإما بهدف زيادة أرباحها؛ لأنها فى هذه الحالة ستكون مالكًا وممولاً ومطورًا، وبالتالى ستكون أرباحها كبيرة، هذا بالإضافة إلى عنصر الضمان الذى يتحقق ببناء البنك على أراضٍ مملوكة له شخصيًّا وليس لأفراد آخرين. وأضاف عفيفى أنه يشترط لنجاح هذه التجربة فى تنشيط القطاع العقارى أن تقام هذه المدن فى أماكن مناسبة وتحتاج بالفعل لوحدات جديدة وليس لمجرد أنها أراضى متعثرين ويسعى البنك لإعادة استغلالها بهدف التخلص منها، كما يشترط أن تكون أسعار الوحدات مناسبة. وأكد عفيفى أنه حتى فى حالة نجاح هذه التجربة فإنها ستكون مجرد خطوة بسيطة فى طريق التمويل العقارى الذى يحتاج إلى إعادة النظر من جديد فى المنظومة ككل، خاصة فيما يتعلق بتسعير الأراضى ومواد البناء وحل مشكلات التسجيل، مشيرًا إلى أن المشكلة لا تتمثل فى عدم توافر الوحدات السكنية وإنما فى عدم ملاءمة هذه الوحدات للغالبية العظمى من أفراد الشعب، مستدلاًّ بأن هناك حوالى 6 مليون وحدة سكنية فى مصر لم يتم شغلها حتى الآن. المصرف الإسلامى أنشأ شركات ومصانع وفشل في إدارتها: واتفق مع الرأى السابق ممدوح عبد اللطيف مسئول التمويل العقارى بأحد البنوك الأجنبية، حيث أكد أن وظيفة البنوك هى التمويل فقط وليس من اختصاصها تأسيس مدن سكنية؛ لأن هذا هو بالأساس نشاط شركات المقاولات، مشيرًا إلى أن هناك العديد من التجارب الفاشلة التى نتجت عن عدم التخصص فى الأدوار، ومثال ذلك المصرف الإسلامى الذى قام بإنشاء العديد من الشركات والمصانع ولم ينجح فى إدارتها، وكان مصيره الإفلاس. وأضاف أن قيام البنوك بهذه الخطوة لن يحل مشكلة التمويل العقارى التى تحتاج لأكبر من ذلك بكثير، فمصر ليس لديها حتى الآن آلية لتسعير الفائدة لفترات طويلة تصل إلى 20 سنة، فضلاً عن ارتفاع رسوم تسجيل العقارات وكذلك ارتفاع أاسعار الأراضى. حلول غير تقليدية: محمد عبدالمنعم رئيس قطاع الاستثمار ببنك التعمير والإسكان سابقًا ونائب رئيس شركة التعمير والإسكان للاستثمار العقارى يقول إن تنشيط قطاع التمويل العقارى يحتاج أكثر من هذه الخطوة كما يحتاج لحلول غير تقليدية، مثل التى قامت بها البرازيل والمكسيك، حيث قامتا بحل مشكلة العشوائيات عن طريق شراء الأراضى من ساكنيها نظير إعطائهم وحدات جاهزة، وقاموا باستغلال هذه الأراضى فى إقامة مشاريع وعقارات ساهمت فى تطوير القطاع، بالإضافة لضرورة استخدام التقنيات الجديدة الخاصة بتقليل تكلفة الوحدة بنسبة تصل إلى 40% عن طريق استخدام طرق حديثة فى الإنشاء والتى يعمل بها فى كثير من دول العالم وتكون قوة المبنى ضعفي المبانى المشيدة بالطريقة الطبيعية. وأضاف عبد المنعم أن هناك ضرورة للعمل بمبدأ الإيجار التمليكى بحيث يبدأ المتزوجون حديثًا بوحدات ذات مساحة صغيرة، وبعد خمس سنوات يقومون بتسليم هذه الوحدة والانتقال لوحدة أكبر نظير دفع قسط يسير، وهذا يتطلب تنمية ثقافة الحفاظ على الوحدات فضلاً عن تغيير ثقافة الشباب التي تسعى دائمًا لأن يبدءوا حياتهم الزوجية بوحدات ذات مساحة كبيرة.