"كنا فى الاجتماع المسائى حين جاءتنا أنباء هجوم الألتراس، نظرت فى الورقة التى جاءتنى وفركت عينى غير مصدق، ولما رأيت أن محتويات الورقة لم تتغير بعد الفرك أعطيتها للرئيس، فنظر القاضى المبجل فيها مطولا ثم اعطاها بملل ظاهر لزميليه العسكريين، العميد هشام والعميد مدحت، تشاركا النظر فى الورقة وبدأ صوتهما يرتفع بالسباب وقاما واقفين وهما فى منتصف القراءة. وتساءل العضوان المدنيان، الدكتور سيد والدكتور رفعت، عن محتوى الورقة، ولكن العميد مدحت لم يفلتها من يده وقام خارجا يتصل بالتليفون وتبعه العميد هشام، وامسك القاضي رأسه بكلتا يديه وأخذ ينظر إلى المنضدة فى صمت، الدكتور يسأل القاضى فى رتابة عما حدث، فلا القاضى يرد ولا الدكتور سيد يكف عن السؤال، فى حين قام الدكتور سعيد يسعى خلف العميد مدحت وهشام .اخيرا تنبه الدكتور سيد إلى مصدر الورقة فسألنى عنا فيها.قلت له :وزير الامن الداخلى يفيد بقيام عناصر من تنظيم (كتائب الالتراس ) المحظور بقتل اثنى عشر ظابطا وثمانية من المدنيين هذ المساء خنقا بكوفيات عليها علامة النادى الاهلى ،ونشر صورالقتلى على الإنترنت .سألنى عن هوية القتلى فأكدت له أنهم هم الذين سبق تبرئتهم فى قضية احداث مباراة الاهلى والمصرى. هكذا بدأت سلسلة الكوراث ... عزيزى القارئ لا تجزع أنه ليس مشهدا من فيلم أكشن مصرى، ولا تغطية خبرية متابعة لمسيرات الالتراس التى بدأت اول امس فى جميع محافظات مصرلطلب القصاص من قتلة مذبحة بورسعيد، إنها جزء من رسالة "على "الاب الى ابنه يحيى فى مشهد شديد الدرامية والتركيز والتشويق كتبه المحلل السياسى والروائى والسفير د.عز الدين شكرى فشير فى روايته الاخيرة التى تحمل عنوان "باب الخروج ..رسالة على المفعمة ببهجة غير متوقعة" . تلك الرواية التى نشرت مسلسلة على حلقات بصفحات جريدة التحرير قبل اعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية إلى أن صدرت فى كتاب فى اواخر اغسطس من نفس العام . برؤية وخبرة استاذ العلوم السياسية بالجامعة الامريكية ذى الدراية العميقة لقراءة المشهد السياسى وكيفية تطوره وقلم الروائى المبدع ذو الخيال الخصب ،حلق بنا عز الدين شكرى فشير مابين الواقع والخيال ، ليجعلنا نسأل سؤالا عبر صفحات هذه الرسالة الحميمة والعميقة التى ارسلها على إلى ابنه من على ظهر مركب قادمة من الصين فى اكتوبر 2020،عن مستقبل مصر بعد ثورة 25يناير ،وفى الوقت الذى يجعلنا نفقد الامل فى نجاح هذه الثورة يفتح لنا بابا للخروج من حالة الإحباط إلى حالة هذه الرسالة وما تحتويها سطورها من بهجة غير متوقعة " ،ويتركنا للحيرة فى كيفية استشراف الكاتب لهذه الاحداث التى وقعت على صفحات رسالته بل تحقق بعضها على ارض الواقع فعلا .؟؟؟!!! وكما يظهر من عنوان الرواية رسالة على المفعمة ببهجة غير متوقعة ،أن "على شكرى "هو الشخصية المحورية فى الرواية ، يعمل مترجما فى القصر الرئاسى من سنة 1990 حتى 2020 ومن خلال هذه الفترة الزمنية ترسم لنا الرواية كواليس النظام السابق وفساده ،والأسباب التى أدت لاندلاع ثورة يناير باشتراك الابطال