هو صاحب قصيدة مفتوحة العوالم، تهتم بكتابة التاريخ الليبي، الذي يراه مشوهًا ومنسيًّا؛ فيحاول التنقيب عنه وإحياءه من الذاكرة المقتولة عن سبق اصرار وترصد؛ هكذا بدأ الحبيب الأمين الكتابة عن ليبيا شعرًا، وعندما حاول تجريد الظلم والقهر من ظلامه، ليجعله مكشوفًا ومرئيًّا للرأي العالمي زج به في السجن، من قبل القذافي بتهمة التحريض علي الثورة؛ ثم أصبح بعد الثورة وزيرًا للثقافة، يحكي الأمين ل"اللبديل" عن تجربة السجين والمثقف وصاحب المنصب. عشت تجربة السجين والوزير، فكيف ترسم لنا حياتك في السجن ولحظة ارتدائك بدلة الإعدام؟ منذ اعتقالي قررت التعامل ببساطة مع السجن والحياة والموت فأنا لست بمجرم أو سفاح ولم أدخل إلى هذا المكان؛ إلَّا لكون صوتي ونصوصي أزعجت الديكتاتور ومهدت لرحيله، وبصراحة شديدة عشت التجربة، التي لم أكن أتمنى خوضها، رغم شعوري باقترابها مني، وفي اليوم الثاني لاعتقالي بسجن بو سليم ، دخل علينا حارس السجن وقال لي: "انت في حضرة المذبحة"،وفي الحقيقة استغربت من عدم اكتراثي ببدلة الإعدام؛ ربما لم أهتم بها لأنني كنت علي قناعة بأن مواعيد الموت والحياة ليست في يد القذافي، في الزنزانة لا يوجد كمبيوتر ولا أقلام ولا ورق، فكنت أنقر علي الورق المقوي، الذي كان يغطي وجبة الطعام، وعندما أحصل علي مسمار صدء كنت أكتب به كنت، وأحس بسعادة غامرة وكأنني اكتشفت الكتابة من جديد، وأطلقت عليها الكتابة المسمارية، وبهذه الطريقة كتبت كثير من النصوص فى السجن، وكنت أخشي من ضياعها أو مصادرتها؛ لأنها نصوص تكشف عن حالتي النفسية، وتعكس حالة التعاطي مع زمن الثورة، وفعل الشعب وخرجت ومعي نصوصي كألواح مؤرخة لحضارة الحرف في الزنزانة، وعلي أنقاض الجلاد، كما استطعنا داخل الزنزانة إقامة صالون أدبي للتغني بالحرية والثورة، وبأغاني مارسيل خليفة، وكان الأمل بداخلنا كبيرًا، وأننا سننتصر، وسنحصل علي حريتنا، وهو ما حدث بالفعل، فبعد أن كنا سنعدم بأوامر مباشرة من القذافي، يوم 1 سبتمبر مع ألف سجين؛ فجأة تهاوت القضبان أمام أفق لا محدود من الحرية والانتصار علي الطاغية، وخرجت من السجن ولم أحمل معي سوى مفاتيح الزنزانة، والاقفال التي وضعتها في برواز أسود بمكتبي. كيف تصف لنا الحياة الثقافية أثناء حكم القذافي.. ولماذا غاب المثقفون الليبيون عن المشهد الثقافي العربي؟ القذافي أراد أن يجعل من الثقافة وسيلة للدعاية للثورة فقط، ونجح في تعطيل المبدع والإبداع في ليبيا وأنتج ما نسميه بخردة مثقفين، أو أنصاف مثقفين يتعاطون فكر القذافي، تحت ما سماه بالنظرية العالمية الثالثة والكتاب الأخضر، والغريب أنه كان يدعي اهتمامه بالثقافة، واحتفاءه بها، فكان عندما يذهب إلى الدول العربية يدعم المثقفين، بينما هو يزج بمثقفي ليبيا في السجون، ومن أسوأ ما فعله؛ تحريم دخول الكتب إلى الجامعات، بدعوى أن الكتب تنشر الفكر الامبريالي الهدام، كما قلص عدد الصحف إلى ثلاث أو أربع صحف رسمية تعبوية؛ وكأننا في حالة حرب دائمة مع العالم ومع الثقافة، وكان يكتب في هذه الصحف عدد معين من الكتاب، الذين يتلونون حسب ما يريد الخطاب السياسي؛ لينتجوا الخطاب الثقافي؛ فعلي سبيل المثال عندما اختلف القذافي مع السادات ألزم مثقفي السلطة بتشويه مصر وثقافتها، ومحاربة السادات، ولذا غاب المثقفون الحقيقيون عن المشهد الثقافي العربي؛ لوضعه العراقيل، التي تمنعهم من التواصل؛ فمثلا عملية نشر الكتب في ليبيا كانت عملية متعثرة ومحصورة بين مجموعة معينة من كتاب السلطة. وهل كان هناك نضال يذكر من جانب المثقفين في ليبيا تجاه ما كان يفعله القذافي؟ كان هناك نضال سلمي، من جانب بعض المثقفين، فالعديد من مثقفي ليبيا تم تصفيتهم، ولذا غاب النص الليبي، غاب الحبر الليبي وغاب الاسم الليبي وغاب الكتاب الليبي، فلا نستطيع أن ننسي الكاتب والمثقف الليبي، الذي اختطفه القذافي بخطفه ومثل بجثته وقطع أصابعه؛ وهى جريمة ليست عادية، لكن الشيء المحزن أن أحد الكتاب الليبين، الذين يجيدون شد الشعرة بينه وبين السلطة لحلبها تجاهه، قام في نفس يوم الحادث بكتابة مقال عن قضية سوزان تميم وهشام طلعت مصطفي، ويمكننا أن نذكر المثقف والمبدع فتحي الجهمي، الذي قال للقذافي عن كتاباته: "ستؤدي بالبلاد إلى التهلكة" فمنع عنه الدواء في السجن حتي مات الرجل، وهناك الكثير من المثقفين الذين هاجروا إلى الخارج، وكتبوا ومارسوا حرية الفكر والإبداع، مثل الروائي العالمي "الكوني" وغيره من الأدباء والشعراء والتشكيليين. Comment *