في مثل هذه الأيام تمر ذكرى ميلاد عبد الله اللواتي الطنجي المعروف ب "ابن بطوطة"، وجاءت تسمية ابن بطوطة بالطنجي نسبة إلى بلاده؛ حيث ولد في درب صغير بمدينة طنجة بالمغرب عام 1304، وفيها مات عام 1368. وابن بطوطة لم يكن عالماً أو كاتباً، لكنه كان يهوى القراءة، حافظاً للقرآن، أما عمله فكان بالتجارة، والتي أخذ يتخلى عنها بالتدريج؛ ليجعل من نفسه رحّالة، يجوب الأماكن، يتعرف على عاداتها وتقاليدها ويدونها؛ كي يرسم لنا كيف كانت ملامح بلاد العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الميلادي. كان أبوه فقيهًا يشتغل بالقضاء، وكان يعد ابنه ليكون خلفًا له، لذلك حفظ ابن بطوطة القرآن، ودرس العلوم الدينية، والأدب والشعر، فشبَّ تقيًّا، ورعًا، محبًّا للعلماء والأولياء، ولكنه لم يُتِمَّ دراسة الفقه بسبب رغبته في السفر والترحال. في بداية شباب ابن بطوطة التقى بالعديد من الحجاج، ومن بينهم أصدقاء أبيه، وكان ذلك في ميناء طنجة، فاستمع إلى أخبار الدول والناس، وعجائب الأسفار من الحجاج والتجار، وبعدها قرر ارتداء ثوب الترحال وهو في الثانية والعشرين من عمره. كانت رحلته الأولى من سنة 725ه/ 1325م ، حين خرج ابن بطوطة من طنجة قاصدًا الكعبة، وزيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم، لم يخرج مع قافلة الحج، بل خرج مع قوم لا يعرفهم، ولم يستقر مع جماعة منهم، فأخذ ينتقل من مركب إلى آخر، ومن قافلة إلى أخرى، فقد كان اهتمامه برؤية أصناف الناس، والغرائب التي يصنعونها هو شغله الشاغل. لم تكن رحلة ابن بطوطة رحلة واحدة متصلة، بل كانت عبارة عن تسع رحلات، يشكل تفاصيلها في كتابه المدهش الذي يحمل عنوان "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، والمعروف بكتاب "رحلة ابن بطوطة"، والذي وصف رحلاته الأربعة، والتي بدأت بشمال إفريقيا ومصر وأعالي النيل وسورية، إذ بقي ابن بطوطة في الديار المقدسة شهرين انطلق بعدها إلى بغداد ثم إلى أنحاء إيران فبغداد من جديد ومنها هذه المرة إلى الموصل ثم عودة ثانية إلى بغداد فالجزيرة العربية، حيث بقي هذه المرة ثلاثة أعوام، بعدها انطلق إلى البحر الأحمر فاليمن فمقديشيو وإفريقيا الشرقية عائداً من هناك إلى عُمان فمكة. وفي الرحلة الرابعة زار ابن بطوطة مصر فسورية فآسيا الصغرى فبلاد المغول وجنوب روسيا، منطلقاً من هناك إلى القسطنطينية فوسط آسيا وأفغانستان فوادي الهندوس، وصولاً إلى دلهي التي أقام فيها تسعة أعوام عيّن خلالها قاضياً على المذهب المالكي. بعد ذلك نراه يتوجه إلى جزر المالديف حيث بقي عاماً ونصف العام في رحلة خامسة شملت سيلان فآسام فسومطرة والصين، والعودة إلى بغداد وسورية ومصر والحج إلى بيت الله الحرام. ولدى عودته من هناك إلى الإسكندرية توجه بحراً إلى سردينيا ومنها أبحر على متن سفينة إلى الجزائر ففاس ثم مملكة غرناطة، قبل أن يعود إلى المغرب ثانية، ومن ثم ينطلق في رحلته الأخيرة إلى وسط إفريقيا، حيث بدأ بزيارة متعبة وطويلة إلى الصحراء أوصلته إلى ما كان يُعرف في ذلك الحين ببلاد النيجر، وهي حيز جغرافي تختلف إلى حدّ ما عن دولة النيجر. وحج خلال هذه الرحلات أربع مرات وخلال تسعة وعشرين عاماً من الترحال كشفت هذه الرحلات عن أسرار كثيرة من البلاد التي زارها ابن بطوطة، إذ يعد أول من كتب شيئًا عن استعمال ورق النقد في الصين، وعن استخدام الفحم الحجري وكان صادقًا في أغلب أوصافه،حتى إن المستشرق "دوزي" أطلق عليه "الرحالة الأمين"، وقد أتقن ابن بطوطة خلال رحلاته هذه اللغتين الفارسية والتركية، وقطع مائة وأربعين ألف كيلو متر، أكثرها في البحر، وتعرض للأخطار والمهالك في الصحاري والغابات، وقطاع الطريق في البر، وقراصنة البحر، ونجا مرارًا من الموت والأسر. ونذكر هنا قول المستشرق ريجيس بلاشير عن كتاب ابن بطوطة "رغم كل ما يقال فإن لهذا الكتاب أهمية فائقة في التعرف على العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الميلادي، ففي هذا الكتاب الكثير من الاستطراد وتختلط فيه الأساطير مع الحكايات التي يصعب تصديقها والتي تتعلق بالمعتقدات والأوصاف المتكررة، ونكتشف فيه أيضًا معلومات تاريخية دقيقة ومفيدة لا سيما تلك التي لا تحصى والمتعلقة بالعقائد والعادات وأخلاق السكان كما يراها هذا الرحالة.. انتظم محيط أسفاره عددًا كبيرًا من الأقطار، وقد جاوز تجواله مقدار مائة وخمسة وسبعين ألف ميل، فهو بهذا يعد منافسًا كبيرًا لمعاصره الأكبر سنًّا منه ماركو بولو البندقي الإيطالي الذي دفعه حب الأسفار إلى اجتياز كل آسيا عن طريق منغوليا، وعاد عن طريق سومطرا والذي عهد إلى كتاب له في إخراج مذكراته إخراجًا أدبيًّا واسمه كتاب ماركو بولو". أخبار مصر – ثقافة - البديل Comment *