الثانوية الأخرى مع "على " كصديقة المحلل السياسى عز الدين شكرى الذى يستشيره فى اموره المختلفة . وقد اعتدنا كثيرا فى روايتنا العربية التقليدية أن تبدأ القصة بفلاش باك عن تاريخ شخصية معينة من ابطال الرواية، او حدث معين له امتداد فى حاضر ومستقبل الرواية ، لكن العكس حدث مع رواية باب الخروج حيث تبدأ احداثها فى 20-10-2020 ، من خلال هذه الرسالة الحميمية التى يكتبها الاب لابنه ،وهو فى الساعات الاخيرة وهو على وشك ان يرتكب أمرا جللا بإحضاره لأسلحة نووية على سفينة قادمة من الصين ،من خلال اتفاق ثلاثى لايعرفه رابع بين الرئيس المصرى العسكرى فى 2020 وهو اللواء احمد القطان ،ومدير المخابرات اللواء المنيسى ،والمترجم "على". والمفترض ان هذه الاسلحة النووية ستستخدم لضرب القوات "الاسرائيلية" التى احتلت شرق سيناء فى ذلك الوقت وسيطرتها على طول خط العريش حتى رأس محمد ،لتكون بمثابة رسالة أولى يوجهها عز الدين فشيرللقارئ على لسان "على " بأن "إسرائيل" سوف تحتل سيناء مرة ثانية ، واشارة اخرى فى توجه السياسة الخارجية المصرية التى ترتمى فى احضان الصين وتبتعد عن الغرب حيث السفينة القادمة من الصين وعليها القنابل النووية . ولكن "على "ابلغ الامريكان بهذه الشحنة واتفق معهم على عرقلة السفينة فى المحيط الهادئ ثم تسليمها لمصر ،ومن ثم تبدأ احداث الرواية وسطور الرسالة التى يبعثها "على " لابنه ليشرح له موقفه وسبب هذه الخيانة الكبرى. ومن خلال هذا الشرح تتوالى حلقات الرواية متضافرة بأحكام مشوق ينقلنا من حدث لآخر ،ليرسم لنا صورة لمصر فى ثلاث مراحل ،بدءا من عام 90، مرورا بعمله كمترجم 1995ورصده لملامح النظام السابق ،ثم المرحلة الثانية وهى قصيرة جدا فى رصدها بالرواية تعبر عن ثورة ينايروالفترة الانتقالية ،ثم المرحلة الاهم والاكبر وهى الثمانى سنوات التى تلت الفترة الانتقالية الصراع السياسي والاحتجاجات والاشتباكات الدموية والمحاكمات الثورية،ومايدور حول موائد الاتفاقات والصفقات "وتحت الموائد كمان" بين الحكومات والعسكريين والسلفيين والتيارات الاشتراكية وغيرها من التكتلات إلى أن تأتى هذه اللحظة التى يبدأ فيها على رسالته بصفقة الاسلحة النووية القادمة من على ظهر سفينة من الصين . وعلى ذكر الفقرة الاولى ،التى تتنبأ بتصرف كتائب الالتراس تجاه عدم الحكم بالقصاص العادل لشهداء مجزرة بورسعيد ،انه ليس تنجيما أو تكهنا وهمىا ،بل هو نتاج عقلية خبير سياسى له رؤية ثاقبة فى دراسة الواقع والمشهد السياسى بشكل عام وكيفية تصرف اطرافه الرئيسية التى تلعب على الساحة السياسية ،ومن ثم يساعدنا عز الدين فشير من خلال روايته ان يفتح لنا كاتالوجا عن سيناريوهات العنف القادمة ،بناء على المعطيات والمقدمات الموجودة على ارض الواقع . ومن اهم هذه المقدمات هو بقاء الداخلية بدون إعادة هيكلة ولا إصلاح ،والاستمرار فى نفس طريقتها القديمة فى عدم التعامل المحترف مع الخارجين على القانون ،بل زاد الأمر سوءا ضياع هيبة الداخلية بعد الثورة وعدم قدرتها على بسط الأمن ،ومن ثم يؤدى ذلك الى سلسلة من الكوراث التى