تعانى جماعة الإخوان من فوبيا المؤامرات منذ وصلت إلى سدة الحكم بدخول محمد مرسى إلى قصر الاتحادية مطلع يوليو الماضى ، وتجلت مظاهر هذه الفوبيا حين خرج مرسى إلى أتباعه من الأهل والعشيرة وخطب فيهم وألقى بتهم التآمر على الجميع بما فيهم قضاة المحكمة الدستورية العليا ووصفهم بأنهم " 4567 فى الحارة المذنوقة بيعملوا فيها حاجة وحشة " وبأنهم يتآمرون عليه ويريدون له ولنظامه ولمصر ألا تنهض، والعجيب أن الدكتور مرسى ظل محافظا على هذه النظرية حتى بعد أن تحداه قضاة المحكمة وطالبوه بأن يظهر ما لديه من أدلة - لو كان يمتلكها – ولأنه لا يمتلك سوى وجهة نظر الجماعة ولا يرى إلا من زاوية الرؤية التى تحددها له ولا يتخذ قرارا إلا ما يرد إليه من مكتب الإرشاد، حتى صار من الطبيعى أن يقال بأنه مندوب الجماعة فى مكتب الرئاسة !لم يفصح عن شيئ ولم يقدم أية أدلة، لكن فوبيا المؤامرات، والتى يمكن أن تكون نابعة من التكوين السرى والغير قانونى للجماعة التى ظلت لسنوات طويلة تعمل تحت الأرض وتتلبسها حالة أن الجميع يتربصون بها، لم تفد الجماعة فى إيهام المجتمع بأنهم مضطرون لاتخاذ ما اتخذته من قرارات وقوانين – كان أكثرها فجاجة وتأكيدا على النزعة الفاشية الإعلان غير الدستورى فى نوفمبر الماضى – ولهذا ظهرت على الجماعة أعراض فوبيا أخرى وهى فوبيا الصناديق. على مر سنوات طويلة استطاعت الجماعة أن تكتسب خبرات متراكمة فى دنيا الانتخابات ودهاليزها وتفاصيلها وأسرارها وألعابها ومؤامراتها، ولقد استطاعت الجماعة من خلال تنسيقها الدائم مع النظام القديم أن تمتلك مفاتيح العديد من الدوائر وان تستخدم شبكة العلاقات الاجتماعية والعصبيات القبلية فى تكوين هذه الخبرة التى عززها الوضع المالى السخى للجماعة – والتى لا يعرف حتى الآن مصادر تمويلها – واستغلت فقر الفقراء وعوزهم فى إعادة إنتاج ذات الطريقة التى كان ينتهجها الحزب الوطنى السابق فى تزوير إرادة الجماهير وفى ابتزازهم وفى استغلالهم، كما ساعدها التنسيق القديم مع أجهزة الأمن فى اختراق العديد من الدوائر، ولا يجب أن ننسى التصريحات التى خرجت من مسئولين سابقين فى جهاز أمن الدولة السابق والذى أكدوا فيها أن الدكتور محمد مرسي كان حلقة وصل جيدة بين الجماعة وبين الأمن، ولعل تصريحات زكريا عزمى الأخيرة التى قالها عقب الإفراج عنه من أيام والتى شكر فيها محمد مرسى وأكد على انه كان دائم التعاون معه وكان يقوم بدور بارز فى إخلاء الدوائر الانتخابية أمام رموز الحزب الوطنى، تؤكد على أنهم – الجماعة – وجه آخر للحزب الوطنى وأن نظامهم الحالى هو العادة إنتاج لنظام مبارك لكن بذقن وجلباب قصير. تصر الجماعة على الاحتكام للصناديق بشكل مرضى كبير لأنها تمتلك مفاتيح اللعبة الانتخابية وتمتلك خبرات متراكمة تجعلهم مطمئنين لخروج النتائج على هواهم وكما يريدون، وعلى الرغم من الاحتجاجات الكثيرة التى تفجرت فى شتى ربوع مصر والتى تطورت الى عنف شديد سقط على أثره شهداء كثر، وبلغ الأمر إلى درجة إعلان عدة مدن للعصيان المدنى، إلا أن الجماعة ما تزال مستمرة فى غيها ماضيه فى الطريق الذى رسمته لنفسها والساعى للتمكين ولإقصاء المعارضين ، دونما التفات لأي رد فعل شعبى ولا لأي مناشدات من أى فصيل حتى من حلفاء الإخوان وحاملى المباخر