السيرة الشعبية،هي قصص مستقاة من التراث العربي تمجد فيها الأخلاق العربية الأصيلة كقوة العربي وعزته وشهامته وتنكر فيها الأخلاق السيئة كالخيانة والغدر، ولم تخل هذه القصص من الحب والغرام بين الحبيب ومحبوبته، بل نرى فيها العناء والآلم كثيرا، حتي يجمع بينهما بعد عناء شديد. وفي عيد الحب تعيدك "البديل" السير الشعبية لتتعرف على أهم قصص الحب فيها، وتعد قصة "عنتر وعبلة" أحد اهم نماذج ثنائى الحب المعروف فى التراث العربي وللحبيبة دور كبير ورئيسى فى تشكيل البطل لقبوله فى الهيئة الاجتماعية واندماجه فى النسيج العام للمجتمع ، وهى تقوم بهذا الدور انطلاقاً من إيمانها به وبرسالته وبقوة دفع تستمدها من قوة شخصيتها ومكانتها الاجتماعية ، وهو فى الحقيقة دور الحافز والدافع .. وقد قال عنتر لعبلة في إحدى قصائده ولقد ذكرتك والرماح نواهل منى وبيض الهند تقطر من دمى فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم بالفعل كان عنترة طفلاً متمرداً على وضعه الاجتماعى منذ البداية، كان يضيق بقيود العبودية التى يعيش فى اغلالها، لكن لم يقدم على اى فعل لتغيير هذا الوضع إلاّ عندما أحس أنه عائق منيع أمام حبه، وزواجه من عبلة. ومن هنا تبدأ مرحلة "الفعل" فى حياته، فمنذ أن وقع فى حب عبلة بدأت نظرته لنفسه تتغير، تأمل وفكر فإذا هو ليس أكثر من عبد من عبيد القبيلة ، عمله لا يخرج عن حماية الأغنام والشياه من وحوش الصحراء، ولا يمكنه أن ينظر إلى عبلة إلاّ كخادم وما عليه إلاّ التفاني فى خدمتها بأن تكون أول شاربة للبن الذى يقوم بتبريده لفتيات القبيلة. وإذا بعنتر يجد انه لا مفر من الحصول على الحرية، والعمل على اعتراف الجميع به، والحرية لا توهب،ولكن دون ذلك قوانين الجماعة التى لا يتخطاها أحد بسهولة، ويندفع الفتى يتفوق على الفرسان الأحرار فى الضرب والنزال، وإنزال الرعب فى قلوب الخصوم، ويستكمل مقومات النموذج الذى تنشده الجماعة، وضع روحه على سنان سيفه حتى أصبح حامى الديار والمحافظ على شرف نساء القبيلة، ومخلصهم من الأسر إذا ما أُ سرن من قبل القبائل المجاورة حتى اعترف به حراً وابناً لشداد أحد سادة القبيلة . ومن المؤكد أن حبه لعبلة كان الدافع وراء هذا التفوق، والحافز لتحقيق الذات، وظن الفتى أنه أزاح العائق المنيع بينه وبين عبلة، إنه الآن بطل القبيلة بلا منازع ومن حقه الفوز بحبيبته التى يرغب فيها وترغب فيه. ولكن الماضى لا ينسهى بسهولة، وحقيقة كونه ابن أَمَة لم تمح من الأذهان ، ففى الظاهر يعترف الجميع بأنه حر وابن أحد الساده، أما فى الباطن فالأمر مختلف ، ولهذا حاول "مالك " بكل جهده ان يبعد عنتره عن ابنته، وهداه عقله إلى أن يطلب ألفاً من النوق العصافير مهراً لعبلة، وهو يعلم كما يعلم الجميع أن هذه النوق لا توجد إلاّ عند النعمان - ملك الفرس – وأنّ طلبها يعني الموت المحتم ، لكن لأن حب عبلة في قلب عنتره قد فاق التصور، فقد قبل الفتى على الفور، وأعد عدته للرحيل رغم صرخات أمه وأخيه بأنه مقدم على الهلاك لا محالة. وهنا عندما أحس الراوي أنه لم يعد هناك ما يمكن فعله من بطولات في المنطقة المحلية ، فما عليه إلا أن يفتح له مجالاً آخر في مكان أكثر اتساعاً، وهذه النقله من الراوي ليست عبثاً، بل هو - وبذكاء شديد - ينقله من الجهاد الداخلى إلى الجهاد الخارجي، من الحيز الضيق إلى الحيز الواسع ، فبعد استقرار الأوضاع في الجزيره العربيه، لازال هناك ذلك نير الفرس يتحكم في عرب الجزيرة فلابد إذن من رفعه والانتصار على العدو الخارجي، ونراه يربط هذه الفكره القوميه بعبلة أيضاً فما رحلته هذه إلا لجلب مهرها. ويبدأ البطل مرحلته الثانية، أو المرحله الملحمية من السيرة، ويعود مرفوع الراية ومعه المهر المطلوب وزياده، وفي نفس الوقت يخلص العرب من تحكم العجم، بل ويقدم المساعده لكسرى نفسه ضد أعدائه من الروم، وتحققت له البطولة الكاملة كما نرى بدافع رئيسي يتمثل في عبله حبيبته وبطريق غير مباشر. Comment *