استشرفت الرواية حدوثها وبالفعل هناك وقع بالفعل والآخر منتظر وقوعه مثل رد فعل الألتراس على محاكمات بورسعيد السبت القادم . فمثلا تبدأ أولى هذه الكوارث التى رصدتها الرواية وبالفعل عقدنا مقارنة بينها وبين ماحدث على ارض الواقع فى ميدان الجيزة واقتحام وتعدى الداخلية على الباعة الجائلين ومقتل أحدهم فى أكتوبر الماضى، فضلا عن حملة الداخلية بحملة أمنية مكبرة بمنطقة أرض اللواء وقد أسفرت عن إزالة جميع الأكشاك التى أقامتها على سور حديقة تابعة لأملاك الدولة و المطلة على مزلقان،والذى أسفر عن إصابة ضابطين بطلقات نارية فى هذه الاشتباكات مع الباعة الجائلين وهو ماوقع فى فى ابريل 2012 ،بعد انتهاء عز الدين شكرى من الرواية ونشرها على حلقات ،حيث ذكر كاتبا فى احد سطورالرواية " بدأت سلسلة الازمات فى 21مارس فى العام التالى 2013،بحادثة امنية بجوار ارض اللواء .توجه مسئولون من الشرطة مدعومين بقوة من الشرطة الى منطقة قريبة من أرض اللواء لتنفيذ أمر إزالة لخمسة عقارات على أرض زراعية ..وتطورالامر إلى اشتباكات وقع فيها ثلاثة قتلى ،اثنان منهم من قوة الشرطة " ونتجه الى مشهد آخر استشرفه الروائى فى سطور الرسالة ،حول موقعة جمعة الحساب ،وتعدى الاخوان المسلمين على المتظاهرين ،وتحول شريك الثورة إلى خصم ضد المعارضين يحاول إقصاءهم والتنكيل بهم . وثالث هذه المشاهد خطورة والتى تتوقعه الرواية هو ماننتظره جميعا وتخشاه البلد بأكملها هومحاكمات مجزرة بورسعيد ،والذى أشارت الرواية فى ضوء استمرار غياب العدالة ،وعدم جدية التحقيقات واستمرار الغضب الشعبى ،خاصة غضب هؤلاء الشباب ،والذى ليس من المنتظر تهدئتهم بعد سنة كاملة لم ينسوا فيها زملاءهم الذين قتلوا أمام أعينهم ليكون المشهد المتوقع حدوثه مخيفا ورهيبا ،لايتمناه أحد ،بل هو أيدى أجهزة التحقيق وجدية الارادة السياسية التى تسعى بشكل حقيقى نحو المحاسبة والمسألة وتقديم الجناة الى القضاء. إذا لم يحدث القصاص العادل فتسبق أيدى شباب "كتائب الألتراس "كما وصفها الكاتب ايدى العدالة فى القصاص ليشكل ذلك منحنى خطيرا للثورة التى تدفعها كل الأطراف يوما بعد آخر للخروج من سلميتها ،وللأسف الثورات كأسماك القرش عندما إذا اشتمت لرائحة نقطة دم واحدة سوف يبدأ المسلسل المفزع من استمرار المصادمات الدموية الخطيرة ،ليصورها لنا عز الدين فشير فى مشهد أشد خطورة وهو حمل الجماعات السلفية الجهادية للسلاح ،بعدما اكتشفت أنها خدعت فى مواد الدستور الذى كانت تأمل فى تطبيق الحدود من خلاله وشريعتها الوهابية ليستمر نزيف الدم . فى النهاية باب الخروج الوحيد لمصرالتى يمكن أن يكونه كل قارئ من وجه نظره ،بعد قراءة الرواية لوقف سيناريو الفوضى والمصادمات الدموية هو أن تتحمل المسئولية جميع الأطراف المسئولية سواء تيارات ليبرالية أو إسلامية أو عسكر ،والتأكد من مفهوم واحد فقط هو أنه لن يبنى مصر فصيل واحد وطرف واحد يتأثر بها ويريد إعادة تشكيل الدولة والمجتمع على هواه وأيديولوجيته ،واذا استمر الجميع فى عناده فالكل خاسر. أخبار مصر - قضايا ساخنة - البديل Comment *