لهم، وأصبح الأمر كأننا نحكم من قبل نظام أعمى وأصم، نظام فاشى مصاب بأمراض عدة يقوده أفراد اعتادوا العيش تحت الأرض والعمل السياسى السرى، وتحركهم فوبيا المؤامرات والتحايل والكذب والمراوغة، إن مصر الآن تحكم من قبل جماعة تمسحت بالثورة وسرقتها ثم أسكرتها نشوة السلطة وأنستها أبسط قواعد العمل الوطنى الحقيقى ولم يعد لديها من حلول سوى اللجوء للصناديق، فأي وهم هذا الذى يسيطر على الجماعة وعلى مندوبها فى الاتحادية؟ وأى انتخابات وأية صناديق يمكن أن نحتكم إليها ومصر مشتعلة فيها النيران، هل يعمد الإخوان إلى إحراق مصر وبث الفتنة بين الشرطة والشعب وبين الشرطة والجيش وبين كل فئة وأخرى حتى تسقط مصر وتتمكن هى من السيطرة على مفاصلها بعدما تصبح فاشلة ضعيفة محطمة. إن الجماعة تراهن فى تزوير الانتخابات دوما على جيش الموظفين الذين تربوا فى ظل نسق إدارى جعل من معظمهم عبيدا لدى السلطة وجعلهم منبطحين دوما أمام سيف المعز وذهبه، خاصة وأن الوزارات التى تتعامل مع الجماهير وتتدخل بشكل مباشر فى العملية الانتخابية قد تم إسناد حقائبها إلى وزراء من الإخوان وتم ضخ الآلاف من الكوادر فى شتى المواقع الإدارية على الرغم من الرفض الشعبى والاحتجاجات الشديدة، كما تراهن على الرشاوى العينية التى تقدمها للبسطاء فى كفور مصر ونجوعها وفى الأحياء الفقيرة والعشوائية، كل هذا يصب فى قناة واحدة وهى السعى الشديد واللاهث خلف الصناديق الانتخابية حتى يتم عمل ديكور سياسى ونسج حالة سياسية خيالية يتم تصديرها للخارج وخاصة أمريكا التى تساند هذه الجماعة ونظامها الذى يدعم إسرائيل ويحافظ على أمنها وسلامتها كقربان يقدم فى بلاط العم سام، مما يدل على انتهازية الإخوان و كذبهم الذى روجوا له طويلا والخاص بالجهاد لتحرير القدس ومحاربة نظام مبارك الذى كان تابعا لأمريكا ، ثم هاهم الآن يعيدون نفس منهج مبارك لكنهم ينبطحون تماما أمام أمريكا ويخلعون كل شيء من الممكن أن يستر أفعالهم حتى باتوا على وشك خلع ورقة التوت. إن الجماعة تمضى قدما فى سبيل تحقيق خطة التمكين وفى سبيل إقصاء المعارضين لها، وهى لن تتوانى عن استخدام كافة الأسلحة مهما بلغت الخسائر وهذا كله ببساطة لأن الجماعة تدرك جيدا أنها باتت مكشوفة وأن فشلها قد أصبح واضحا للجميع خاصة بعدما عرفنا أن مشروعهم للنهضة كان دربا من دروب النصب السياسى والخداع و بعدما روجت لمشروع عرض آثار مصر للتأجير وقناة السويس كذلك، إننا نعيش الآن فى ظل نظام فاشى وفاشل لم يتوان عن السماح لميليشياته بسحل معارضيه واحتجازهم وتعذيبهم وقتل بعضهم أيضا ، ولتعلم الجماعة أيضا أنها بإصرارها المرضى هذا على إجراء الانتخابات فى ظل الوضع الأمنى المتردى والاحتقان الشعبى بسبب ممارستها، أنها لا تعد صناديقا للاقتراع بل هى تعد الصناديق للمزيد من الجثث، يراهن الإخوان على وهم الصناديق ويروجون لديمقراطية زائفة تكون على مقاسهم ووفق هواهم لكنهم واهمون فمصر العظيمة كبيرة جدا ولن تستطيع جماعة سرية فاشية فاشلة وكاذبة أن تقوض مسيرتها أو تختزل ثورتها أو تسطو على تاريخها وتتحكم فى حاضرها وتشكل مستقبلها، وعليهم أن يتطلعوا مليا إلى المآل الذى صار إليه مبارك ونظامه لأنهم يسيرون إليه بسبب طمعهم وغبائهم وعمى أبصارهم وبصائرهم. Comment *